كتب حذيفة إبراهيم:«بعض من أفراد المجتمع يظلمون المكفوفين ويعتبرهم أقل منه، ووزارة التربية والتعليم حرمتني من حلم حياتي»، بهذه الكلمات ابتدر الطالب الكفيف عبدالعزيز الحمري حديثه لـ«الوطن»، مشيراً إلى أنه أول بحريني كفيف يلعب الشطرنج ويحترفها، فضلاً عن حبه للتصفح والقراءة عبر الإنترنت والأجهزة الإلكترونية، وممارسة رياضة كرة الهدف والتنس طاولة.ويمارس الحمري حياته اليومية تماماً كأقرانه المبصرين، وحتى مواعيد نومه لا تختلف عنهم، فضلاً عن هواياته التي يمارسها بأصعب الطرق، فقط ليثبت للعالم أنه قادر على فعل أي شيء كباقي المبصرين.وقال إن المجتمع يظلم المكفوفين ويعتبرهم أقل منه، إلا أن وزارتي «التنمية الاجتماعية»، و«التربية والتعليم» أعطتهم جزءاً من حقوقهم، ووفرت لهم الإمكانات التي يحتاجونها لتسهيل حياتهم، مضيفاً «رغم أن وزارة التربية حرمتني حلم حياتي، بدراسة تخصص «الفيزياء والرياضيات» في المرحلة الثانوية، والتي كنت أنوي إنهاء دراستي الجامعية بعدها بتخصص علوم الحاسبات».ويسعى الحمري إلى دراسة الإعلام في الجامعة، ومن ثم ممارسة التقديم، والكتابة الصحافية، ثم التدريس الجامعي.وفيما يلي نص الحوار:كيف تمارس حياتك في ظل كونك كفيفاً؟أنا كباقي الأشخاص المبصرين، لا أجد فرقاً بيني وبينهم، أقوم من نومي في الساعة الـ 6 صباحاً في أيام المدرسة، وفي العاشرة صباحاً في الأيام الاعتيادية، أما في العطل الطويلة والإجازة الصيفية، فأسهر كباقي الطلبة.أقضي جل وقتي على جهاز الحاسوب أو الهاتف النقال، أتصفح تويتر والفيس بوك، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، وأشارك فيها وبقوة أيضاً.أحياناً أقرأ، فأنا أشتري الكتب الإلكترونية، لا أحب الخروج كثيراً، ولكنني أمارسه أحياناً مع الأهل أو الأصدقاء، وأشارك في جمعية الصداقة للمكفوفين، حيث نكون متواجدين كل يوم أحد وخميس من الساعة 5 – 8 مساء.ماذا تدرس حالياً، وماذا تريد أن تكون في المستقبل؟أنا أدرس في مدرسة الهداية الخليفية الثانوية للبنين، في الصف الثالث ثانوي أدبي، كان من المفترض أن أدخل المسار العلمي، إلا أنه وبعد التسجيل بداية اتصلت بي إدارة المدرسة لتبلغني رفض وزارة التربية والتعليم دخولي المسار العلمي، ولدي الأدبي أو التجاري فقط.كان طموحي أن أدرس مسار الفيزياء والرياضيات، رغم أنه صعب بالنسبة للمكفوفين، ولكن رغبتي أن أدرس تخصص علوم الحاسبات في جامعة البحرين، ولكن ذلك لم يحدث فتحطمت أولى طموحاتي.في البحرين هناك تخصصات ممنوعة على المكفوفين كالهندسة، رغم أن دول أخرى تقبلها، وهذا ما نأمله، وحالياً أفكر في دخول المجال الإعلامي، وكخيار آخر لدي علم النفس التربوي.كنا ندرس في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، قبل أن يتم دمجنا مع باقي مدارس المملكة في عام 2006، حيث صدر قرار من وزارة التربية والتعليم بدمج الجميع منذ الصفوف الابتدائية، بعد أن كان في المرحلة الثانوية فقط.واجهت صعوبة في بداية الأمر فيما يخص التأقلم مع قرار الدمج، كوني كنت من أول الدفعات المدموجة في الصف الرابع الابتدائي.واجهتنا مشاكل بداية الأمر، سواء من تقبل الطلبة لنا كأشخاص كفيفين، حيث يعتقدون بأننا «معاقون» وعاجزون عن فعل أي شيء، إلا أن المعهد البحريني السعودي للمكفوفين، حاول بشتى الطرق حل تلك المشاكل بسرعة من خلال التعاون مع المدارس.سبب تلك المشاكل أنه لا توجد أي تهيئة من قبل وزارة التربية والتعليم لمدارس الدمج، ولم تكن مهيأة بشكل كامل، لا من ناحية التعامل مع المدرسين أو الإدارة وغيرها، ولحد الآن هناك بعض العقبات فيما يتعلق بتعامل الهيئة التعليمية والإدارية مع المكفوفين.فيما يتعلق بالمنشآت التعليمية فهي أيضاً ليست بذلك المستوى من التهيئة للمكفوفين، إلا أنه ولله الحمد أمتلك حاسة «الاهتداء» والتي تنبهني في حال وجود أي خطر، ولا أتعرض للمشاكل أو الصدمات، وهو ما يساعدني، إضافة إلى كوني أحفظ الطريق بسرعة وأستطيع السير لوحدي.أنا أحب حالياً مجال الإعلام، وأريد أن أمتهن الإعلام ثم التدريس لاحقاً، سواء من خلال عملي في الإعداد والتقديم، أو الكتابة الصحافية أو غيرها، ثم أسعى لاحقاً لامتهان التدريس.المكفوف يستطيع أن يدير المناصب، والوزارات، والشركات وغيرها، وكنا نرى تجارب ناجحة جداً في تلك المجالات.إن المجتمع يرى المكفوف على أنه شخص ناقص كثيراً، وحتى الخريجين، يعطوهم وظائف كـ «بدالة» أو غيرها، ولا يعطونه بحسب تخصصه لأنهم لا يريدونه، ويشعرون بأنه عاجز، وهي المشكلة الأزلية التي تواجه المكفوفين، وبعضهم يعزف عن الدراسة بسبب ذلك الشعور الخاطئ الذي يقوم به الجميع. ذكرت جمعية الصداقة للمكفوفين، ما هي الأنشطة التي تمارسونها هناك؟الجمعية بالنسبة لنا هي الروتين المعتاد، حيث نلتقي فيها، وأحياناً تنظم برامج ثقافية واجتماعية، نجتمع مع باقي المكفوفين ولكن ليس بشكل متواصل أسبوعياً، كما ونلتقي ونتواجد هناك، في حال وجود برامج.الجمعية بالطبع هي تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، وفيها إدارة كباقي الجمعيات إلا أن ما يميزها أن إدارييها من المبصرين والمكفوفين.كما وتقدم لنا جمعية الصداقة برامج كثيرة، خصوصاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فنحن نلعب التنس طاولة، ولدينا أيضاً الدومينو الخاص بالمكفوفين، وهي ضمن البرامج الرياضية، كما لدينا لجنة اجتماعية تنظم الرحلات للبر وغيره، ولدينا كذلك لجنة العصا البيضاء، وهي مفعلة بشكل بسيط، وتنظم اليوم العالمي للعصا البيضاء عالمياً، واللجنة الثقافية.الجمعية تقدم مساعدات للمكفوفين، كما إنها تقدم ملتقيات ومشاركات أحياناً في البحرين ودول الخليج العربي أو حتى الدول العربية، وفي كل ملتقى للمكفوفين، ترشح الجمعية أحد المكفوفين وتتكفل بكافة مصاريفه.أنا شخصياً شاركت في الملتقى الخليجي الأول للمكفوفين في البحرين عام 2014، وكان تحت تنظيم جمعية الصداقة، والآخر في صلالة في سلطنة عمان، وكنت ضمن وفد المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، وهو ملتقى خليجي، إضافة إلى الملتقى الخليجي التاسع للمكفوفين، ولدي مشاركة قريبة في فبراير المقبل في مسقط، ضمن المؤتمر العربي للمكفوفين.بعد مشاركتك وزياراتك وتبادلك للأحاديث مع باقي المكفوفين، ما الذي تحتاجون لتطويره في البحرين؟دول الخليج العربية متكافئة إلى حد كبير بالنسبة للمكفوفين، ولكن ماتزال جمعيتنا بحاجة إلى المزيد من الموارد، فضلاً عن أن الأشخاص القائمين عليها مستمرون منذ فترة طويلة، ونحن بحاجة إلى دماء جديدة لتكون لديهم أفكار أخرى.كما إن البحرين ينقصها التنظيم بالنسبة للبرامج أو الفعاليات وغيرها، بسبب نقص عدد المبصرين المتطوعين أو الموظفين، وآخر فعالية نظمتها الجمعية كانت في الاحتفال بالعيد الوطني في الصخير، ولم يحضر سوى متطوعين مبصرين فقط، ولم يستطع المكفوفون الاستمتاع بشكل كبير هناك.ذكرت أنك تستخدم الهاتف النقال وجهاز الحاسوب، كيف يتم ذلك بالنسبة للمكفوفين؟كل الأشخاص يرون استخدامنا للتكنولوجيا أمراً غريباً، وسببه نقص التوعية في دول الخليج تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن النظرة السلبية جداً تجاه المكفوفين.الكفيف يستعمل جهاز الحاسوب بشكل اعتيادي من خلال البرامج الناطقة، حيث نثبت إحداها على الجهاز مثل برنامج «إبصار» وlvda وغيرها، والتي نشتريها، وهي تقوم بقراءة كل ما هو موجود على الشاشة، ونستعمل الإنترنت بشكل عادي، فذلك البرنامج يجعل الكفيف كالمبصر من ناحية استخدام الحاسب الآلي؟كما إن وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، وفروا أجهزة وبرامج أصلية ناطقة للمكفوفين، فأنا حصلت على جهاز حاسب آلي من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، مع برنامج «ناطق» في عام 2008، وأغلب المكفوفين يحصلون على تلك البرامج.وأن الأكثر إبداعاً، هو أن لدينا كفيفاً بحرينيا يستطيع إجراء «فورمات» للحاسب الآلي، وهي العملية التي يصعب على بعض المبصرين أداؤها، فكيف بالمكفوفين.وفيما يخص التدريب، فإن وزارة التنمية الاجتماعية دربتنا، وكانت لمدة 3 أيام من بل أحد الأشخاص المختصين، إضافة إلى دورات من قبل الحكومة الإلكترونية في ذلك المجال، وغيرها من الورش والدروس الإلكترونية التي نتناقلها.أما ما يخص أجهزة النقال، فإن أكثر من 90% من المكفوفين في الخليج والعالم يستعملون جهاز الـ I-phone، حيث توجد تطبيقات داخلية به تختص بالمكفوفين، وعن طريق تلك البرنامج يقرأ كل شيء في الهاتف ونستخدم تويتر الإنستغرام والفيس بوك وغيرها، من خلال الصوت طبعاً، كما يمكننا التصفح والدخول على تلك البرامج من خلال النقر مرتين فقط على التطبيق.كما ويعطينا جهاز الآيفون طريقتين للكتابة، إما من خلال البحث عن الحرف، أو من خلال الطريقة التي يتعامل بها المبصرون، والتي يستخدمها من له باع طويل في التكنولوجيا.ما هي هواياتك التي تمارسها؟ليس هناك فرق كبير بيني وبين باقي المكفوفين، فأنا أقرأ الكتب الإلكترونية من على جهاز الحاسب الآلي، وبرنامج الناطق، ونتصفحها عن طريق الأسهم، كما يوجد لدينا جهاز برونتو منذ العام 2012 حيث منحته وزارة التربية لكل طالب كفيف، وهذا الجهاز قيمته 2200 دينار، وهو أقل من 20 سنتيمتر حجمه، وأصغر من الحواسيب العادية، ويعتمد على لغة برايل.ونستطيع شبك الجهاز بالإنترنت أو الهاتف، ونجعله لوحة مفاتيح، نستخدمها من خلال سطر برايل، وأقرأ ذلك من خلال الأحرف التي تظهر لي في سطر برايل.كما إنني أستخدمه في المدرسة بدلاً عن الكتب الاعتيادية التي يستخدمها كل طالب، فضلاً عن أنني أستخدمه في الامتحانات، وهو أمر إيجابي من قبل وزارة التربية والتعليم.أما في الرياضة والهوايات الأخرى، فأنا أحب التنس طاولة، والشطرنج، والاستكشاف، ولدي حب فضول عميق، حتى لأكثر الأشياء صعوبة أو تعقيداً.وبالنسبة للشطرنج، فأنا أول من يمارس تلك اللعبة في البحرين، بعد أن زودني أحد أصدقائي بنسخة خاصة للمكفوفين جاء بها من دولة الكويت، وأنا شبه محترف شطرنج وأدمنت عليها، حيث فيها مغناطيس نثبته بها، وتلصق القطع به.وأسعى حالياً لخوض غمار البطولات في الشطرنج من خلال المكفوفين، وفي البحرين هناك 3 فقط يمارسون تلك اللعبة أنا أحدهم.كما إنني شاركت في بطولات التنس طاولة، إلا أنني لم أحصل على أي جوائز حتى الآن، وبشكل عام فإن لعبة التنس طاولة تختلف للمكفوفين عنها للمبصرين، حيث هناك حاجز مرتفع عن أرضية التنس طاولة لكي لا تخرج خارجها.وتوجد حفرة صغيرة يجب أن ندافع عنها، وفي حال سقطت الكرة بها تحسب نقطة للخصم.وبالعودة إلى الأدب، فإنني أكتب أحياناً بعض الشعر والخواطر بشكل بسيط، ولدي محاولات في الكتابة العادية، كما كتبت مقالات عن المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، ونظرة المجتمع تجاههم.كيف يتقبل المجتمع ما تمارسه من هوايات؟المجتمع لديه نظرة سلبية جداً كما ذكرت تجاه الكفيف، وهي تحطمه بشكل عام، كما إن البعض يرون بأنهم يجب أن يوصلونه ويساعدونه وينظرون إليه بنظرة الشفقة، وهو أمر محزن.الأهل والمقربون مني يعاملوني بشكل طبيعي، ولا يشعروني بذلك الشعور، أما الباقون فليس جميعهم هكذا.ولكن بشكل عام، فإن الجميع ينبهر عندما يروننا نمارس حياتنا بشكل طبيعي، ونلعب كباقي أفراد المجتمع، ونقرأ أو نستخدم الهاتف النقال، وغيرها من الأمور.وبالنسبة لإعاقتي، رغم أنها تطورت، حيث ولدت وأنا أرى لمسافة جداً بسيطة، إلا أنه وبعد وصولي سن السابعة أصبحت كفيفاً بشكل كلي، إلا أنني دائماً ما كنت متميزاً، وأواجه صعوبات كالباقين، إلا أن غالبيتها تختص بنظرة المجتمع، أو حتى صعوبة استخدام آلة بريل، وهي لاحقاً تتطور حتى أصبح لدينا جهاز البرونتو، والتي سهلت على الجميع الدراسة وعلى المعلمين التصحيح.ما هي كلمتك الأخيرة التي توجهها للمكفوفين وللمجتمع؟أطلب من المجتمع أن يعرف كيفية التعامل مع المكفوف، نحن لسنا معاقين، لدينا شعور، ولدينا حواس أخرى تعمل أكثر من غيرها من المبصرين، كما ونطلب المزيد من الدعم من الجهات المختصة، ونطلب أن تفتح لنا مسارات الدراسة المختلفة، والوظائف الاعتيادية، وأن لا يكون ذلك من باب المجاملة أو الشفقة، فنحن كغيرنا من الأشخاص نستطيع أن نفعل ونبدع ونقوم بالعديد من الأمور.
970x90
970x90