عواصم - (وكالات): بدأ الطوق يضيق حول المشتبه بهما في الهجوم الدموي على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة الذي أثار الرعب في فرنسا، التي لزمت دقيقة صمت رغبة منها في إظهار وحدتها في مواجهة مأساة، وصفت بأنها «11 سبتمبر فرنسا»، بينما وضعت مدينة فيلي كوتيري شمال البلاد في حالة استنفار قصوى ضد الإرهاب، حيث رصد المشتبه بهما المفترضين في الهجوم الذي أوقع 12 قتيلاً بينهم صحافيون، و11 جريحاً، وهما شريف وسعيد كواشي الفرنسيان من أصل مغاربي، بينما أفادت مصادر قضائية بتعرض مساجد لهجمات بقنابل لم توقع ضحايا في 3 مدن فرنسية غداة الاعتداء الدامي.
وأوضح مصدر أمني أن وحدات النخبة في الشرطة والدرك الوطنيين «تتمركز للتحقق من أهداف في هذه المنطقة حيث تم التخلي عن السيارة التي استخدمها المشبوهان اللذان عرف عنهما شاهد». وشاهد مدير محطة للوقود في جنوب مدينة فيليه كوتريه الرجلين شريف وسعيد كواشي «32 و 34 عاماً» اللذين ولدا في باريس ويحملان الجنسية الفرنسية، وهما من أصول مغاربية صباح أمس. وبعد أن وقع ضحية سرقة «تعرف رسمياً» إلى الرجلين «الملثمين وفي حوزتهما بندقية كلاشنيكوف وقاذفة صواريخ ظاهرتين».
وأعلنت حالة إنذار قصوى شمال فرنسا حيث حدد موقع الرجلين.
وتعززت فرضية الإرهاب بعد العثور في سيارة المشتبه بهما التي تركاها في باريس أمس الأول على علم جهادي وعشرات قنابل المولوتوف.
وشريف كواشي جهادي معروف من أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية. وقد حكم عليه في 2008 بالسجن 3 سنوات بينها 18 شهراً مع وقف التنفيذ بتهمة المشاركة في شبكة تجنيد مقاتلين للتوجه إلى العراق والقتال إلى جانب تنظيم «القاعدة». وبحسب السلطات فإن 7 أشخاص من أوساط المشتبه بهما وضعوا قيد الحجز الاحتياطي بعد توقيفهم ليلاً. وسلم رجل في الثامنة عشرة من العمر يشتبه في أنه متآمر معهم نفسه للشرطة ليلاً.
وأجواء التوتر الشديد هذه التي ذهب بعض المعلقين والسياسيين إلى وصفها بحالة «حرب»، تفاقمت مع مقتل شرطية شابة إثر إصابتها برصاص موظف بلدي في إطلاق نار وقع في وقت مبكر في مونروج بضواحي باريس الجنوبية. وقد كلف قضاة متخصصون في مكافحة الإرهاب بالتحقيق في إطلاق النار الذي أدى إلى مقتلها وفق ما أعلنت النيابة في العاصمة الفرنسية.
وأوضحت النيابة في بيان أن القرار اتخذ «نظراً للظروف الراهنة» بعد الاعتداء، لكنه أكد أن في الوقت الراهن لم تثبت أي علاقة بين اعتداء الأربعاء وإطلاق النار الذي وقع أمس. وفي موازاة ذلك عم الحداد الوطني فرنسا غداة الهجوم. ولزم الفرنسيون صباح أمس دقيقة صمت لم يقطعها سوى قرع إجراء الكنائس تكريماً لذكرى الضحايا الـ 12 الذين سقطوا في الاعتداء. وتوقفت حركة النقل العام في باريس خلال دقيقة الصمت التي لزمتها المدارس أيضاً وتوقف الموظفون في العديد من الشركات والمكاتب عن العمل.
وأعلن كاتب في «شارلي إيبدو» أن الصحيفة الساخرة ستصدر الأسبوع المقبل كما هو مرتقب رغم الاعتداء الذي دفع بأكثر من 100 ألف شخص إلى التجمع بشكل عفوي ضد الإرهاب في شوارع البلاد وأثار استنكاراً في مختلف أنحاء العالم.
وفي ليل شمال البلاد، حمل أطفال مدرسة مسلمة أمام الكاميرات أوراقاً كتب عليها شعار «ليس باسمي». لكن المسلمين في فرنسا يتخوفون من أعمال انتقامية ضدهم.
ومنذ مساء أمس الأول، تعرضت عدة مساجد لهجمات في فرنسا بحسب مصادر قضائية، اشتبه بأن بعضها تم بدافع الانتقام بعد الاعتداء على الصحيفة الساخرة.
وألقيت 3 قنابل يدوية صوتية على مسجد في مدينة لو مان غرب البلاد وأطلقت رصاصة على مسجد في حي شعبي.
وفي بورلانوفيل، أطلقت رصاصتان على قاعة صلاة للمسلمين بعد ساعة تقريباً على انتهاء صلاة العشاء، حسبما أعلن مدعي ناربون في اود، دافيد شارماتز.
وفجر أمس، وقع انفجار متعمد أمام مطعم مشهور مجاور لمسجد بالقرب من ليون. وصرح رئيس بلدية المدينة برنار بيرو أن «الأمر مرتبط للوهلة الأولى بالوضع المأساوي» الناجم عن الاعتداء على الصحيفة، ودعا إلى «التضامن والوحدة والاحترام».
من جهة أخرى، دعا ممثلو مسلمي فرنسا «أئمة مساجد» البلاد إلى «إدانة أعمال العنف والإرهاب بأشد الحزم» أثناء خطبة الجمعة للرد على الاعتداء الدامي الذي استهدف المجلة.
وكثف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حرصه على الوحدة الوطنية غداة الهجوم، وركز في مباحثاته مع القادة السياسيين على الدعوة لمسيرة كبيرة في باريس.
واستقبل في قصر الإليزيه سلفه ومنافسه اليميني السابق نيكولا ساركوزي الذي قال بعد اللقاء «إنها حرب معلنة على الحضارة، والحضارة لديها مسؤولية الدفاع عن نفسها.
ومن المقرر أن يستقبل زعيمة الجبهة الوطنية «يمين متطرف» مارين لوبن وكذلك زعماء أحزاب سياسية أخرى.
وبثت الشرطة خلال الليل صور الشقيقين كواشي وتمكن المحققون من الاستدلال إليهما بعد العثور على بطاقة هوية سعيد في سيارة تركها المهاجمون بعد الاعتداء.
ووجه الهجوم ضربة قاسية لهيئة تحرير الصحيفة الساخرة مع مقتل 5 من أبرز رساميها وهم شارب وكابو وتينيوس وولينسكي المعروفين في فرنسا.
وأجمعت كل الصحف الصادرة في فرنسا وأوروبا على إدانة «الوحشية» والحرب ضد الحرية» و»اغتيال الحرية» و»الابتزاز المقزز» على صفحاتها الأولى أمس.
وتوالت ردود الفعل المنددة لليوم الثاني على التوالي بالهجوم، وعبر العديد من القادة عن تضامنهم مع الشعب الفرنسي. ففي بروكسل، وقف نواب البرلمان الأوروبي دقيقة صمت ترحماً على أرواح ضحايا الاعتداء.
وقد تجمع مئات الأشخاص في نيويورك وواشنطن وكندا متحدين الصقيع، تنديداً بالاعتداء ودفاعاً عن حرية الصحافة. وانضمت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إلى نحو 300 متظاهر في واشنطن للإعراب عن «تضامنها مع مواطنيها وتعاطفها مع الضحايا».
وفي الفاتيكان، رفع البابا فرنسيس صلواته من أجل كل الذين طالهم الهجوم الدموي.
من جهته، ندد مفتى البوسنة حسين كافازوفيتش بـ «الاعتداء الإرهابي الوحشي».
ودانت أفغانستان وباكستان اللتان تشهدان يومياً هجمات تشنها حركة طالبان، بشدة «الهجوم الإرهابي».
وأكدت الصحافة البريطانية دعمها للصحافة الفرنسية بعد الهجوم الدامي، ودعتها إلى التمسك أكثر بحرية التعبير.
من جهتها اعتبرت الصحف الإيرانية أن على فرنسا مراجعة سياستها في الشرق الأوسط وسلوكها إزاء العالم الإسلامي. وتوجه العديد من الروس إلى سفارة فرنسا في موسكو لتكريم ضحايا الاعتداء الدامي.
ونكست الإعلام فوق السفارة الفرنسية ووضعت ورود حمراء وبيضاء أمام بوابة الممثلية الدبلوماسية الفرنسية.
عربياً، دانت الاعتداء البحرين والسعودية ومصر وليبيا والأردن وتونس وسوريا.
وأدان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «الحادث الإرهابي» معلناً دعم مصر لعملية مواجهة الإرهاب.
وقدم السيسي في برقية أرسلها لنظيره الفرنسي فرنسوا هولاند تعازيه ومواساته لأسر الضحايا والمصابين.
ودانت دمشق بشدة «الاعتداء الإرهابي» معتبرة أنه إثبات على أن «الإرهاب في سوريا سوف يرتد على داعميه» وعلى «قصر نظر السياسات الأوروبية».
وأرسل عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني برقية للرئيس الفرنسي معزياً إياه بضحايا الهجوم الإرهابي «الجبان».
كما دانت الحكومة الليبية الاعتداء وقالت في بيان إن هذا «الهجوم لا يمثل قيم الدين الإسلامي الحنيف التي تحث على عدم استهداف المدنيين»، لافتة إلى أن «الإسلام رسالة ودعوة، لا انتقام وإرهاب».