أمنية كانت ببالي منذ زمن على الرغم من أدائي للعمرة أكثر من مرة؛ لكن الظروف لا تكون بما أشتهي دائماً فلم أتمكن من زيارة المكان الذي سطع منه نور النبوة، وفي رحلتي الأخيرة توجهت بسيارتي إلى جبل النور والشوق يدفعني إلى الصعود للوصول إلى غار حراء، لم أعلم بأن السيارة نفسها أيضاً سوف تقاسي الصعود إلى مقربة من قاعدة الجبل الضخم، ارتقيت عدداً من السلالم التي جهزها بعض المتبرعين لتسهيل الطريق إلى الزائرين مع أنها ليست مستوية، وكانت أشعة الشمس قوية والأرجل تتعب والقلب تتسارع نبضاته من الإرهاق، لابد من أخذ قسط من الراحة بعد كل مسافة ويمر في بالي السؤال: «كيف صعد رسول البشرية بين هذه المنحدرات؟!».
عجبت للمسنين والأطفال وهم يصعدون بعد أن قدموا من كل بقاع العالم لأخذ العبر في عظمة الإسلام وحفظه، وهو مكان أستطيع أن أستمد منه الدروس في الصبر على البلاء واليقين بما نؤمن به، وألا مستحيل في هذه الحياة ما دام الإنسان مقتنعاً بأنه قادر على تحقيق ما يصبو إليه، فليس بعد العسر إلا يسر ولن ينال المرء إلا كل ما فيه الخير والصلاح له فإن صبر على مصيبته اجتباه الله وإن سخط منها نفاه، أدركت حينها أن الاختيار الخاطئ من البداية في أي أمر في الحياة دون أخذ مشورة أو موافقة المعنيين سيؤدي إلى كارثة، ويقال بأن أصابع اليد ليست بسواء كذلك هم البشر لهم في شخصياتهم اختلافات كثيرة، وبعضها قلوب لا تعرف الرحمة أو الشفقة في مفردات قاموس الحياة.
أستطيع أن أقول بأن زيارتي الأخيرة لم تكن من باب الصدفة بل جاءت في وقتها، بعد أن مررنا ببعض المؤشرات التي استشعرت معها أنها طريقي نحو الأمل والسعادة، فسبحان الله حلمت خالتي بأن توصل سلامها إلى شخص معين وتوصيه بالاسم، كما إن حديث والدتي مع نفس ذلك الشخص وطلبه حاجة شخصية صادفت بأنها لديه، كلها علامات قوية على أنه من يصبر ويحتسب سوف ينال ما يتمنى في النهاية، ووصلت إلى الكعبة المشرفة أطوف بالبيت العتيق متوجهاً بالدعاء لله سبحانه وتعالى إلى كل من أوصاني بالدعاء، وخصصت الجزء الأكبر إلى نفسي بأن تنار دروبي وأرى الحق وأتوفق مع النصف الآخر الذي يمتلك قلبي وعقلي عن كامل قناعة.
تأخذنا الانطباعات الأولية إلى الحكم على البعض بأمور ليست فيهم ربما من أشكالهم الخادعة، ولكن عندما نصارحهم ونعاشرهم سوف نكتشف أن ما بنيناه من صورة أولية قد تتبدل في أيام، فليس كل ما يلمع ذهباً وكل فرع يرجع إلى أصله ولكن قد يشذ في أحيان، وعليه فإنه إذا اجتمع الجمال بالأخلاق والذكاء فإنك من أكبر المحظوظين، فلا تفرط بإنسان يخلص لك ويضحي لأجلك بأغلى ما يملك ولا يبخل عليك بماله أو مشاعره، حتى وإن ضايقتك بعض الأمور البسيطة فلا تهول المشكلة بل ابحث لها عن الحلول التي تناسب جميع الأطراف، ولا تركل النعمة برجلك لأنك إن فعلت سوف تقلب حياتك إلى جحيم ومتاهة لا تعرف منها سوى الندم.
في النهاية هي سارة وبداية لما حلمت به في الدنيا ونسيان لحظات قاسية ومؤلمة، وأرجو أن نجد جميعاً ذلك الحب المتبادل والتفاهم الذي هو أساس أي علاقة صادقة، ونقويها بتحمل المسؤولية بعقول راجحة لا تعكس عمر الإنسان فقط، وإنما حكمته وخبرته في إدارة شؤونه الاجتماعية بما يتناسب مع عقله وعمره على حد سواء.
عبدالله الشاووش