في حدّة الصراع الحواري تفترق وجهات النظر وتختلف العقول، فهذا راقي الخلق منفتح الفكر يتقبل ماله وما عليه.. وذاك هزيمته فكرياً تفسد للود قضية، وبين هذا وذاك كل يغني علي ليلاه.
ليس حجراً علي العقول ولا هي دعوة لحصر وجهات النظر في شخص معين أو فكر محدد، بل تغيير زاوية الرؤية من هذا لتفهم ما تراه عين ذاك.
وما بال أقوام لا يرون الحق إلا ما تنطق به ألسنتهم؟ وأن الصحيح ما تخطّه فقط أيديهم؟ وأن الحل ما تفكر به عقولهم؟ في المقابل ما بال آخرين في كل الأمور لهم رأي؟ وفي كل موضوع لهم مداخلة؟ وفي كل حوار يدخلون فيه طرفاً؟
سمعت للإعلامي عبدالله مديفر كلمة يقول فيها: «داخل كل إنسان عربي مستبد صغير، يوهمه بصحة رأيه»، جريمة اقترحها عليك بقتل السيد «مستبد» الذي بداخلك لترتاح ونرتاح !
لابد أن تكون هناك جذور صلبة يستند عليها هذا وذاك عند اختلافهما، فالحوار في الأسس يحتكم له للمرجع -الديني أو الاجتماعي أو التربوي.. إلخ- وليس الأهواء الضالّة ولا الأمثال الدارجة ولا الفلسفة السائدة !!
وأما الفروع فليقل ما يشاء ويأخذ بالآراء وينسج الحكم ويروي القصص، ولكن ليحترم ثم يحترم وجهة نظر الآخر وتلك المساحة المشتركة والقاعدة الصلبة التي تجمعه بذاك. فالاختلاف يولد قوساً من الألوان جميلاً بين بياض الحق وسواد الخطأ، المرور من خلاله يفتح مدارك العقل المتزن، وآفاق الخيال الرحب.
آخر السطر:
سقي جذور الشجرة يزيدها صلابة وقوة، والتعلق بأغصانها يسقطها ولو بعد حين.. وبين هذا وذاك كل يغني علي ليلاه !
نوح الجيدة