القاهرة - (وكالات): شارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في قداس عيد الميلاد بمقر الكنيسة المصرية بالكاتدرائية شرق القاهرة لتهنئة الأقباط بأعياد الميلاد، في خطوة رحبت بها الكنيسة ووصفتها الكنيسة بأنها سابقة. وجاءت هذه المشاركة -وهي الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس مصري- مساء أمس الأول بشكل مفاجئ إذ لم يعلن عنها من قبل، وتم قطع الصلاة للترحيب به.
وقد وجه السيسي في كلمة مقتضبة ومرتجلة التهنئة إلى الكنيسة والمشاركين قائلاً «كل سنة وأنتم طيبون»، مضيفاً «سنبني مصر معاً». وغادر السيسي مقر القداس فور إلقاء كلمته، وسط ابتسامات علت وجه البابا تواضروس بابا الكنيسة المصرية الذي كان يقف بجواره. من جانبها رحبت الكنيسة -في بيانها- بزيارة السيسي ووصفتها بأنها «سابقة تحدث لأول مرة». وقال البابا تواضروس في كلمته خلال القداس «نشعر أن مصرنا تبدأ عهداً وعصراً جديداً وفكراً جدياً بروح جديدة ونبنيها سوياً كلنا كمصريين من أجل مستقبلها ومستقبل أبنائها».السيسي يفتح صفحة جديدة بين الرئاسة والكنيسة
وقال محللون إن زيارة الرئيس المصري للكاتدرائية لتهنئة الأقباط بعيدهم وحضور قداس عيد الميلاد تعد نقطة فارقة تفتح صفحة جديدة في علاقة رؤساء مصر بالكنيسة.
وشهدت علاقة الرؤساء بالأقباط مراحل شد وجذب، ونقاط تفاهم وخلاف، ومعارك طاحنة وصدامات انتهت بإحداها لعزل الرئيس الراحل أنور السادات للبابا شنودة الثالث.
والمتتبع لعلاقة الرئاسة المصرية بالكنيسة القبطية يكتشف أن زيارة السيسي، هي بداية مرحلة جديدة بين الطرفين مرحلة تتغلب فيها الانتماءات الوطنية على التعصب الديني والنعرة الطائفية وترسي أسساً جديدة بين نسيجي الأمة المصرية وتحشدهما في مواجهة طرف ثالث يسعى لتمزيق هذه العلاقة والنفاذ منها للسطو على الدولة.
وكانت فكرة بناء الكنيسة المصرية قد تجسدت في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي رحب بإنشاء كاتدرائية كبرى جديدة تليق بوضع مصر وكنيستها التي يتبعها ملايين المسيحيين في الشرق وخصص 100 ألف جنيه للبناء.
واستهل عبدالناصر خطابه للكنيسة والشعب في 24 يوليو 1965 أثناء وضع حجر الأساس بحي العباسية بكلمات ألهبت مشاعر المسيحيين، وأشعرتهم باحتضان الدولة لهم واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من نسيجها ووحدتها، والتقط صورا مع البابا كيرلس بابا الأقباط في ذلك الوقت والإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا الذي حضر الاحتفال. وارتبط عبدالناصر بعلاقة جيدة مع الكنيسة، وتوطدت علاقة الصداقة بينه وبين البابا كيرلس ضمن من خلالها عبدالناصر ولاء الكنيسة ودعمها له ومساندتها لقضايا مصر الخارجية ومنها قضية مياه النيل مع إثيوبيا والتي كانت تلتزم بتعليمات الكنيسة بعدم الدخول في مواجهات مع مصر بسبب المياه، بينما تولى عبدالناصر تأمين وحماية المسيحيين وممتلكاتهم وعدم الاعتداء عليهم ولم تشهد علاقة الرئاسة بالكنيسة في تلك الحقبة أي صدام. وبعد رحيل عبدالناصر وتولي السادات الحكم، صعد لقمة الكرسي البابوي شنودة الثالث، ومرت سنوات من الصراع المكتوم بين الطرفين حتى جاءت الزيارة الأولى والأخيرة للسادات إلى الكاتدرائية وظهر شنودة في الصور التذكارية التي التقطت لتلك المناسبة وهو يؤدي صلاته بالتزامن مع صلاة الظهر التي أداها الرئيس السادات ونائبه وقتها حسني مبارك، وممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك. ولم يزر السادات الكاتدرائية مرة أخرى حتى جاءت قرارات سبتمبر 1981 التي حدد فيها إقامة شنودة وألغي قرار تعيينه كبابا للكنيسة الأرثوذكسية، وعين لجنة من 5 أساقفة لإدارة شؤون الكنيسة، قبل أن تنتهي الأزمة عقب اغتيال السادات في أكتوبر 1981. وجاء وصول الرئيس السادات إلى السلطة قبل وصول البابا شنودة الثالث إلى رأس الكنيسة المصرية بعام واحد وشهدت العلاقة بينهما توترا شديدا خاصة بعد أحداث الخانكة عام 1972 ورغبة البابا في زيادة عدد الكنائس إضافة إلى تواصله مع الإدارة الأمريكية واجتماعاته المتكررة مع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وهو ما أزعج السادات.
وكان شنودة يرى أن سياسة السادات في إطلاق يد الحركات الإسلامية للحد من نفوذ الناصريين يمثل تهديداً واضحاً للأقباط، وتعد هذه أبرز الأسباب في توتر العلاقة بين الكنيسة والسادات في تلك الفترة، وانتهى هذا التوتر بتحديد إقامة البابا في الدير بوادي النطرون وتشكيل لجنة لإدارة الكنيسة ولم يتم الإفراج عنه سوى عام 1984 في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. أما الرئيس الأسبق حسني مبارك فلم يزر الكنيسة إلا مرتين لتأدية واجب العزاء، الأولى كانت لحضور قداس الجنازة في يناير عام 2000، لتأدية واجب العزاء في الفريق فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الثاني الميداني في حرب أكتوبر، والثانية كانت في قداس جنازة المستشار حنا ناشد عضو المكتب السياسي للحزب الوطني المنحل، ورئيس مجلس الدولة الأسبق وذلك بمقر الكنيسة الأرثوذكسية بالكاتدرائية بالعباسية في ديسمبر 2006، بصحبة لفيف من رجال الدولة وأعضاء الحزب الوطني المنحل.
وتميزت العلاقة في هذه المرحلة بقدر كبير من التفاهم بين الكنيسة والدولة، فقد تولى مبارك السلطة في وقت كانت العلاقة بين الطرفين في أسوأ حالاتها، فسعى مبارك لتدعيم علاقته بالكنيسة، الأمر الذي أسهم في تشكيل نمط جديد للعلاقة صار فيه البابا شنودة هو الوسيط ما بين الدولة والأقباط.
ولم يقم الرئيس المعزول محمد مرسي بأي زيارة تزامناً مع فتاوى أطلقتها التيارات الإسلامية بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، قبل أن يبادر الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور بأول مبادرة لرئيس مصري لتقديم التهنئة إلى المسيحيين في عيد الميلاد بالكاتدرائية بالعباسية.
وتعد فترة مرسي الأسوأ في تاريخ علاقة الرؤساء بالكنيسة، حيث شهدت فترته فتوراً في العلاقة بين الرئاسة والأقباط، وسادت حالة من الغضب بينهم نتيجة تعامل مرسي مع قضاياهم وملفاتهم بشيء من التجاهل.