نشر البرنامج بالصحف أكد الحرص على مبدأ الشفافية والشراكة المجتمعية
تجاوب حكومي واضح مع مطالب أعضاء اللجنة النيابية للرد على برنامج
17 وزيراً في اجتماع المناقشة بما يعكس تعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية
دراسة البرنامج بشكل موضوعي يظل التحدي الأكبر أمام البرلمان
النواب ملزمون بتقديم مرئياتهم حول آليات التعامل مع توجيه الدعم
إنجاز %80 من البرنامج السابق يعتبر تحدياً للنواب بعد زيادة صلاحياتهم
الرقابة البرلمانية أمر تحرص الحكومة على توفره للتعامل مع المشاريع
البرنامج يتصف بالمرونة مما يضاعف حجم الإنجازات بحسب المتغيرات
المراقبون والمحللون أكدوا أن البرنامج واقعي ولا يقدم أحلاماً وردية
البرنامج لامس احتياجات المواطنين رغم تحديات أسعار النفط



بين وعي مواطن متزايد وحرص حكومي على الشراكة المجتمعية، جاءت حالة التفاعل والنقاش بين مختلف أطياف المجتمع البحرين حول برنامج عمل الحكومة للسنوات 2015-2018 بعد نشره كاملاً للمرة الأولى بالصحف بكل محاوره وبنوده، لتؤكد مدى تزايد وعي المواطن البحريني واهتمامه بالشأن العام وحرصه على أن يشارك بإيجابية في كل ما من شأنه الارتقاء بوطنه على كافة المستويات من جهة، كما أظهر حرص الحكومة على أن يكون المواطن شريكاً برأيه وفكره في صياغة مستقبله من جهة أخرى.
ولكن في مقابل تلك الحالة المجتمعية ما بين المكاشفة والشفافية من جانب الحكومة ورد فعل مرحب من جانب قطاعات المجتمع وما أبدته من نظرة إيجابية ومتفائلة في التعامل مع ما تضمنه برنامج عمل الحكومة من محاور ومشروعات عبرت عنه أحاديث الناس في المجالس والتحقيقات الصحافية، ومقالات الرأي وكتاب الأعمدة والجمعيات المهنية والشبابية، إلا أن بعض النواب آثروا اتخاذ موقف معارض للتقرير حتى قبل قيام الحكومة بعرضه على مجلس النواب، وهو الأمر الذي أثار بين الناس كثيراً من التساؤلات المشروعة عن أسباب الرفض، وهل هي مجرد محاولة لإثبات الذات أم ماذا؟.
قبول شعبي
تلك التساؤلات لم تجد لها إجابة إلا في تصريحات النواب أنفسهم، إذ جاءت شهادة اللجنة النيابية للرد على برنامج الحكومة برئاسة النائب علي العرادي التي قال فيها إنه «قبل تسلم البرنامج لم نكن نعرف محتواه وكانت هناك تساؤلات كثيرة وبمجرد تسلمه وقراءته وتدارس محاوره زالت التحفظات»، لتوضح الحقيقة بجلاء، ورغم ذلك استمر بعض النواب في إطلاق التصريحات المرتبكة والمشوشة ضد البرنامج من خلال نظرة سلبية لم تتطرق لمحتوى البرنامج في إطاره الكلي بإيجابياته وسلبياته، واقتصرت الحديث عن السلبيات، وهو أمر قد يضع النواب أنفسهم في موقف محرج شعبياً.
ومن يرصد ويحلل ردة الفعل الشعبي على البرنامج، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية كالصحافة، أو وسائل الإعلام الجديدة كالمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و»تويتر» و»إنستغرام» وحتى «واتس آب» يلاحظ أن هناك شبه إجماع على إيجابية ما يتضمنه البرنامج وأهميته لصالح الوطن والمواطنين، خصوصاً وأن الحكومة ومن خلال برامجها السابقة حققت عدداً من الإنجازات في كافة القطاعات، ووصلت نسبة إنجاز المشروعات بالنسبة للبرنامج السابق نحو 80%، وهي نسبة كبيرة تبعث على الاطمئنان بقدرة الحكومة على مواصلة مسيرة الإنجاز تحقيقاً لتطلعات وطموحات المواطن.
تلبية الاحتياجات
القبول الشعبي الواسع لبرنامج الحكومة ترسخ لدى المواطنين بعد إدراك حرص الحكومة نفسها على تلبية كافة احتياجاتهم، فرغم أن البرنامج الحكومي الجديد يأتي في ظل تحديدات متزايدة أبرزها تراجع أسعار النفط، والذي تعاملت معه أغلب الدول بتحفظ عند إعداد ميزانياتها، إلا أن أولويات البرنامج لامست بشكل كبير احتياجات المواطن الأساسية، وعلى رأسها البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية، فعلى سبيل المثال تعهدت الحكومة ببناء 20 ألف وحدة سكنية، وتطوير البنية التحتية في مجال التعليم بإنشاء 10 مدارس جديدة وتطوير المرافق القائمة، وتحسين الخدمات الصحية والتوسع في بناء المستشفيات والمراكز الصحية، كما ركز البرنامج بشكل خاص على دعم الفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً للدعم، كمرضى السكلر وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، وغيرها.
وبالتأكيد، إن كل ذلك لا يمنع أن هناك بعض المخاوف التي مازالت تساور المواطنين، خصوصاً في ظل الحديث عن إعادة توجيه الدعم وآليات صرفه كدعم السلع الأساسية أو الدعم المالي الذي يقدم للأسر البحرينية، وهنا يكمن دور النواب في إزالة تلك المخاوف وتطمين المواطن بشأن عدم التفريط في مكتسباته، خصوصاً وأن صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، أكد لدى تقديمه برنامج عمل الحكومة أن التحديات الاقتصادية لن تؤثر على أي مكتسبات خاصة بالمواطن.
تجاوب الحكومي
وعلى الصعيد ذاته، كان لافتاً، التجاوب الحكومي مع مطالب أعضاء اللجنة النيابية للرد على برنامج عمل الحكومة، في الاجتماع مع ممثلي الحكومة للاستيضاح منهم عن محاور وبنود البرنامج، وهو الطلب الذي استجابت له الحكومة بشكل فوري، ومن المقرر أن يعقد الاجتماع اليوم، بحضور 17 وزيراً، في صورة تعكس روح التعاون المأمول بين السلطتين التنفيذية والتشريعية نحو تسريع وتيرة الإنجاز وتحقيق ما يصبو إليه المواطن من تحسين معيشته وتأمين مستقبله، بلا تعطيل، خاصة بعد أربع سنوات شهدت تعطل البرامج التنموية وتراجع الاقتصاد بسبب الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها المملكة، الأمر الذي يجعل من الإسراع في تعويض خسائر تلك السنوات التي تحملها المواطن والاقتصاد الوطني أمراً ملحاً.
وهنا يمكن الجزم بأن التحدي الآن أمام النواب هو كيفية دراسة البرنامج والتعاطي معه بشكل موضوعي والموازنة بين الموارد والإمكانات والتحديات الحالية، من أجل العمل على تلبية التطلعات والطموحات الواعدة للنهوض بالمواطن البحريني التي اشتمل عليها البرنامج، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود من أجل أن توضع هذه المبادرات موضع التنفيذ الفعلي، والذي لن يتحقق سوى بالتكاتف والتعاون بين كافة المؤسسات المعنية في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
كما يجب على النواب عدم تجاهل أهمية الدعم الشعبي لهذا البرنامج والوعي بمتطلبات المرحلة الحالية التي تتطلع فيها البحرين إلى المضي قدماً نحو المزيد من التقدم والإنجاز، لاسيما وأن البرنامج بشهادة عدد كبير من المراقبين والمختصين هو برنامج واقعي ولا يحتوي على أي تضخيم أو أحلام وردية يتم تسويقها للمواطنين، بل إنه برنامج محدد وواضح المعالم ويتماشى مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تشهد تراجعاً في أسعار النفط في الأسواق العالمية.
مرئيات النواب
وبحسب ما تتناقله أوساط المجتمع والمواطنين، فعلى النواب أن يقدموا للرأي العام مرئياتهم بشأن الأوضاع الاقتصادية الحالية، وما هي الآلية التي سيتعاملون بها مع ما ينشر عن وجود توجه حكومي إلى إعادة توجيه الدعم الحكومي أو رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات.
ومما لاشك فيه أن أي قرار سيتخذه النواب بشأن البرنامج سيكون له سلبيات وإيجابيات، لكن يجب أن يدرك الجميع أن ما نحتاج إليه هو السعي للأمور الإيجابية والنظر للمستقبل دون أي مبالغة أو تهويل، وأن نتذكر دائماً أن برنامج الحكومة السابق نفذ منه حوالي 80% من المشاريع الخدمية، وأن التحدي الأكبر على النواب بعد زيادة صلاحياتهم هو أن يساهموا في رفع هذه النسبة أو الحفاظ عليها وذلك بتعاونهم ومراقبتهم لأداء الحكومة ومحاسبة المقصرين.
ولن نكون مبالغين إذا ما قلنا إن التعاطي النيابي مع برنامج عمل الحكومة خلال الفترة الماضية بدأ مشوشاً ومتسرعاً وبه قصر نظر في نظر العديد من المواطنين الذين بدؤوا يشعرون بالقلق والخوف من استمرار هذا التسرع النيابي في اتخاذ أي قرار، أو اتخاذ قرار غير سليم بدون قراءة موضوعية للبرنامج والظروف السياسية المحيطة أن يترك أثراً سلبياً علي المواطنين من خلال تعطيل مسيرة العمل وتأخر إنجاز المشاريع التي يتطلعون إليها للارتقاء بأوضاعهم الحياتية والمعيشية.
ولعل كل ما يطلبه المواطنون الآن بعد 4 سنوات من تعطل بعض المشاريع بسبب الأحداث السياسية التي شهدتها البحرين، هو أن يتركز انشغال النواب والحكومة على تنفيذ المزيد من المشاريع الخدمية التي تعود بالخير عليهم، وتنفيذ ذلك يتطلب من النواب اتخاذ قرار سريع تجاه برنامج عمل الحكومة دون تعطيل.
مرونة البرنامج
ومن الواضح، أن هناك عدداً من المواطنين بدؤوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ترصد تصريحات النواب، وهذا مؤشر على أن أي قرار سلبي سيتخذه النواب يكون من نتائجه تعطل تنفيذ المشاريع الخدمية، سيكون هذا القرار مادة دسمة لسخط المواطنين وسخريتهم من النواب.
وبحسب القراءة الأولية لبرنامج عمل الحكومة، يلاحظ أن المشاريع التي أدرجت في البرنامج جاءت بشكل عام وليس تفصيلياً، وهذا الأمر في حد ذاته صحيح لأنه يمنح مرونة كبيرة للبرنامج وللوزارات للتعامل مع الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية ولا يخلق نوعاً من الجمود، ويبقى الفيصل هو التفصيل الذي ستأتي به الميزانية العامة، ومن خلال الرقابة البرلمانية يمكن للنواب التعديل وفق الإمكانات والموارد المتاحة وفق أولوية المشروعات التي تلبي تطلعات المواطنين.
ولو نظرنا إلى برنامج عمل الحكومة بنظرة أكثر قرباً لوجدنا أنه يلامس بشكل واضح احتياجات وتطلعات المواطنين، لاسيما على صعيد تحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم في مجالات الإسكان والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وغيرها، كما إن البرنامج يركز بشكل خاص على دعم الفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً للدعم، كمرضى السكلر وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين.
كذلك وضع برنامج تنمية رأس المال البشري والارتقاء بالمواطن البحريني في مقدمة الأولويات عبر توفير وتحسين جودة وكفاءة الخدمات العامة لكافة فئات المجتمع، ومواصلة العمل لتطوير جميع القطاعات التي تخدم المواطن بما يضمن له الرفاه ويمكنه من المساهمة الفعالة في العملية التنموية.
وعكست أولويات الحكومة في برنامجها سعيها الدؤوب لكفالة حياة كريمة تتوافر فيها كافة المقومات من الارتقاء بمستوى التعليم، وتوفير المسكن الملائم لذوي الدخل المحدود، واستمرار النهوض بمنظومة الرعاية الصحية عبر إنشاء 6 مستشفيات ومراكز طبية متخصصة في مختلف محافظات المملكة، وبناء 4 مراكز صحية عامة جديدة، فضلاً عن أن البرنامج اهتم بمرضى فقر الدم المنجلي «السكلر»، وذوي الاحتياجات الخاصة ومحدودي الدخل، كما اشتمل البرنامج على مبادرات عدة تكفل الاستمرار في تقديم خدمات اجتماعية وتنموية متعددة موجهة لكافة فئات المجتمع، بما يخلق مجتمعاً بحرينياً قائماً على التكافل والتماسك والشراكة.
ويبقى القول، إن برنامج عمل الحكومة ملامح مرحلة جديدة من العمل الوطني البناء الذي يستهدف تلبية جملة من التطلعات والطموحات الواعدة للنهوض بالمواطن البحريني، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود من أجل أن توضع هذه المبادرات موضع التنفيذ الفعلي، والذي لن يتحقق سوى بالتكاتف والتعاون بين كافة المؤسسات المعنية في السلطتين التنفيذية والتشريعية.