شهدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نجاحات متعددة العام 2014 حتى يمكن أن نقول إن العام الذي أوشك على الرحيل كان عاماً جيداً لها، ورغم كثرة التحديات وخطورتها وتوغل المخاطر التي تحيق بالمنطقة ككل فإن دول مجلس التعاون حافظت على أمنها واستقرارها ورخائها ومعدلاتها المرتفعة في التنمية البشرية.
ويرجع العامل الرئيس وراء ذلك إلى الاستقرار السياسي، والرضا الشعبي والولاء والتأييد لقادة دول المجلس، وكيف لا وقادة دول المجلس استطاعوا بكل حكمة وحنكة ونظرة ثاقبة أن يجنبوا بلدانهم ويلات الصراعات التي انتشرت في المنطقة وعصفت بأمنها.
العامل الثاني والمهم أيضاً هو وجود كيان مؤسسي يجمع دول المجلس ويوحدهم وهو مجلس التعاون الخليجي الذي مثل مظلة حمت الشعوب الخليجية من ويلات ما جرى في الإقليم واستطاعت الدول الخليجية بتوحدها والخطوات التي اتخذتها جماعياً من درء هذه الفتن، وقد بدأت تجني ثمار ذلك العام 2014.
إن مجلس التعاون الخليجي أثبت أهميته وقوته عندما وقع الخلاف بين الشقيقة دولة قطر وباقي دول المجلس، خصوصاً وأن أعداء المجلس حاولوا استغلال الشقاق وتوسيع الجفوة بين دوله، لكن بفضل الله وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية وقيادات دول مجلس التعاون انتهى هذا الخلاف بعد قمة في الرياض عقدت نوفمبر 2014 وظهر أثر هذا النجاح في النتائج المهمة التي خرجت بها قمة الدوحة في ديسمبر 2014.
ولم تتوقف الزيارات المتبادلة والتشاور والتنسيق بين قادة مجلس التعاون على مدار العام 2014 ويحمل هذا التواصل دائماً البشرى والخير والرفاهية لشعوب المجلس، كما لم تتوقف الفعاليات المشتركة وعمل اللجان المختلفة سواء جماعياً على مستوى المجلس أو ثنائياً على مستوى الدول.
وظهر توافق دول مجلس التعاون إزاء جميع القضايا الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية الجزر الإماراتية المحتلة والملفات الإقليمية الأخرى كالوضع في سوريا والعراق واليمن والأوضاع في مصر التي تم التوافق بشأنها خلال قمة الرياض التكميلية نوفمبر الماضي.
عسكرياً، استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي حماية حدودها بفضل قواتها العسكرية المدربة واليقظة وكان للجيوش الخليجية دور كبير في هذا الصدد مع باقي الأجهزة الأمنية.
وتسعى دول المجلس إلى إقرار القيادة العسكرية الموحدة، والتي ستتولى مهام التنسيق بين الدول الخليجية والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي يضم أكثر من 40 دولة، ويشن هجمات جوية ضد التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا .وتم في القمة الخليجية بالدوحة اعتماد مركز العمليات البحري الموحد في مملكة البحرين ويتضمن قوة الواجب البحري الموحدة 81 .وشاركت الدول الخليجية في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب بعد أن استفحل خطره وأصبحت هناك مخاوف من امتداد شره إلى الخليج.
واستمر تنفيذ التمارين العسكرية سواء على مستوى الدول أو التمارين المشتركة على مستوى المجلس، كتنفيذ تمرين صقر الجزيرة /مقاتلات في دولة الكويت خلال أكتوبر 2014، تنفيذ تمرين صقر الجزيرة /عموديات في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما تواصل الإعداد لتنفيذ التمرين البحري المشترك (اتحاد/ 17) في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال مارس 2015.
أمنياً، ارتفعت وتيرة التعاون الخليجي أمنيًا لمجابهة المخاطر الأمنية المتعددة والناجمة عن عدم الاستقرار الذي يسود الإقليم وارتفاع مخاطر الإرهاب، وتواصل دول مجلس التعاون الخليجي التصديق على الاتفاقية الأمنية الخليجية، كما أقرت قمة الدوحة 2014 بدء عمل جهاز الشرطة الخليجية من مقره في مدينة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة وهو خطوة مهمة جداً.
واستمر تنظيم أسبوع المرور لدول مجلس التعاون وما يصاحبه من أنشطة وفعاليات لتطوير برامج التوعية المرورية، حيث نظم أسبوع مرور مجلس التعاون الخليجي لعام 2014 تحت شعار (غايتنا سلامتك).
اقتصادياً توقع صندوق النقد الدولي نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي إلى 4.4% في عام 2014 مقارنة بنسبة 3.7% العام 2013. وشهدت أسواق المال الخليجية في نهاية النصف الأول من العام، ارتفاعات متفاوتة حيث واصل سوق دبي المالي تصدره للمؤشرات الخليجية بنسبة 17%، تلاه سوق البحرين 14 %.
وكان مجلس التعاون الخليجي استقبل العام 2014 بفوائض مالية كبيرة في الميزانيات وموازين المدفوعات، ولكن انخفاض أسعار النفط منذ يونيو الماضي دفع إلى توقع انخفاض هذه الفوائض، غير أن تقديرات اتحاد غرف تجارة وصناعة دول مجلس التعاون الخليجي لمعدل النمو الإجمالي المتوقع للناتج المحلي الخليجي ذهبت إلى أن هذا المعدل يبلغ 4.2% في 2014 محققاً قيمة 1.7 تريليون دولار مقارنة بـ1.65 تريليون دولار العام الماضي.
ويأتي النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدول الخليج معوضاً عن الثبات النسبي لمعدل نمو الناتج المحلي النفطي؛ ففي مقابل معدل نمو للناتج النفطي 0.6% سنوياً في 2014، فإن معدل نمو الناتج المحلي غير النفطي يبلغ 6.1% في 2014. وهو ما يعني نجاحاً مطلوب تعزيزه في خطط تنويع مصادر الدخل التي تنفذها الدول الأعضاء في المنظومة الخليجية.
في مجالات التنمية البشرية تبوأت دول المجلس العام 2014 -وكما هي دائماً- المراتب الأولى عربياً وعالمياً في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويشهد على ذلك الطفرة التي تتحقق عامًا بعد عام في مجالات التعليم والصحة والإسكان والمواصلات والاتصالات والكهرباء والبيئة وغيرها والتي لا يتسع المجال للتفصيل فيها.
وعلى مستوى العمل الجماعي تم افتتاح المبنى الرئيس لهيئة الربط الكهربائي الخليجي في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية في أبريل 2014. وإنشاء العديد من الهيئات والشركات المعنية بتنفيذ مشروع سكة حديد دول المجلس ومشاريع السكك الحديدية الوطنية بالدول الأعضاء، والتي من شأنها العمل على توطين واستدامة مشاريع السكك الحديدية بدول المجلس ورفع الكفاءات والخبرات الخليجية اللازمة لتنفيذ وتشغيل قطاع السكك الحديدية، والإعلان عن جسر الملك حمد الذي سيربط البحرين والمملكة العربية السعودية، وسمي باسم جلالة الملك حمد تقديراً وإجلالاً من خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، كما عقد الاجتماع الأول للجنة سلامة الأغذية والتي تشكلت بتاريخ 24 أغسطس 2014.
وفي مجال الإعلام، سعت أجهزة الإعلام الخليجية إلى التطوير من أدائها العام 2014 ومواجهة الحملات الإعلامية الشرسة التي تشن من جهات مأجورة لمحاولة تشويه صورة دول المجلس، بل وطمس هويته ومازالت شعوب المجلس تتطلع إلى بث قناة تتبع الأمانة العامة للمجلس وتكون مهمتها الأولى تعريف العالم بالتطورات الإصلاحية في دول المجلس وحقيقة الأحداث ومواجهة الحملات المغرضة الخارجية.