كتب – جعفر الديري:
تشكل الشخصيات التراثية؛ ثيمة أساسية في فلكلور الشعوب، نظراً لأهميتها في الكشف عن جوانب عدة من حياة الناس قديماً وحديثاً، من حيث آمالهم وتطلعاتهم، مخاوفهم وقلقهم.
الشخصيات التراثية أيضاً، ملمح من أهم ملامح العلاقات الإنسانية، وإذا كان «الفلكلور» يعرف بأنه مجموعة الفنون القديمة والقصص والحكايات والأساطير المحصورة بمجموعة سكانية معينة في أي بلد من البلاد، فإن منطقة الخليج من أكثر المناطق دلالة على هذا التعريف، حيث الشخصيات التراثية واحدة بين أبناء الخليج، تعيش في أذهانهم قاطبة، شخصيات أشبه بحلقة الوصل بين أبناء الخليج؛ تسكن وجدانهم بشكل عام، يتم نقلها جيلاً إلى جيل عن طريق الرواية الشفهية غالباً، وقد يقوم كل جيل بإضافة أشياء جديدة أو حذف أشياء لتتوافق في النهاية مع واقع حياته التي يعايشها وهذا الإبداع ليس من صنع فرد ولكنه نتاج الجماعة الإنسانية ككل في مجتمع الخليج.
يقول الباحث الشاب محمد جواد بهذا الخصوص: غني عن القول أن تراث الخليج واحد، ومن نافلة القول أيضاً؛ أن الشخصيات التراثية جزء من هذا المصير المشترك. وشخصياً تسترعي انتباهي حكاية «أم حمار». وبحكم أني قارئ نهم للتراث؛ لا أجدها مجرد حكاية وحسب، بل هي رمز لماضي الخليج، بحلوه ومره.
ويضيف: أمر ملفت بالفعل أن تخلق المخيلة الخليجية وليس البحرينية، هذه الشخصية المليئة بالكره والحقد، والخوف والجزع الشديدين!. إنها دليل واضح إلى طبيعة حياة الخليجيين بالأمس. ذلك أن جميع نساء الخليج كن يعانين تغرب الرجال لشهور طويلة في البحر، ومن الطبيعي أن يخلقن شخصية مخيفة مثل أم حمار، لتخويف الأطفال من الخروج من البيت.
ويتابع جواد: الحقيقة أن شخصية أم حمار، تعبر عن معاناة نساء الخليج، فرغم أن أحد أهداف خلق هذه الشخصية؛ تخويف الأطفال وحتى الأزواج من الخروج من البيوت؛ إلا أنها تكشف عن بقاء المرأة رهينة بيتها، لا تتجاوزه، إذن كانت تعيش مرارة الوحدة والخوف في وقت واحد!.
الشخصيات في حكايات الخليج العربي الخاصة بالبحر، تستأثر باهتمام المثقف حسن فاضل، ويجد فيها تمازجاً واضحاً في تراث أبناء الخليج، «عاش أبناء الخليج على البحر وشكل جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، وقد لعبت رحلات الغوص دوراً حيوياً في الحياة، فهي كانت وسيلة للرزق، ومصدراً للغداء، ومصدراً أيضاً للخوف إلى درجة الرعب، الخوف الذي أثمر شخصيات عدة».
ويضيف فاضل: مثل هذه الشخصيات، لا نجد فارقاً لها بين دولة خليجية وأخرى، خذ مثلاً على ذلك «بودرياه»، «دعيدع»، وسواها من شخصيات، ستجدها تطلع من مشكاة واحدة، هي السفينة وهي في عرض البحر، حيث البحارة في البحرين وقطر والكويت، في ظلمة الليل والوحشة، دون الأهل والأحباب، تنسج لهم مخاوفهم أشباحاً تؤمئ لهم، أو تطول حتى تبلغ عنان السماء.