عواصم - (وكالات): أصدر القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة تبرير الإرهاب، وهو جرم أدرج مؤخراً في القانون الجنائي الفرنسي، بعد الاعتداءات الأخيرة التي أدت إلى مقتل 17 شخصاً في باريس، بينما وعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن فرنسا «لن ترضخ أبداً» للإرهاب وذلك خلال تأبين 3 من عناصر الشرطة قتلوا في هجمات المتطرفين، قبل أن يعلن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس أنه سيتم العمل «قبل نهاية العام على إنشاء أجنحة محددة» في السجون الفرنسية لعزل المعتقلين الجهاديين. وقال هولاند خلال حفل التأبين إن «بلادنا العظمية والجميلة فرنسا لا تنكسر أبداً ولن ترضخ أبداً ولن تنحني أبداً، تخوض مواجهة وهي منتصبة القامة» في حين أن «الخطر لايزال ماثلاً» من «الخارج» و«الداخل». والاعتداءات الأخيرة في فرنسا هي الأسوأ في أوروبا منذ عقد، وقد أوقعت 17 قتيلاً و3 إرهابيين و30 جريحاً.
وأضاف هولاند أن «الجهاد والتطرف يضرب هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا أحراراً. لم ننته بعد من التهديد» داعياً إلى المزيد من الحذر واليقظة أمام الخطر.
وفي القدس المحتلة، جرت مراسم تشييع اليهود الأربعة الذين قتلوا الجمعة الماضي في باريس إثر عملية احتجاز رهائن في متجر يهودي نفذها الجهادي أحمدي كوليبالي.
وفي نفس الإطار الذي تحدث فيه هولاند، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مراسم التشييع أن قادة العالم أجمع «بدؤوا يدركون التهديد الواضح والفعلي الذي يشكله التطرف». بدورها، أكدت وزيرة البيئة والطاقة الفرنسية سيغولين روايال التي مثلت باريس في مراسم التشييع أن معاداة السامية «لا مكان لها في فرنسا». وأمس، دفن أيضاً قرب باريس أحمد مرابط، الشرطي الفرنسي المسلم الذي قتل برصاص الأخوين المتطرفين سعيد وشريف كواشي، منفذا الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو.
وأثار مشهد قتله عبر إطلاق النار عليه من مسافة قريباً فيما كان مصاباً على حافة الطريق صدمة كبرى في فرنسا.
وهو أحد الشرطيين الثلاثة الذي قتلوا برصاص الجهاديين، إلى جانب فرانك برينسولارو الذي قتل في الهجوم على شارلي إيبدو وكلاريسا جان فيليب الشرطية الشابة التي قتلها كوليبالي الخميس الماضي جنوب باريس قرب مدرسة يهودية. في الوقت ذاته، أصدر القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة تبرير الإرهاب، وهو جرم أدرج مؤخراً في القانون الجنائي الفرنسي، بعد الاعتداءات الأخيرة. ففي تولوز جنوب غرب البلاد حكم على شاب في الـ21 من العمر بالسجن 10 أشهر مع النفاذ وأودع السجن، بعد أن أعرب في وسيلة مواصلات عن تضامنه مع منفذي الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو.
وصرح النائب العام باتريس ميشال «لقد طبقنا للمرة الأولى قانون 14 نوفمبر 2014 الذي يشدد إجراءات مكافحة الإرهاب». وأضاف «ينبغي أن يتم ذلك على جميع المستويات، على صعيد المواطنين، ولاسيما القضاة. ينبغي عدم التراجع ذرة واحدة». ويجرم القانون «التبرير العلني لأعمال إرهابية». وفي تولون، حكم على رجل يبلغ 27 عاماً بالسجن عاماً بعدما نشر على صفحته على فيسبوك صور جهاديين وتصريحات تبرر هجمات باريس الدامية. لكنه مازال طليقاً نظراً إلى عدم طلب النيابة سجنه فوراً. وأفاد محاميه بأن المتهم «كان يقصد المزاح والاستفزاز».
وفي ستراسبورغ ونيس أرجأت محاكمة رجلين بالتهمة نفسها إلى موعد لاحق لكنهما أبقيا قيد الحجز. ونشر الأول على صفحته على فيسبوك صورة بندقية وذخائر على الأرض، تحمل تعليقا بخط اليد يقول «قبلات حارة من سوريا، باي باي شارلي». واتهم الثاني بأنه وجه الكلام مرتين إلى عناصر شرطة أمام مركز شرطة في حي يسوده التوتر هاتفاً «%100 كواشي».
من جهة أخرى أدين عدة أشخاص بتهمة ارتكاب أعمال عنف في تولوز وأورليان بعد أن هددوا شرطيين بالقتل بالكلاشنيكوف، السلاح الذي استخدمه منفذا الاعتداء.
من جانبه، أعلن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس في كلمة أمام الجمعية الوطنية أن فرنسا في «حرب ضد الإرهاب» وليست في حرب ضد الإسلام. وقال فالس في كلمته التي قوطعت مراراً بالتصفيق «فرنسا ليست في حرب ضد الإسلام والمسلمين، بل هي في حرب ضد الإرهاب والتطرف». وأعلن فالس عن سلسلة إجراءات بعد «أخذ العبر من هجمات الأسبوع الماضي»، مشدداً على ضرورة «تعزيز أجهزة الاستخبارات الداخلية وقوانين مكافحة الإرهاب». وتابع «من دون تعزيز كبير للوسائل البشرية والمادية قد تجد أجهزة الاستخبارات الداخلية نفسها عاجزة عن القيام بالمطلوب منها» موضحاً أن 1250 عنصراً يعملون حالياً على مراقبة المسلحين الذين يمكن أن يكونوا توجهوا أو يعتزمون التوجه إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيمات متطرفة.
وعن ما تردد عن تجنيد جهاديين داخل السجون الفرنسية قال فالس إنه سيتم العمل «قبل انتهاء العام على وضع السجناء المصنفين من المتطرفين في أجنحة محددة ستقام داخل السجون». وحرص المسؤول الفرنسي على التشديد على أن «الإجراءات الاستثنائية» لن تؤثر على حرية الأشخاص. كما أعلن فالس أنه «سيتم خلال العام بدء الرقابة على سفر الأشخاص جواً، المشتبه بقيامهم بنشاطات إجرامية» مضيفاً أن «آلية الرقابة الفرنسية ستكون جاهزة ابتداءً من سبتمبر 2015».
وأعلن فالس أنه طلب من وزير الداخلية برنار كازنوف أن يرفع إليه «خلال أيام» اقتراحات حول تعزيز الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي «التي تستخدم أكثر من غيرها للتجنيد والاتصال والحصول على التقنيات التي تتيح الانتقال إلى الفعل».
وفي وقت لاحق، صوتت الجمعية الوطنية بشبه إجماع على مواصلة الضربات الجوية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
وبعد أسبوع على الهجوم الذي قضى على هيئة تحرير شارلي إيبدو، تصدر الصحيفة الساخرة اليوم وعلى صفحتها الأولى رسماً كاريكاتيرياً مسيئاً للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت الصحيفة تلقت تهديدات لإصدارها رسوماً للرسول قبل تعرضها لهجوم بالرشاشات أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم 7 من هيئة تحريرها بينهم مديرها شارب و3 من أبرز رساميها ولينسكي وكابو وتينيوس.
وسيصدر العدد الجديد بثلاثة ملايين نسخة مقابل 60 ألفاً عادة وسيترجم إلى 16 لغة ويباع في 25 بلداً.
ودعت أكبر منظمتين لمسلمي فرنسا، المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، المسلمين إلى «التحلي بالهدوء» و»احترام حرية الرأي» عشية صدور عدد الصحيفة.
وفي القاهرة، حذرت دار الإفتاء المصرية من «إقدام مجلة شارلي إيبدو على نشر عدد جديد مسيء للرسول الكريم محمد رداً على الهجمات التي تعرضت لها. وأكدت دار الإفتاء أن» إقدام المجلة المسيئة على هذا الفعل هو استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مسلم عبر العالم يكنون الحب والاحترام للنبي». وبعد الأصداء العالمية التي خلفتها التعبئة الشعبية الكبرى، تخضع وحدة البلاد لأول اختبار مع كشف رئيس الوزراء مانويل فالس أمام النواب عن خطط الحكومة الاشتراكية حول كيفية مواجهة الإرهاب. ولطمأنة الشعب والتصدي بشكل فوري للتهديدات بهجمات جديدة، حشدت الحكومة الفرنسية 15 ألف عسكري وشرطي مهمتهم حماية كل «المواقع الحساسة في البلاد» وخصوصاً ضمان أمن 717 مدرسة ودور عبادة يهودية في البلاد. ويطالب مسلمو فرنسا أيضاً بتعزيز حماية المساجد بعد تصاعد الأعمال المناهضة للإسلام.
وفيما تستمر حملة المطاردة بحثاً عن شركاء محتملين للجهاديين، كشفت النيابة العامة البلغارية أن فرنسيا أوقف في بلغاريا مطلع يناير الجاري لمحاولته التوجه إلى سوريا يشتبه في ارتباطه بشريف كواشي. في تطور آخر، حذر المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف، من مغبة وقوع اعتداءات جديدة ومن مخاطر نمو نزعة التطرف في السجون. وقال دو كرشوف «لن نتمكن من منع وقوع اعتداء جديد، لكن يمكننا أن نحاول قدر الإمكان العمل على عدم حدوث ذلك من دون أن ندخل في مجتمع توتاليتاري»، مؤكداً أيضاً أن «السجون هي حاضنة للتطرف الجماعي».