الاهتمام الكبير والاستثنائي الذي استقطبه رحيل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله، يمكن اعتباره وبكل وضوح أكبر دليل على الدور الكبير الذي حظيت و تحظى به المملكة العربية السعودية وخصوصاً في العهد الميمون للراحل الكبير، وهو إثبات عملي على الجهد المخلص والدؤوب الذي تبذله القيادة السعودية الأمينة ممثلة في شخص الملك ذاته.
دوام التطور والازدهار الذي حظيت به المملكة العربية السعودية في ظل الحكم الأمين للسلالة الرشيدة الأمينة لتعهداتها والمخلصة لدينها وشعبها وأمتها، والتطور الكبير والملفت للنظر الذي حققته خلال الأعوام الماضية، جعل أعداء الأمة والمتربصين شراً بها، يغلون غيظاً وحقداً وحسداً، خصوصاً عندما وصل دور المملكة إلى المصاف العالمي ولهذا فإنه من المنتظر أن ننتظر مبادرة العديد من المحللين والمراقبين السياسيين على اختلاف أصنافهم ومشاربهم (سواء کان عن نوايا حسنة أو سيئة)، بشأن ما سوف تؤول إليه الأمور بعد رحيل خادم الحرمين الشريفين المغفور له بإذن الله الملك عبدالله، والتي اتجهت الكثير منها بسياقات سلبية يغلب عليها التشاؤم.
هؤلاء الذي راهنوا على أن مسار الأمور والأوضاع بعد الرحيل المفجع للملك عبدالله، سوف يخرج من عقاله وسوف تدخل المملكة في فترة تتقاذفها المشاكل والأزمات، لكن الذي فاجأ المحللين والمراقبين السياسيين، هو اجتماع هيئة البيعة والترتيبات السلمية الهادئة والسلسة التي تمت بكل انسيابية لكي يعهد الأمر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وتحمله عبئ الأمانة بجدارة وكذلك تعيين ولي عهده الأمير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، جاءت كشهادة عملية على الأرضية الصلبة للأوضاع الأمنية ورسوخ الاستقرار بحمد الله وفضله في المملكة، وهو يدل على أن الدور الإسلامي والعروبي والدولي الإنساني للمملكة العربية السعودية سوف يستمر في ظل العهد الجديد المبارك بإذن الله للملك سلمان. لقد كان خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان واضحاً وشفافاً في خطابه الذي ألقاه عقب تحمله عبئ مسؤوليته الثقيلة كخلف للراحل الكبير عندما خاطب الأمتين العربية والإسلامية والعالم ليؤكد وبكل ثقة على استمرار النهج القويم و الثابت للمملكة على مختلف الأصعدة بقوله: «إنني، وقد شاء الله أن أحمل الأمانة العظمى، أتوجه إليه سبحانه مبتهلاً أن يمدني بعونه وتوفيقه، وأسأله أن يرينا الحق حقا، وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وسنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- وعلى أيدي أبنائه من بعده -رحمهم الله- ولن نحيد عنه أبداً، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم».
خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، وكأنه يستقرئ الأوضاع والأمور ووجهات نظر ورؤى العالم بشأن مسار الأمور في المملكة بعد رحيل الملك عبدالله، ولاسيما بشأن دور المملكة على الصعيدين العربي والإسلامي، فإنه قد وضع النقاط على الحروف عندما أكد على التمسك بالنهج العروبي والإسلامي الاعتدالي المعروف عنه بالنسبة للمملكة حينما قال في خطابه: «إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها، وسنواصل في هذه البلاد -التي شرفها الله بأن اختارها منطلقاً لرسالته وقبلة للمسلمين- مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال»، ومن هنا فإنه من المنتظر بأن تشهد المملكة العربية السعودية والعالمان العربي والإسلامي في العهد الجديد للملك سليمان تقدماً مضطرداً للأمام لأنه وبعون الله ومشيئته خير خلف لخير سلف.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.