بقلم - د. خالد الشنو:
نعم.. لماذا لا نكون كأبي ضمضم؟! لقائل أن يقول: من هو أبو ضمضم هذا حتى نكون مثله، وما الذي فعله أصلاً؟!
هو نفس اللغز الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على أصحابه، فقال: «أيعجز أحدكم أن يكون كـأبي ضمضم، قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟
قال: رجل كان إذا أصبح يقول: «اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي، فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه»، أخرجه أبو داود.
حديثنا عن سلامة الصدر، طهارة القلب، صفاء النفس، كلمات بودنا أن نسمعها أكثر، أن نطبقها أكثر، أن تكون حديث مجالسنا وديوانياتنا.
أن تكون هي الأصل في تعاملات الأرحام والجيران وأهل الحي الواحد ومن نتعامل معهم. يتأكد الحديث عن هذا الموضوع خاصة بعد فترة الانتخابات التي مرت، بحلوها ومرها، فقد أحدثت في النفوس والقلوب ما أحدثت، أحياناً نسمع كلمات الذم أكثر من سماعنا لكلمات الثناء، ونسمع كلمات التنقص أكثر من سماعنا لكلمات التثبت، ونسيء الظن أحياناً في الشخص وننسى إحسان الظن به إذا كان يستحقه.
لذا كان السؤال الذي يجب التفكير فيه ملياً: كيف نغفل عن «القلب» تلك المضغة التي هي محل نظر الله تعالى؟!
«ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله»؟!
كيف نتغافل عن تناثر هذه القاذورات في «قلوبنا» ونترك القلب متسخاً بالخمام؟!
نعم، إنه «الخمام» الذي جاء في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما حين قال: «قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟
قال صلى الله عليه وسلم: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» رواه ابن ماجه.
أعزائي، ما أحوجنا لمثل هذا النقاء في أوقات الخلاف والنزاع والفرقة، التي تمتلأ فيها النفوس، فلا تسمع إلا كلمات الازدراء وسوء الظن والدخول في النيات والمقاصد!
ما أحوجنا إلى نقاء أبي بكر مع ابن خالته الصحابي مسطح بن أثاثة رضي الله عنهما وقد كان مسطح ضمن الخائضين في قضية الإفك، في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد بعث أبو بكر إليه فقال: أخبرني عنك وأنت ابن خالتي ما حملك على ما قلت في عائشة؟ وأنت في عيالي منذ مات أبوك وأنت ابن أربع حجج، وأنا أنفق عليك وأكسوك حتى بلغت، ما قطعت عنك نفقة إلى يومي هذا، والله إنك لرجل لا وصلتك بدراهم أبداً ولا عطفت عليك بخير أبداً! ثم طرده أبو بكر وأخرجه من منزله، فنزل القرآن: «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا»، فلما قال: «ألا تحبون أن يغفر الله لكم» «النور: 22»، بكى أبو بكر وقال: أما قد نزل القرآن بأمري فيك، لأضاعفن لك النفقة، وقد غفرت لك، فإن الله أمرني أن أغفر لك!
أحبتي، ما أحوجنا إلى سلامة الصدر وصفائه ونقائه، كما فعلت السيدة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ودعونا نترك السيدة عائشة رضي الله عنها تحدثنا بشأنها. تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلت: غفر الله لك كله، وحللك من ذلك. فقالت أم حبيبة: سررتني، سرك الله، تقول عائشة: وأرسلت أم حبيبة إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك، «ذكره الذهبي في السير».
لماذا حرص أولئك على هذا الخلق الكريم؟ لأن شعارهم «ربما اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا». لأنهم طمعوا أن يكونوا من جملة المتقين والمحسنين الذين مدحهم وأحبهم رب العالمين في قوله: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين».
لأن سلامة الصدور طريق العز والرفعة والحبور، ففي الحديث: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً»، لأنه رأس مال المسلم يوم الخزي «يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم».
أخيراً.. أحبتي.. إليكم هذه الدرة: «يقول سفيان بن دينار: قلت لأبي بشر، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا. قال: كانوا يعملون يسيراً، ويؤجرون كثيراً! ليست العبرة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم وصدقاتهم، قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم».. ألتقيكم على خير ومحبة.