تميز برنامج عمل الحكومة للأعوام 2015-2018، بتضمينه السياسات والمبادرات والإجراءات الكفيلة بتعزيز فعالية وكفاءة الأداء الحكومي، كمتطلب أساسي من متطلبات التنمية، حيث يرتبط الأداء الحكومي، لاسيما في الجهات الخدمية، بشكل وثيق بمدى رضا المواطن والمستثمر في آن واحد عما تقدمه الحكومة من خدمات من حيث السرعة والكفاءة، وهو ما يستدعي المراجعة المستمرة والقياس لمستويات الأداء باستخدام منهجية علمية تحدد نقاط الضعف والقوة وتضع الإجراءات المناسبة من أجل العمل على الارتقاء بمستوى كفاءة أداء تلك الخدمات لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وارتكز برنامج عمل الحكومة في محور تطوير الأداء الحكومي، على تطوير وتحسين القدرة على تقديم الخدمات في القطاع العام لتكون بأفضل كفاءة وفعالية وسرعة ممكنة، من خلال مجموعة من السياسات والمبادرات والإجراءات، التي تتضمن تحسين إنتاجية القطاع العام وتعزيز حوكمته وإعادة تنظيم الجهاز الحكومي ومراجعة عملياته، وتطوير آليات ومعايير استحداث الجهات الحكومية ووضع نظم فعالة في تصميم هياكلها التنظيمية وعملياتها الإدارية.
ويأتي الحديث عن إعادة تنظيم الجهاز الحكومي ومراجعة عملياته، في ظل إدراك الحكومة لطبيعة التحديات التي تواجهها المملكة، خصوصا مع انخفاض أسعار النفط، والتي تتطلب البحث عن حلول عملية لضمان كفاءة إدارة الموارد المالية المتاحة، وتطوير الجهاز الحكومي ومراجعة وتطوير السياسات وخط سير العمليات والخدمات التي تقوم بها الوزارات والجهات الحكومية، بما يتواكب مع الاحتياجات والتغييرات المستحدثة، تحقيقاً لاستغلال الموارد بأفضل طريقة ممكنة من خلال تصحيح الهياكل التنظيمية وتبني سياسات الخصخصة لتقديم أفضل الخدمات ومشاركة القطاع الخاص.
المساءلة والشفافية
وفي ضوء التزامها بتعزيز مبادئ المساءلة والشفافية، تعهدت الحكومة في برنامجها بتبسيط وتطوير عمليات الشراء وإجراءات المناقصات، وتعزيز دور مجلس المناقصات والمزايدات وتحسين أدائه لضمان أعلى مستويات الشفافية والعدالة فيا لمشتريات والمبيعات، إضافة إلى تطوير الإجراءات اللازمة بما يضمن الالتزام بالأنظمة والقوانين في جميع مراحل عملية المناقصة، وكذلك تفعيل نظام متكامل لتصنيف المقاولين والموردين.
كما جددت الحكومة التزامها بتعزيز الرقابة والتدقيق الداخلي من خلال تحديث السياسات الهادفة إلى مكافحة الفساد، وتدعيم عمل الأجهزة المعنية بهذا الجانب، وتطوير التشريعات العقابية للمحافظة على المال العام، وتشديد العقوبات المقررة على جرائم التعدي على المال العام والتربح كجرائم الرشوة والاختلاس وإهدار المال العام.
وأولى البرنامج الحكومي تعزيز دور أجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات والأجهزة الحكومية أهمية خاصة بما يكفل اتخاذ الإجراءات الاستباقية التي تضمن عدم وقوع المخالفات والتجاوزات الإدارية والمالية، وتعزيز استجابة الوزارات والأجهزة الحكومية لتنفيذ توصيات ديوان الرقابة المالية والإدارية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها وتفادي تكرارها واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة بحق مرتكبيها.
وفي ضوء التوجه لإعادة تنظيم الجهاز الحكومي، اشتمل محور الأداء الحكومي على آليات جديدة للتوظيف والتطوير والإحلال الوظيفي تتضمن تطوير عمليات وأنظمة التوظيف والترقيات في القطاع العام، ورسم خطة لتطوير أداء موظفي الخدمة المدنية من خلال إدارة التدرج الوظيفي والمواءمة بين قدراتهم واحتياجاتهم التطويرية بما يحقق الاحتياجات الاستراتيجية العامة، ولجذب الكفاءات والحفاظ عليها.
كما أكد البرنامج على رفع مستوى القيادات التنفيذية في الخدمة المدنية، من خلال تقديم برامج خاصة ووضع خطة لإعداد وتأهيل صف ثاني من القيادات والموظفين في كل الوظائف المهمة، وتكثيف الجهود في تقييم وتحسين نوعية وتوافر برامج التدريب لموظفي الخدمة المدنية، وتنفيذ الخطط التدريبية في المجالات الإدارية المختلفة التي تلبي متطلبات الموظفين وترفع من كفاءتهم في الأجهزة الحكومية.
مواكبة المتغيرات
وفي خطوة أخرى، تعكس الحرص على تحسين أداء الجهاز الحكومي، ومواكبة المتغيرات والتطورات عبر رؤية مستقبلية قائمة على أسس علمية ومنهجية، فقد وضع البرنامج الحكومي آليات للتخطيط الاستراتيجي المبني على الاحتياجات والحقائق، تقوم على تعزيز قدرات الأجهزة الحكومية في مجال التخطيط الاستراتيجي بما يضمن فعالية تحقيق الأهداف التنموية، وتحديد آليات واضحة لصناعة السياسات التي يجب أن تكون مبنية على أساس المعلومات والدراسات والبحوث المناسبة وجمع البيانات وتحليلها، وتطوير منظومة متكاملة للمعلومات، تشتمل على بيانات ومعلومات دقيقة ومحدثة، للاستناد عليها في وضع السياسات والتوجهات المستقبلية.
واتجهت الحكومة من خلال برنامجها إلى إعطاء المزيد من الاهتمام بموضوع حوكمة القطاع العام، لما لها من دور في تطوير منظومة العمل الإداري والحفاظ على المال العام وتعزيز تنافسية مملكة البحرين، حيث تضمن البرنامج وضع خطة تنفيذية لتعزيز تطبيق مفاهيم ومبادئ الحوكمة في الأجهزة الحكومية، والاستفادة من أفضل التطبيقات والممارسات العالمية والاستعانة بالخبرات المتخصصة في هذا المجال، فضلاً عن إعداد وتنفيذ خطة عمل لإنشاء مركز إقليمي للحوكمة في مملكة البحرين بهدف خلق ثقافة جديدة في هذا المجال، وإيجاد كوادر قادرة على إرساء مفاهيم الحوكمة في الجهات الحكومية بما يتوافق مع المعايير العالمية والتوجهات الوطنية في هذا المجال.
واستكمالاً لهذا التوجه، تعهدت الحكومة من خلال برنامجها بتحسين وتبسيط الإجراءات في تقديم الخدمات في القطاع العام، وتعزيز التواصل والتكامل الحكومي، وذلك بالتوسع في استخدام التكنولوجيا في بعض الإجراءات والعمليات المهمة والأساسية في الجهاز الحكومي بهدف تبسيطها وزيادة مرونتها، مع ضمان سرية تداولها وأمنها، وهو ما يستلزم في الوقت ذاته تنفيذ برامج لإدارة التغيير والاتصال لإحداث تحول رئيسي في الثقافة السائدة في القطاع العام لتقبل التغيير والابتكار ورفع قنوات الاتصال بينها.
معالجة القصور
كما تضمن البرنامج سياسات وإجراءات لمعالجة أوجه القصور الحالية في الأداء الحكومي، ومن بينها الازدواجية، وتتضمن تفعيل مبادرات التكامل لبعض العمليات في الجهاز الحكومي، بما يضمن تقليل الازدواجية والتكرار في العمل وتقديم الخدمات بشكل أسرع وأكثر فعالية للمستفيدين، إضافة إلى توفير قاعدة مشتركة للمعلومات والبيانات بين الوزارات والجهات الحكومية.
ويلاحظ كذلك توجه الحكومة إلى استثمار النجاحات التي حققتها على مدار السنوات الماضية في مسار الحكومة الإلكترونية، وذلك من خلال توفير الخدمات وتطويرها إلكترونياً عبر عبر البوابة الإلكترونية للمواطنين وعموم المتعاملين وأصحاب المصلحة بهدف تسهيل الإجراءات وتسريعها، وتوفير المتابعة والتطوير المستمر لنظام الشكاوى والمقترحات الإلكتروني «تواصل»، بما يساهم بشكل فعال في تحسين الخدمات والتأكد من جودتها في القطاع الحكومي.
وبالطبع فإن توفير الخدمات وتطويرها إلكترونياً لابد أن يترافق مع خطوات وإجراءات تعزز الأمن الإلكتروني، وهو أمر أخذه البرنامج الحكومي بعين الاعتبار من خلال تضمينه مشروع الحماية المعلومات بتصنيفها وتحديد طرق معالجتها وكفالة سريتها، إضافة إلى إنشاء المركز الوطني للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي، يقدم مجموعة من الخدمات من ضمنها خدمات ضمان جودة أمن المعلومات، وتوفير القدرات والإمكانيات المتخصصة في مجال التأمين الإلكتروني، وتزويد الجهات الحكومية بخدمات متكاملة ومتطورة لأمن المعلومات، ورفع مستوى أمن المعلومات عن طريق حوكمة أمن المعلومات ودعم الجانب التقني والبشري بما يحقق الريادة الإقليمية والعالمية.
وبما أن الإنجاز يتطلب المتابعة المستمرة للأداء الحكومي، فقد حرص برنامج عمل الحكومة على وضع الآليات التي تكفل الوقوف على مستويات الإنجاز من خلال الاستمرار في متابعة الجهات المعنية بتنفيذ برنامج عمل الحكومة، وإدخال التحسينات اللازمة للمنظومة المعدة لذلك، بما يضمن التنفيذ الفعال للبرنامج بحسب الجداول الزمنية والموازنات المرصودة، تطوير آليات متابعة الأداء المؤسسي وتعزيز ثقافة تعتمد على الأداء والتخطيط الاستراتيجي.
ولعل أبرز ما اشتمل عليه البرنامج في هذا الإطار، تطوير آليات قياس ومتابعة الأداء الحكومي، من خلال تعزيز ثقافة القياس باستخدام مؤشرات الأداء، وتقديم الدعم الفني والاستشاري للمؤسسات الحكومية لتعزيز ثقافة القياس لديها، وربط العمليات الأساسية في الأجهزة الحكومية بمؤشرات يمكن قياسها على المستويات التشغيلية والمؤسسية والوطنية بما يضمن سهولة مراجعة وتقييم وتحسين العمل، واستكمال إعداد منظومة خاصة بقياس المؤشرات الوطنية والدولية، تضمن صحة المعلومات ودقتها.
وبالنظر إلى ما تقدم يتضح أن برنامج عمل الحكومة ركز في محوره المشار إليها، على أمرين غاية في الأهمية، هما تنمية الموارد وتعزيز التنافسية ورفع الكفاءة والفعالية في أداء الأجهزة الحكومية والعاملين فيها، وتحسين الأداء المؤسسي في القطاع الحكومي، بما يسهم في تطور كافة قطاعات الاقتصاد الوطني ويحسن مناخ الاستثمار ويرفع من معدلات النمو.