*بقلم - غادة عبدالله:
بعد أسبوعين من المفاوضات في مؤتمر الأمم المتحدة للحدّ من الاحتباس الحراري الذي شارك فيه أكثر من 190 د ولة، تم الاتفاق على خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وسيستخدم هذا الاتفاق كوثيقة أساسية في المفاوضات التي تسبق قمة باريس حول المناخ في عام 2015؛ حيث ستوقع الدول على تعهدات ملزمة لخفض ارتفاع حرارة الأرض. وقد شارك ممثلون من دول مجلس التعاون في المؤتمر المنعقد في ليما «عاصمة بيرو». وعقد وزير البترول والثروة المعدنية في السعودية عدداً من الاجتماعات، على هامش هذا المؤتمر، ناقش فيه رؤية السعودية لاتفاقية باريس واستعداد المملكة لاتخاذ التدابير المطلوبة؛ للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
تلعب دول الخليج دوراً مهماً في مجال التغير المناخي، فهي -في آنٍ واحدٍ- المنتج والمصدر، وكذلك ضحية للتغير المناخي. ويتوقع أن تلحق أضرارٌ بالغةٌ في منطقة الخليج العربي إذا بقيت الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري على ما هي عليه اليوم، وفي مقدمة هذه الأضرار ارتفاع منسوب المياه البحرية الذي قد يغمر بعض المناطق الساحلية والجزر، وخاصة الاصطناعية منها، فعلى سبيل المثال قد تفقد البحرين 11-26% من مساحتها خلال الـ100 عام القادمة، إذا بقيت مستويات الانبعاثات على ما هي عليه اليوم.
إضافة إلى ذلك قد تواجه دول مجلس التعاون مخاطر تدمير البيئات الحيوانية والنباتية الطبيعية، وارتفاعاً لمعدّل الأمواج في الخليج، التي قد تكون مصحوبة بأعاصير وأمواج مدمرة.
التغيّر المناخي يهدد أيضاً الأمن المائي في الخليج؛ من خلال تأثيره السلبي على محطات تحلية المياه، التي هي المصدر الرئيسي للمياه في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي ستقل كفاءتها بسبب التغير في ملوحة مياه البحر، بينما سيرتفع الطلب على المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة والنمو السكاني. آثار التغير المناخي قد بدأت بالظهور في منطقة الخليج؛ حيث سجلت في السنوات القليلة الماضية أعلى درجات الحرارة في تاريخ بعض المدن الخليجية، كالمنامة، وجدّة، والدوحة.
لذلك على دول الخليج القيام بتغييرات جذرية في اقتصاداتها بدءاً من التنويع الاقتصادي بعيدا عن مصادر النفط والغاز؛ لتفي باتفاقية التغير المناخي وإجراءاتها، وللحد من أضرار التغيير المناخي. وعلى القطاع العام تحفيز القطاع الخاص والتعاون معه في الأنشطة المناخية؛ لتحقيق الأهداف بطريقة شاملة ومتوازنة.
ويتطلب التنويع الاقتصادي استثمارات هائلة، ووقتاً طويلاً، لتحقيق الأهداف المرجوة. فلذلك يجب البدء بالمشاريع «الخضراء» من الآن؛ لأن أي تأخير سيزيد من المخاطر المحتملة؛ ولذا تتضاعف كلفة الاستثمارات التي يجب أن تقوم بها الدولة؛ لمواجهة هذه المخاطر.
ويعتبر مؤتمر ليما ومؤتمر باريس الذي يتبعه فرصة مناسبة لدول الخليج للبدءِ في هذه المشاريع، حيث سيتم وضع اتفاق ملزم وشامل على المناخ، تساهم فيه جميع دول العالم، كما سيتم -في 2015 بعد الاتفاق في مؤتمر باريس- وضع المزيد من الأحكام المقيدة على الدول جميعها حول انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وبسبب هذه الأحكام ستقوم الكثير من الدول باستثمارات هائلة في الطاقة الخضراء، وفي المشاريع المختلفة، للحد من استهلاك الطاقة الأحفورية التي تعد من أهم مصادر الاحتباس الحراري.
ولهذا قد يبقى مستوى الطلب على النفط منخفضاً، وتبقى أسعار النفط متدنية؛ مما سيؤثر سلباً على اقتصاد دول مجلس التعاون. وهذا يزيد من أهمية التسريع في المضي نحو التنويع الاقتصادي.
يشار إلى أن نصيب دول الخليج العالمي من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ليس عالياً، فمثلاً انبعاثات دول الخليج من ثاني أكسيد الكربون أقل من 10% من انبعاثات الصين، و15% من انبعاثات الولايات المتحدة. رغم أن دول الخليج مسؤولة عن 2.4 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم فقط، إلا أن نصيب الفرد من الانبعاثات مرتفع جداً.
وبسبب بيئة دول مجلس التعاون الصحراوية وشحّ الموارد المائية، لا تستطيع دول الخليج الالتجاء إلى مصارف الكربون، كالمناطق الخضراء؛ للتقليل من كميات الكربون في الجو. أما احتجاز الكربون وتخزينه «carbon capture and storage» فإنه لا يعتبر مناسباً لحل مشكلة الاحتباس الحراري؛ إذ يشجع على إنتاج الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وأي تسريبات من وحدات التخزين قد تسبب أضراراً بيئية كبيرة.
ولهذا بدأت دول الخليج جميعها التوجه إلى مشاريع في الطاقة النظيفة، كأحد أهم الحلول للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. فأنشأت المملكة العربية السعودية مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، واتجهت الإمارات إلى الاستثمار في الطاقة الذرية، وأنشأت مدينة مصدر التي تستخدم التقنيات الحديثة المختلفة في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة الكربون.
رغم هذا التوجه الإيجابي إلا أن دول الخليج ما زالت تفتقر إلى أهداف واضحة للحد من التلوث. لذا؛ يجب على دول الخليج إنشاء سجل للانبعاثات، والعمل على وضع خطة لخفض هذه الانبعاثات. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تنفيذ مجموعة من السياسات المحلية الجديدة والموسّعة، مثل الحوافز الضريبية للطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النظيفة.
* مساعد باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»