كتب- طارق العامر:
لم تفقد المملكة العربية السعودية –وحسب- قائداً وزعيماً، بل فقدت الإنسانية ملكاً ملهماً غيوراً ومهتماً بالعالم العربي وأحواله، تجاوزت إنسانيته كل الحدود فلقب بملك الإنسانية، وبقدر الفجيعة الجسيمة والحزن الذي يعيشها السعوديون لرحيل الملك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، تستشعر البحرين، ملكاً وقيادة وشعباً، بنفس الحزن والخسارة، واليوم إذ يبكي أهل الرياض مليكاً قائداً فذاً امتلك الرؤية الحكيمة والقرار الصائب في أغلب أموره، وتحلى بالصدق والشفافية وطالب كل من عمل معه بذلك، يبكيه على نفس القدر أهل المنامة، قائداً عظيماً ورمزاً من رموز الأمة الإسلامية، ووالداً محباً للبحرين وقيادتها وشعبها.
كان قريباً كل القرب من البحرين، ولن ينسى البحرينيون كلماته القوية ذات الدلالات العميقة إبان الأزمة ومخططات الفتنة التي أرادت السوء للبحرين فرد الله سبحانه وتعالى كيدها في نحرها، والتي تدل على وحدة الشعبين الشقيقين ومكارم الأخلاق والقيم، حين قال: «البحرين بنتي الصغيرة، وحدود الرياض المنامة، وحدود المنامة الرياض».
وكان لجهود الملك عبد الله رحمه الله وحكمته الدور البارز في هذا الإطار حيث عمل على حشد الموقف الخليجي لمؤازرة البحرين لمواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرارها، والدفع بتوجيه قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت العامة والحيوية، والتصدي للمؤامرات الدولية التي أرادت النيل من المملكة، وأعلنت المملكة العربية السعودية منذ اللحظات الأولى للأزمة أنها تعتبر أن أمن البحرين يشكل جزءاً أساسياً من أمنها.
ويروي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء وقائع الموقف السعودي التاريخي في دعم مملكة البحرين إبان أزمة فبراير 2011 في حديث إلى جريدة «السياسة» الكويتية بقوله: «إننا لن ننسى فضل إخواننا في مجلس التعاون الخليجي الذين ساعدونا على تخطي هذه الأزمة، وأخص بالذكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي قابلته لأشرح له ما يجري ولطلب العون ضمن اتفاقيات مجلس التعاون فقال لي: (إنني كنت في انتظاركم.. لماذا تأخرتم؟).. فالملك عبدالله هو رجل العون والشهامة».
فقد كانت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين تشهد بأن المؤسسين الأوائل للبلدين من آل سعود وآل خليفة تربطهم علاقات وأواصر ومصالح مشتركة وأن عمق العلاقات بينهما ازداد منذ عهد الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من خلال جسر الملك فهد حيث ارتبطت الجزيرة بالوطن العربي الأم وازدادت العلاقات بين البحرين والسعودية منذ تسلم جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة مقاليد الحكم وإبرازه الدور المشرف لمملكة البحرين على مستوى دول مجلس التعاون والعالم
إن ما يجمع بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين من علاقات ووشائج وصلات القربى لهو خير دليل على هذه العلاقات الحميمية الضاربة في جذورها وأنه لا يمكن أن تنفصم أبداً.
كما أن المواقف المشرفة للملك الراحل لا تعد ولا تحصى، ودعمه للبحرين تحت كل الظروف وفي جميع الأمور والقضايا التي لها علاقة بالبحرين بلا حدود، فقد قاد ودعم – طيب الله ثراه - مشروع التنمية الخليجي الذي وافقت عليه دول مجلس التعاون بإطلاق مشروع مارشال خليجي لدعم مشاريع التنمية والاستقرار في كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان بموازنة تبلغ 20 مليار دولار على مدى عشر سنوات، لتأكيد مفهوم أن النجاح في خطط التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة يشكل مفتاحاً جوهرياً لتحقيق الاستقرار الحضاري والأمن الاجتماعي.
وقد كان من أحدث المواقف التي أظهرت تقدير العاهل الراحل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله وشعب البحرين وعمق العلاقات الأخوية التي تربط بين الشعبين الشقيقين، إطلاق الملك عبد الله على الجسر الجديد الذي سيربط مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية ضمن مشروع سكك حديد الخليج اسم «جسر الملك حمد» تقديراً لدور جلالة العاهل المفدى في توطيد العلاقات الثنائية والخليجية، وهو تقدير خص العاهل الراحل عاهل البحرين به دليلاً على ما يكنه لجلالة ملك البحرين، من حب وتقدير واعتزاز إلى قائد مسيرة المشروع الإصلاحي في البحرين.
في أبريل 2010 زار العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله «بنته الصغرى» البحرين، فخرجت المملكة ملكاً وقيادة وشعباً لتحتفي بالزيارة التاريخية، حيث شهد قصر الصخير احتفالية خاصة أقامها الملك حمد بن عيسى آل خليفة بهذه المناسبة العزيزة على قلب كل بحريني، وقدم جلالته للعاهل الراحل السيف الأجرب وهو سيف يعود لجده الأمام تركي بن عبد الله آل سعود (مؤسس الدولة السعودية الثانية)، الذي ظل قرابة 140 عاماً وديعة في البحرين، كما كرمه بأرفع وسام بحريني، وهو وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة، وقال ملك البحرين وهو يقدم السيف الأجرب لخادم الحرمين الشريفين بما يحمل من رمزية: «لقد ظل هذا السيف رمزاً من رموز العائلة الواحدة والأصل الواحد والموقف الواحد على مر السنين وقد ارتأينا بهذه المناسبة المباركة أن يكون مكانه بين أياديكم الكريمة تذكاراً لما بناه الأولون وأمانة خالصة للأخوة الحقيقية والتاريخية بيننا وللتكاتف والتلاحم بين الشعبين السعودي والبحريني»، فرد العاهل الراحل على جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة قائلاً: «أخي الكريم؛ إن سيف الإمام تركي - مؤسس الدولة السعودية الثانية - الذي تقدمونه اليوم لأخيكم بما يحمله من رمزية تاريخية بالنسبة لنا ولكم، تعبر عنه مكارم الأخلاق والقيم، التي حفظته، وصانته، وأكرمته، عندما حل في وطنه الآخر البحرين. فشكراً لكم ولأهلنا شعب البحرين الشقيق، هذا وأسأل الله لنا ولكم وللأمة العربية والإسلامية العزة والتمكين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
فيما ثمن خادم الحرمين الشريفين بادرة ملك البحرين، وقال: «أشكركم على مشاعركم الكريمة تجاهنا، وتجاه بلدكم الشقيق المملكة العربية السعودية وشعبها، وهي مشاعر لها مكانها الرحب في نفوسنا، وتصونها روابط الدين، والتاريخ، والمصير المشترك، بين بلدينا وشعبينا» وأضاف مخاطباً العاهل البحريني: «اليوم تأتي زيارتنا هذه لا لتضيف جديداً بل لتقول للآخر إننا وطن وشعب واحد في السراء والضراء» كما قلد خادم الحرمين الشريفين، قلادة الملك عبد العزيز للملك حمد بن عيسى آل خليفة التي تمنح لأصحاب الجلالة والفخامة قادة وزعماء الدول تكريماً لهم.
رحم الله رجل المواقف البطوليه والزعيم الخالد والقائد الحكيم والأب البار، صاحب القرار والقادر على تحمل تبعات قراره، أحببناه كبحرينيين لأنه أحبنا وبادلناه الحب والولاء، عزاءنا ومصابنا يبدده بإذن الله مبايعة ساعده وعضده الأيمن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.