واشنطن - (أ ف ب): يسلط الاعتداء على «شارلي إيبدو» الضوء على التحدي الهائل الذي تواجهه أجهزة الاستخبارات الغربية لتعقب العدد المتزايد للمتطرفين في الداخل وهو أمر زاد من صعوبته العدد الكبير من هؤلاء العائدين من سوريا.
ويشكل العدد المتزايد من الناشطين داخل أوروبا والولايات المتحدة مشكلة تزداد تفاقماً للحكومات وذلك رغم توسيع سلطات الأجهزة الأمنية الغربية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية واللجوء إلى التنصت الإلكتروني، بحسب خبراء ومسؤولين.
وصرح مدير المعهد الأمريكي لمكافحة الإرهاب نيكولاس راسموسن أمام مجلس النواب العام الماضي أن «التهديد الذي يمثله هؤلاء الأفراد للأمريكيين في الداخل يزيد من حدته النزاع في سوريا والعراق وبات من الصعب التصدي له».
وقبل الاعتداء الدامي الذي اوقع 12 قتيلا في باريس شهدت كندا وأستراليا اعتداءات نفذها ناشطون يحملون جوازات سفر غربية «تبنوا الفكر المتطرف من تلقاء أنفسهم».
والمعلومات حول متطرفين محتملين من جانبي الأطلسي يتم إدخالها في قاعدة بيانات خاصة في مركز مكافحة الإرهاب في واشنطن ومنها إلى قوائم المراقبة الأمريكية بما فيها لائحة «الممنوعين من السفر» التي تهدف إلى تفادي استهداف رحلات جوية متوجهة إلى الولايات المتحدة. وكان منفذا هجوم الأربعاء الماضي على الصحيفة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» في باريس سعيد كواشي وشقيقه شريف على قوائم المراقبة ومن بينها لائحة «الممنوعين من السفر». وسافر سعيد إلى اليمن في 2011 لتلقي تدريب على السلاح بيد أحد عناصر تنظيم القاعدة، حسب ما أفاد مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية.
إلا أن أيا من الأخوين لم يكن تحت المراقبة المستمرة ولم تكن هناك أشارات بشن هجوم وشيك، بحسب وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف.
وتتطلب المراقبة المستمرة تخصيص أفراد وموارد وليس باستطاعة أي أجهزة استخبارات غربية تتبع كل جهادي مشتبه به على أراضيها بحسب الخبراء.
وعلى غرار الحكومات الأخرى، تحاول فرنسا التركيز على الأفراد الذين يشكلون خطراً أكبر ومن المرجح أكثر أن يلجاوا الى العنف لكن هناك حدود عملية وقضائية ايضا.
وقال مدير معهد الأبحاث الاستخباراتية الفرنسي إريك دينانس «هناك نقطة تتوقف عندها الاستخبارات خصوصاً إذا كان الأفراد المراقبون حذرين في تحركاتهم لفترة، وهناك ثغرات لا يمكن تفاديها في الشبكة». وتخوض الاستخبارات الغربية سباقاً فعلياً مع المتطرفين وتسعى لإيجاد وسائل لمكافحة الإرهاب تكون أسرع من المتطوعين الجدد الذين يتم تجنيدهم أو حضهم على ارتكاب العنف. والمخاوف حول المقاتلين الأجانب ليست أمراً حديثاً إلا أن العدد الضخم للغربيين الذين يتوجهون إلى سوريا يشكل تهديداً غير مسبوق خصوصاً للدول الأوروبية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن قرابة 100 أمريكي توجهوا إلى سوريا وإن أكثر من ألف أوروبي قصدوا المنطقة للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أو غيره من الحركات الجهادية، بينما يرى بعض المحللين المستقلين أن العدد أكبر على الأرجح.
وبعد أن كانت الحكومات الأوروبية حذرة في مشاركة المعلومات مع وكالات الاستخبارات الأمريكية، دفع القلق من المتطوعين العائدين من سوريا إلى زيادة ملحوظة في تقاسم المعلومات الاستخباراتية مع الأمريكيين. وقال راسموسن إن «المهمة كبيرة جداً».
وأعاد الاعتداء في فرنسا الجدل حول وسائل التنصت التي تلجأ إليها الولايات المتحدة. وشدد رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق مايكل هايدن أن الاعتداء كشف ضرورة استخراج «معلومات من الهواتف النقالة والرسائل القصيرة لكشف أي مؤامرات لمتطرفين».
وتابع هايدن أن «العديد من الأشخاص كانوا قلقين جداً حول الموضوع قبل 6 أو 12 أو 18 شهراً». وأضاف «سيأتي إلينا الفرنسيون ليسألوا عن هذه الأرقام الجديدة التي ربطناها بهؤلاء الأشخاص هل تظهر لدينا وماهو نشاطها وبمن اتصلت؟».
ومضى يقول «لقد قمنا بذلك التنصت لسبب وهو حمايتكم وليس التعدي على خصوصياتكم». وقدم رئيس الاستخبارات الداخلية البريطانية «ام آي 6» اندرو باركر تبريرا مماثلاً عندما قال إن وكالات الاستخبارات بحاجة إلى مزيد من الصلاحيات لتعقب الناشطين.
ورفعت بريطانيا مستوى الإنذار الأمني في أغسطس الماضي ليصل إلى الدرجة الثانية من أصل 5 للتحوط من اعتداء بات وشيكاً.
وقال باركر إن الإجراء تم بسبب صعود تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا والعراق و»مجموعة خراسان» الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تعرضت لضربات جوية أمريكية.
لكن حتى لو منحت أجهزة الاستخبارات سلطات أكبر للتنصت على الاتصالات الرقمية إلا أن باركر أقر أن هناك حدوداً لما يمكن القيام به لتفادي هجوم جديد.
وقال «نعلم أنه ليس بوسعنا أن نأمل بأن نتمكن من وقف كل شيء».