ما أن تقترب فترة الاختبارات النهائية للطلبة إلا ويطغى على الأسرة جو من التوتر والقلق وتظهر المشاكل ويبدأ الخلاف بين الآباء، وكأن الامتحانات شبح قادم يجب التصدي له ومواجهته بكل الطرق والوسائل المتاحة، فيسود الأسرة حالة من الطوارئ ويبدأ الآباء بكتابة البرنامج المتبع لمواجهة الاختبارات، فكل أسرة تضع لأبنائها برنامجاً خاصاً وتتخذ وسائل معينة لتنفيذه وتسن قوانين صارمة على الأبناء للتصدي لهذا الزائر غير المرحب به، وأغلب هذه الطرق والوسائل المتبعة هي وسائل خاطئة بل إنها تؤدي إلى توتر الأبناء وتفقدهم التركيز وتشتت الذهن وتحول دون قدرتهم على المذاكرة والاسترجاع. فيجب على الآباء الحذر منها والابتعاد عنها قدر المستطاع ومن هذه الطرق والوسائل التي يكون ضررها ظاهراً وتسهم في تدني نتائج الأبناء في الامتحانات:
-1 عزل الابن (الطالب) في غرفة أو مكان، بعيدا عن الآخرين بحجة المذاكرة وتوفير بيئة مناسبة للطالب: وهذا أسلوب خاطئ في حث الأبناء على المذاكرة فهو ينشئ في نفس الطالب الشعور بالرهبة والتوتر من الامتحان ويظهر على الابن علامات الخوف والقلق وبالتالي تقلل من دافعية الطالب وإقباله على الدراسة وقد تقضي على مستوى تركيزه وانتباهه.
-2 منع جميع وسائل الترفية والتسلية على الأبناء وحرمانهم منها كمشاهدة (التلفاز أو استعمال الهاتف أو للعب قليلاً خارج المنزل):
وهذا من السلوكيات الخاطئة أيضاً بل إن ضرره أشد وتأثيره أعظم فالمذاكرة تحتاج إلى فترات يروح فيها الطالب عن النفس ويكسر التوتر والقلق الذي يشعر به أثناء المذاكرة. فالطالب بحاجة إلى شيء يستعيد نشاطه وحيويته ويكون دافعاً له للإقبال على المذاكرة والاستمرار. فما أجمل أن تتخلل عملية المذاكرة بعض الدقائق من المرح والمتعة، فتهيئة البيئة المناسبة عامل مهم من عوامل النجاح عند الأبناء.
-3 إكثار الآباء من أسلوب المقارنة بين الابن وغيرة من الأبناء، سواء كانوا إخوانه أو زملاء له في الدراسة: فكثيراً ما يسمع الطالب في فترة الاختبارات هذه العبارات المحبطة (نريدك أن تكون مثل فلان) أو (فلان خير منك) أو (نريدك أن تحصل على درجات مثل فلان.... إلخ وغيرها من العبارات التي ما قالها الآباء إلا لكي يذكوا روح الجد والاجتهاد في نفس الابن ولم يعلموا يوماً أن هذه العبارات تقتل روح الإبداع في نفس الطفل، وتنشئ جيلاً ضعيف الشخصية وتصيب الطالب بالإحباط، وتفقده الثقة بالنفس وتقلل من قيمته أمام الآخرين، فهناك فروق فردية تميز كل طفل عن الآخرين، فلا يمكن بأي حال أن يكون ابنك نسخة لشخص آخر، فبعض الأبناء يكون ضعيفاً في جانب من الجوانب لكنه في جانب آخر متفوق عن غيره، وهذا ما خلص إليه علماء التربية، فظهرت نظرية تربوية تسمى نظرية الذكاءات المتعددة ملخصها أن كل طالب له ذكاء يميزه عن غيرة. فلنبتعد عن المقارنة ولنعرف قدرات أبنائنا حتى يسهل علينا معاملتهم.
-4 حث الأبناء على السهر لفترات متأخرة من الليل: فغالب الآباء يحثون أبناءهم على السهر للمذاكرة مأملينهم بأنها أيام قليلة فقط ثم بعدها يرجعون وينامون كما يشاؤون، مكررين عبارة لم يفهموها كما ينبغي وهي (من طلب العلا سهر الليالي) ولم يدر في خلدهم أن السهر وقلة النوم وعدم الراحة هو العدو الأول للنجاح والعقبة الصعبة أمام التفوق والإبداع، فليس العبرة في أن يقضي الطالب الليل كله في المذاكرة والمراجعة على حساب صحته وراحة جسده، فقد تكون مذاكرته ساعة واحدة بحضور قلب وتركيز ذهن خير له من الساعات الطوال بدونهما، وعليه فإن الأبناء يجب أن يأخذوا كفايتهم من النوم والراحة، ويساعد الابن على ذلك تنظيم الوقت بدقة وتخصيص وقت للمراجعة وآخر للنوم وللعب.
-5 حرص الآباء على الدرجات فقط: فعندما يسأل الآباء عن الغاية من حثهم الأبناء على المراجعة والدراسة كانت غالب إجاباتهم واحدة وهي الحصول على أعلى الدرجات، فأصبحت الدرجات هي الهم الأول للآباء بغض النظر عن الفائدة التي جناها الطالب من التعليم خلال العام الدراسي، وإن كانت الدرجات العالية مطلوبة وطلبها ليس عيباً أو جرماً لكن أن تكون الهم الأول للآباء وتكون هي الحكم في نبوغ الابن من عدمه، فهذا فيه نظر وإجحاف للابن. فالدرجات ليس لها علاقة في تفوق الابن أو نبوغه وإبداعه فكم من العلماء الذين غيروا مجرى التاريخ ونقلوا البشرية إلى حياة أخرى وكانوا علامة بارزة في التاريخ لم يكونوا متفوقين في الدراسة بل إنهم طردوا من المدارس لقلة تحصيلهم ودرجاتهم واقرؤوا سيرة (إسحاق نيوتن وإديسون) وغيرهم كثر.
-6 التهويل من الاختبارات وإعطاؤها شأناً أكبر من حجمها: فكثير من الآباء يجعلون الامتحانات هي الفيصل في حياة الأبناء وأن الامتحان هو الذي يجعل الابن يعيش سعيداً مكرماً وأن عدم النجاح يجعله أتعس الناس، يعيش حياة الذل والحرمان فينغرس في ذهن الطالب الرهبة من الامتحان والخوف من السقوط والرسوب، فينتج عنه نتائج عكسية في حياته، والواجب على الآباء أن يبتعدوا عن مثل هذه الكلمات المهولة وأن يوضحوا للأبناء أن الامتحان ما هو إلا استرجاع بسيط لما تم أخذه خلال الفصل أو العام وأن الأمر لا يستحق أكثر من حجمه وأن يغرسوا في الطالب الأمل بالنجاح بتوكله على الله تعالى والتشجيع المثمر والثقة بالنفس وأن الأمر لا يحتاج سوى جهد بسيط. لفته: وفي الختام أوصي الآباء بالاهتمام بأبنائهم في هذه الفترة الحرجة وأن يكونوا عوناً لهم وأن يستغلوا انشغال الطلاب بالاختبارات بتذكيرهم بالاختبار الأكبر يوم القيامة عندما نقف أمام الله تعالى لوحدنا ويسألنا عما عملنا في الدنيا.
محمد علي الخلاقي