للمؤمن نصيب من كل آية موجهة للرسول على قدر عزيمته وإخلاصه
أكد علماء ودعاة أن «الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، مأمور بالصبر على تبليغ دعوة الإسلام للآخرين، ومأمور بالصبر على تحمل المشاق التي تعترضه في سبيل ذلك، ومأمور فوق ذلك بالصبر على كل ما ينزل به من البلاء والمحن، لأن هذه الأحوال هي التي تكشف المسلم الصادق من غير الصادق، وهي التي تمحص المؤمن الحق من الذي يدعي الإيمان، كما قال تعالى: «ولنبلونكم حتى نعلم المجـــاهــديــن منكــم والصابرين»، مشيرين إلى أنه «على المؤمن أن يثق بنصر الله ووعده، وأن يوقن أن الله حافظه وناصره ومؤيده، مادام حاملاً لدعوته، وسائراً على درب هديه».
وأضافوا أن «في القرآن الكريم آيات كريمة، خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم تأمره بالصبر على مشاق الدعوة، وتعده بالعون والنصر المؤزر، ومن تلك الآيات قوله عز وجل: «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا»، موضحين أن «الآية الكريمة تتضمن في جملتها أمراً ووعداً».
من جهته، قال الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي إن «الله سبحانه وتعالى من صفاته أنه العزيز، والعزيز حينما تطلب منه شيئاً لا يعطيك إياه إلا بعد أن يمتحن صدقك، لذلك قال سبحانه وتعالى: «من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت»، وفي قوله أيضاً «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا»، وبالتالي طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب، فالله سبحانه وتعالى عزيز يمتحن صدق المؤمن، وصبره، وإلحاحه، وسعيه، فإذا رأى عبده صادقاً أعطاه ما يريد».
وأضاف الشيخ النابلسي أن «الإنسان يصبر عندما لا تتضح الحكمة، لذلك عندما يأتي الألم الذي لا يحتمل، يتجلد المؤمن، وفي قوله تعالى «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا»، فهذه الآية الكريمة، وإن كانت خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم -كما هو ظاهر اللفظ- بيد أنها تفيد العموم، إذ هو الأصل في الخطاب القرآني، ولا يحمل الخطاب على الخصوص إلا بدليل يفيد الخصوص، ومن ثم فإن كل آية موجهة للرسول صلى الله عليه وسلم، يكون لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه وإخلاصه، فإذا قال الله تعالى لرسوله الكريم «فإنك بأعيننا»، فهذه رسالة أيضاً إلى المؤمن الصادق المخلص المتفاني في طاعة الله، أنه إذا أتتك الأمور على خلاف ما تريد، فاعلم أن الله يقول لك «فإنك بأعيننا» وهكذا تقتضي الحكمة».
واستشهد الشيخ النابلسي بالحديث القدسي الذي يقول فيه رب العزة جل وعلا «يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار، أكفيك آخره»، فكل من استيقظ من نومه، وترك فراشه الوثير، وسار في الظلم، وجاء إلى بيت الله لصلاة الفجر، فسيكون في ذمة الله حتى آخر اليوم، وبالتالي فهو بأعين الله، وتوفيقه، ورعايته، ومن صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله».
وفي هذا الصدد، فإن صبر المؤمن على أمر الدعوة ضروري، وبالمضي في تبليغها، وتحمل المشاق التي تكتنف طريقها، فهو سبحانه قد قضى بأن سبيل إبلاغ الدعوة ليس طريقاً سهلاً يسيراً مفروشاً بالورود، بل هو طريق فيه عقبات وصعوبات، لابد للداعي أن يتحملها، ويصبر على شقائها، حتى يبلغ رسالة ربه، ويفوز برضوانه، كما قال تعالى: «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين».
وفي ذات السياق، قال جمهور المفسرين في قوله تعالى «واصبر لحكم ربك»، الأمر بالصبر لحكم الله في الآية يحتمل أن يراد به الصبر على قضاء الله في حمل الرسالة، ويحتمل أن يكون المراد الصبر على البلاء الذي يحصل من جراء تبليغ الرسالة، ويحتمل أن يكون المراد ما حكم به سبحانه وقدره من انتفاء إجابة بعضهم، ومن إبطاء إجابة أكثرهم، وكل هذه المرادات لا تعارض بينها، بل هي متلازمة، ومتعاضدة».
وقال الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى «فإنك بأعيننا»، «أي إنك يا محمد بمرأى منا، نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين». وهذا كقوله تعالى لموسى عليه السلام: «ولتصنع على عيني»، وهو بمعنى قوله عز وجل: «والله يعصمك من الناس». وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في المراد قوله: «نرى ما يعمل بك».
بدوره، قال الداعية وسيم يوسف «يقول أهل العلم إذا أردت أن تكون بعين الله وفي رعايته سبحانه، عليك بأمرين، أن تكثر التسبيح، وتكثر من قيام الله، وحتى يصل العبد إلى تلك المنزلة، فعليه أن يدرب نفسه على تقوى الله سبحانه، فالتقوى تمنح العبد البشرى في الدنيا، وتعطيه معية الله، يقول تعالى «إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون»».
من جانبه، قال الدكتور فاضل السامرائي إن «الفرق بين قوله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام «ولتصنع على عيني»، وقوله تعالى لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام «فإنك بأعيننا»، أن الحديث لسيدنا موسى كان عن ولادته ونشأته، لأن صنع الشيء يتم في البدايات، وبالتالي الله يصنعك منذ بدايتك، وبأي حال يريدك الله يا موسى، أما الحديث للرسول فكان بعد أن بلغ سن الأربعين من العمر، ويحمل هم الرسالة والدعوة، وبالتالي كان المراد، أننا نحفظك يا محمد ونرعاك، فأنت في حماية الله وحفظه ورعايته».