شهدت العاصمة القطرية الدوحة في الحادي عشر من ديسمبر 2014 اجتماعاً بين ممثلي حلف «الناتو» ودول مجلس التعاون أعضاء مبادرة إسطنبول للتعاون الاستراتيجي التي أطلقها الحلف عام 2004 وانضمت إليها كل من البحرين وقطر والكويت والإمارات بغرض التعاون الأمني بين الجانبين، وذلك بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق تلك المبادرة، ومن الطبيعي أن تثار تساؤلات ثلاثة لدى الجانب الخليجي الأول: هل أسهمت تلك المبادرة في دعم أمن دول الخليج؟ والثاني: ما هي الاحتياجات الأمنية الحقيقية لدول الخليج؟ والثالث: هل هناك حاجة لتطوير المبادرة بما يتلاءم مع المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة التي تختلف بشكل جذري عن الظروف التي أطلقت فيها؟
وبالعودة إلى تاريخ إطلاق المبادرة فقد أعلنت في قمة الحلف بتركيا 29-30 يونيو 2004، بغرض التعاون الأمني الثنائي مع دول الخليج، وتقدم المبادرة قائمة من الأنشطة الثنائية التي يمكن للدول الاختيار منها وهي 1- تقديم الاستشارات في المجالات الدفاعية، 2- تشجيع التعاون العسكري - العسكري، 3- مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والتعاون البحري، 4- المساهمة فيما يقوم به الحلف من أعمال لمواجهة التهديدات التي تمثلها أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها 5- تشجيع التعاون في مجال أمن الحدود، 6- تشجيع التعاون في مجال التخطيط لحالات الطوارئ المدنية، وقد شهد بعض من تلك المجالات تعاوناً بين الجانبين وبخاصة في برنامج التعاون الإقليمي لكلية الدفاع لحلف الناتو بروما والتي شارك فيها العديد من أبناء دول الخليج منذ 2009 وحتى 2014 من العسكريين والدبلوماسيين حيث اكتسبوا خبرات كثيرة وبخاصة في مجال إدارة الأزمات، كما شاركت بعض دول الخليج أعضاء المبادرة في عمليات حلف الناتو بليبيا عام 2011 بما يعني أن التعاون الأمني بين الجانبين يؤسس على التبادلية، وتدرك دول الخليج أهمية دور الحلف في مواجهة تحديات الأمن الإقليمي الراهنة والذي أشار إليه الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين بالقول «مبادرة إسطنبول مهمة في منطقة الخليج العربي من أجل تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني بين الدول لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة».
وواقع الأمر أن دور الحلف تجاه أمن منطقة الخليج ليس وليد اليوم فقد شاركت دوله الرئيسة في حرب الناقلات خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات وحرب تحرير دولة الكويت عام 1991.
ومع التسليم بأهمية ما سبق فإن المعضلة الرئيسة لدول مجلس التعاون هي حالة الخلل في توازن القوى مع الأطراف الإقليمية، وبالتالي فهي في حاجة لبناء قوة ردع حقيقية، بل والأهم كيفية عمل تلك القوات، والتي يمكن الاحتذاء بتجربة الناتو في هذا الشأن، حيث يلاحظ أن قوات حلف «الناتو» تقسم إلى عدة أقسام وهي قوات الرد السريع، وقوات الدفاع الأساسية، وقوات التعزيز، وقوات المهام المشتركة، ومن ثم فإن ما تردد عن انتهاء دول الخليج من إنشاء قوة لمحاربة الإرهاب والتدخل السريع، في حالات المواجهة المسلحة الفورية يكون مقرها البحرين، فإنه يمكن لتلك القوة الجديدة الاستفادة من تجربة وخبرات الحلف في هذا الشأن، من ناحية أخرى، وفي ظل التحديات الأمنية الإقليمية الراهنة فإن الحلف يمكنه أن يسهم في العديد من المجالات الأمنية التي تحتاجها دول الخليج ومنها التبادل الاستخباراتي بشأن تقييم المخاطر الأمنية الراهنة وآليات مواجهتها وخاصة ظاهرة الإرهاب، وإدارة الأزمات ومخاطر الفضاء الإلكتروني، والأمن البحري من خلال دعم القوات البحرية المشتركة التي أنشأتها دول الخليج مؤخراً ليكون لديها القدرة على تنفيذ المهام المنوطة بها بفاعلية.
من ناحية أخرى، فإن السياق الراهن يشهد مستجدات كثيرة تختلف بشكل جذري عن ذلك الذي أطلقت فيه المبادرة قبل نحو 10 سنوات الأمر الذي يتطلب ربما تعديلاً لبعض بنودها وأهدافها وآليات عملها حيث إن المبادرة مؤسسة على التعاون الثنائي أي بين الحلف ككل وكل دولة على حدة، وربما يكون من الأفضل تعديل تلك الصيغة إلى 4+1 أي الدول الخليجية الأربع أعضاء المبادرة مع الحلف ككل لتعظيم الاستفادة الخليجية منها، إضافةً إلى إمكانية تعديل مسألة مواجهة الإرهاب لتكون بشكل أكثر تحديداً الجماعات دون الدول وخاصة «الثيوقراطية»، فضلاً عن متغيرات السياسة الأمريكية الراهنة والتي يتوقع أن تشهد انحساراً عن المنطقة مما يثير التساؤل عن دور حلف «الناتو» إزاء أي أزمات قد تشهدها المنطقة؟ إضافةً إلى حالة عدم الاستقرار في دول الجوار الإقليمي وما يمكن أن يقدمه الحلف في هذا الشأن حيث إن لديه خبرات بشأن بناء الأجهزة الأمنية في الدول التي شهدت صراعات، بمعنى آخر أنه يجب أن تكون لدى الحلف رؤية أكثر شمولاً لمفهوم الأمن الإقليمي الخليجي.
وفي ظل تزايد دور حلف «الناتو» خارج أراضيه وهو ما يؤكده أمران الأول: أن الحلف قد قام بمهام كثيرة في أفغانستان وخليج عدن والعراق والصومال والسودان وكوسوفو ومقدونيا وليبيا، فضلاً عن مهام أخرى عبر المتوسط، والثاني: على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها دوله فإن المؤشرات الصادرة خلال عام 2014 تشير إلى أن الإنفاق على الدفاع في تزايد في كل من أستونيا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورج، والنرويج، والمملكة المتحدة، فإنه يتعين أن تبحث دول الخليج أعضاء مبادرة إسطنبول عن نقاط تعاون مشتركة مع الحلف تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجانبين وفق شراكة أمنية تبادلية.
* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة