كتب – جعفر الديري:
في ذلك اليوم؛ وقفت في طابور الصباح خجلان أسفاً؛ أتلفت يمنة ويسرة. أنظر بحسد لأترابي وهم يتوجهون إلى صفوف الثالث ابتدائي، وباستياء بالغ لتلاميذ الصف الثاني، حيث قدر لي أن أكون معهم للمرة الثانية في مدرسة الدير الابتدائية للبنين!.
ببساطة رسبت وعلي أن أعيد السنة الدراسية!. شعرت بمرارة شديدة، وبحزن عظيم، لكن رب ضارة نافعة. لقد رسبت لإهمالي وليس لقلة حظي من الذكاء، لذا تفوقت عليهم جميعاً.
تجنبت التلاميذ، عدا البعض ممن كانت تربطني بهم صداقة خارج المدرسة. كان هناك ابن خالتي رضا، وصديقي سيد زهير، وشقيقي سيد حسن طبعاً، أما فاضل المؤمن، فاضل نجيب، وآخرون فهؤلاء توثقت علاقتي بهم رغم أنهم يصغرونني بعام.
المدرسون كانوا جميعاً من خيرة الناس أخلاقاً ورغبة في التعليم. أتذكر منهم على وجه الخصوص؛ المرحوم الأستاذ عبدالله السيد، مدرس مادة الانجليزي. كان محبوباً من الجميع، المدرسين والتلاميذ، بفضل أخلاقه وتفانيه في العمل. وكان هناك أستاذ سلمان رحمه الله، كان المدرس وأمين المكتبة، أستاذ إبراهيم الوردي حفظه الله وأطال في عمره، أستاذ فكري، أستاذ عبدالسميع، أستاذ عون، أستاذ علي عبدالرضا مدرس الرياضة، وآخرون عرفنانهم عن قرب من خيرة الناس.
في مدرسة الدير الابتدائية للبنين، حظ وافر من الذكريات، لا أعرف من أي شاطئ يمكن الدخول إلى بحرها المتلطم. من الفصول الدراسية بطاولاتها ومقاعدها البائسة، أم عند المكتبة وكانت أثيرة ًبالنسبة لي، أم عند الصالة الرياضية، أم المقصف، حتى السلالم كانت لنا ذكريات على عتباتها.
وطالما عبرت إلى المكتبة فإن الحديث عنها ممتع للغاية. لقد تفتحت مداركي الأولى بين رفوف الكتب. وهناك تعرفت على أسماء كتاب بحرينيين وعرب. شغفت بقصص الأطفال، فرحت أستعير منها ما يملأ حياتي طوال اليوم بالسعادة.
أتذكر أنني في أحد الأيام وقعت عيني على قصة ملونة. شدني الغلاف، وصورة الرجل الشامخ، ذو النظرة الواثقة، كان عنوان القصة «عبدالقادر الحسيني». ورحت أقرأ سعيداً بكنزي الثمين. كانت قصة جميلة، برسوم رائعة، لا أتذكر كاتبها للأسف. وإن كانت والحق يقال سكنتني ببطولة الرجل الفلسطيني العظيم، الذي ظل يدافع عن وطنه حتى الرمق الأخير.
وكانت سعادتي لا توصف حين اكتشفت أن القصة جزء من مجموعة كاملة تحدث عن أبطال فلسطين الذين استشهدوا دفاعاً عن أرضهم، وكرامتهم. ورحت أقرأ مشفوعاً بطهارة الطفولة، وأرضها العطشى لكل جديد، متنقلاً من علم إلى آخر، يصور لي ذهني المعارك والشهداء يتساقطون واحداً إثر آخر. إلا أن عبدالقادر الحسيني ظل أثيراً لدي حتى اليوم، وذلك ما يؤكد الحكمة العربية «العلم في الصغر كالنقش على الحجر».
في المكتبة أيضاً، وجدت «القصص المحبوبة» ضمن سلسلة ليدبيرد، وجدت حكايات؛ توما الصغير، بياض الثلج والأقزام السبعة، بياض الثلج وحمرة الورد، ليلى الحمراء والذئب، الجنيان الصغيران والحذاء. عالم من الجمال حلقت فيه طويلاً، ولا أزال أحتفظ بمجموعة كبيرة من هذه القصص، ورقية وإلكترونية، أطالعها بين حين وآخر.