كتب - وليد صبري:
سجل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية مثالاً رفيعاً للقائد التاريخي الملهم لأمته الباعث لحيويتها ونهضتها حيث طرح نموذجاً للقيادة في تعبير عملي جديد لا يستند إلى الشعار بقدر ما يقوم على العمل والمثال والقدوة.
وقد بدأ رحمه الله، بإصدار عدد من القرارات والمشاريع الإصلاحية المهمة التي تجسد الجانب الإنساني والوطني الكبير في شخصيته، وأعطت القرارات الإصلاحية التي أصدرها الملك عبدالله بعد توليه الحكم رسالة واضحة تحمل كثيراًَ من المضامين الإنسانية النبيلة والتأكيد الدائم على سياسة المملكة العربية السعودية في خدمة الدين وقضايا الأمة الإسلامية وهي دلالة راسخة على ما تتميز به شخصية هذا القائد الفارس من صفات لا يمكن عزلها عن جذورها التاريخية باعتبارها امتداداً طبيعياً للقائد المؤسس الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك الكرام.
واتسم عهد ملك الانسانية، العاهل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به من صفات متميزة، من أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأجمعه في كل شأن وفى كل بقعة داخل الوطن وخارجه، إضافة إلى حرصه الدائم على سن الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلوماتية في شتى المجالات مع توسع في التطبيقات.
وصدرت أوامر ملكية سامية تتضمن حلولاً تنموية فاعلة لمواجهة هذا التوسع في تنظيم يوصل إلى أفضل أداء.
ولم تقف معطيات القائد عند ما تم تحقيقه من منجزات شاملة، بل يواصل مسيرة التنمية والتخطيط لها في عمل دائب يتلمس من خلاله كل ما يوفر المزيد من الخير والازدهار لهذا البلد وأبنائه.
وحققت المملكة العربية السعودية في عهد الملك الراحل منجزات مهمة في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.
وكان للملك عبدالله دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. وقد شهدت المملكة منذ مبايعة الملك عبدالله إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل وجسدت في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأسره. وحققت المملكة في عهده منجزات مهمة في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.
وتمكن الملك عبدالله بحنكته ومهارته في القيادة من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسياً واقتصادياً وتجارياً وأصبح للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي وشكلت عنصر دفع قوي للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته.
وحافظت المملكة بقيادة الملك عبدالله على الثوابت واستمرت على نهج جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله فصاغت نهضتها الحضارية ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وقد أنجز الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله خلال فترة حكمه العديد من الأعمال العظيمة التي تصب في صالح الوطن والمواطن بما يحقق لهما الاستقرار والرفاهية والنماء والاستقرار وفي كل مرة كان يزور فيها العاهل السعودي الراحل إحدى المدن يحرص على أن يشارك أبناؤه المواطنون مناسباتهم التنموية والشعبية، ويقضي بينهم أوقاتاً طويلة رغم مشاغله وارتباطاته، حيث يستمع إلى مطالبهم ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم بصدر رحب وحكمة ورؤية بالغتين.
وكان استقبال الملك الراحل للعلماء والمشايخ وجموع المواطنين كل أسبوع في مجلسه وكلماته السامية لهم في كل مناسبة ليضيف رافداً آخر في ينبوع التلاحم والعطاء في هذا البلد المعطاء.
أما استتباب الأمن في البلاد فهو من الأمور التي أولاها الملك الراحل، جل اهتمامه ورعايته منذ وقت طويل وكان تركيزه الدائم على أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية من أهم المرتكزات التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية.
نهضة تعليمية
في مجال التعليم تم إنشاء أكبر جامعة في العالم الإسلامي للعلوم والتكنولوجيا وتأسيس جامعات جديدة في المدينة المنورة وتبوك وحائل وجازان والطائف والقصيم والجوف والباحة وأبها والتوسع في برامج الابتعاث للخارج وزيادة رواتب الطلبة المبتعثين إلى الخارج 15%.
وتعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جامعة سعودية حديثة مخصصة للأبحاث والدراسات العليا، تقع في مدينة ثول على شاطئ البحر الأحمر شمال مدينة جدة، بدأت الدراسة بها في 5 سبتمبر 2009 وافتتحت رسمياً في 23 سبتمبر 2009 في اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.
وبأمر الملك الراحل، تضاعف أعداد جامعات المملكة من 8 جامعات إلى أكثر من 20 جامعة، وافتتاح الكليات والمعاهد التقنية والصحية وكليات تعليم البنات، وإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والعديد من المدن الاقتصادية، منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، ومدينة جازان الاقتصادية، ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض. وخطت مسيرة التعليم خطوات متسارعة إلى الأمام، حيث وجهت المملكة نسبة كبيرة من عائداتها لتطوير الخدمات، ومنها تطوير قطاع التعليم.
وتعيش المملكة حالياً نهضة تعليمية شاملة ومباركة وإنفاذا لتوجيهات العاهل الراحل تم إنشاء العديد من المعاهد والمراكز في بعض الجامعات لأبحاث التقنيات متناهية الصغر «النانو».
تأسيس هيئة البيعة
هيئة البيعة هي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي من أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وقد أسسها الملك عبدالله رحمه الله في 2007 برئاسة الأمير مشعل بن عبدالعزيز آل سعود.
وقد أصدر الملك الراحل أمره القاضي بإصدار نظام هيئة البيعة وتعديل فقرة من إحدى مواد النظام الأساسي للحكم. كما أصدر أمراً بتعيين خالد بن عبدالعزيز التويجري أميناً عاماً لهيئة البيعة.
ويشمل نظام هيئة البيعة 25 مادة تتضمن تحديداً لتشكيل وآلية عمل الهيئة، وطرق اختيار ولي العهد وتكوين مجلس مؤقت للحكم في حالة عجز الملك وولي العهد أو الوفاة، بالتصويت والنقاش والمشاورة.
مشروعات اقتصادية عملاقة
شهدت المملكة العربية السعودية في معهد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز إنجازات اقتصادية غير مسبوقة، امتدت من تحسين أداء الاقتصاد الكلي للدولة، وحتى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين السعوديين عبر مشروعات عملاقة ساهمت في خلف فرص العمل.
والنهضة التي شهدتها المملكة في عهد الراحل الملك عبدالله امتدت لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة تشكل في مجملها إنجازات تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما يضعها في رقم جديد في خارطة دول العالم المتقدمة فقد تجاوزت في مجال التنمية السقف المعتمدة لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة عام 2000، كما أنها على طريق تحقيق عدد آخر منها قبل المواعيد المقترحة.
ومن بين الإنجازات التي تحققت في عهد الراحل الملك عبدالله الموافقة على انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية عام 2005، والإعلان عن مشروعات اقتصادية ضخمة منها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد ومدينة المعرفة ومدينة جازان الاقتصادية ومركز الملك عبد الله المالي.
كما شهد برامج الابتعاث التعليمي للخارج زيادة غير مسبوقة كما تم رفع رواتب الطلبة المبتعثين إلى الخارج بنسبة 50%. وعلى صعيد المناطق الاقتصادية فقد تم التخطيط لإنشاء مدن اقتصادية في كل من رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان وتبوك، كما تم تأسيس جامعات جديدة في المدينة المنورة وتبوك وحائل وجيزان والطائف والقصيم والجوف والباحة وعرعر ونجران.
وتم وضع حجر الأساس لمشروعات عملاقة في جدة ومكة المكرمة تفوق كلفتها 600 مليار ريال تحت مسمى «نحو العالم الأول». كما شارك – رحمه الله - في مؤتمر قمة العشرين الاقتصادية العالمية والتي انعقدت في واشنطن 2008، للأزمة والتي أعلن خلالها رصد المملكة مبلغ 400 مليار لمجابهة الأزمة المالية العالمية ولدفع عجلة التنمية والنهضة في المملكة وضمان لعدم توقف مشاريع التنمية بها ولدعم وحماية المصارف المحلية. وفي عهد الملك الراحل تم إنشاء هيئة مكافحة الفساد على أن تكون مرتبطة بالملك مباشرة. وعلى صعيد المشروعات السكنية تم تخصيص 250 مليار ريال سعودي لبناء 500 ألف وحدة سكنية بجميع مناطق المملكة
وتم إنشاء 5 مدن طبية، وأمر بإنشاء مدينة «وعد الشمال» الصناعية للاستثمارات التعدينية في عرعر.
وفيما يتعلق بمشاريع السكك الحديدية توسعت السعودية في إنشاء السكك الحديدية، حيث تمت الموافقة على توسعة سكة الحديد لتشمل القطاع الشمالي واعتماد القطاع الجنوبي ضمن خطة التنمية القادمة، بالإضافة لقطار المشاعر وقطار الرياض.
إنجازات للمرأة السعودية
خطوات لافتة تحققت للمرأة في عهد الملك الراحل تشهد في تفاصيلها على توفر الدعم الكامل للمرأة وقضاياها في شتى مجالات الحياة، تستحق الذكر والاستعراض ضمن مسيرة المرأة لعل أهمها تعيين نورة الفائز في منصب نائب وزير لتكون أول امرأة تتولى مركزاً مماثلاً في تاريخ السعودية، حيث توجد 250 ألف مدرّسة في السعودية، من حقهن وجود امرأة تتعامل مع قضاياهن. ورجح باحثون في ذلك الوقت أن يكون هذا التعيين «مقدمة لمزايا أخرى قد تحصل عليها المرأة»، معتبرين أن ذلك بات ضرورياً مع ارتفاع مستوى النساء التعليمي في المملكة، ووجود المرأة في مختلف القطاعات، ما سيرتب الحاجة لوجود نساء في مراكز عليا، لافتين إلى أن وزارة الخارجية مثلاً أعلنت فيما بعد عن الحاجة لنساء ضمن دوائر الخدمة المدنية للعمل كباحثات.
وفي مجال الشورى صدر قرار رائد بزيادة عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى من 6 عضوات إلى 12 عضوة، حيث تمت الموافقة على تعيين 4 أسماء إضافية.
إصلاحات قضائية وتشريعية
قام الملك الراحل بإصلاحات جذرية على رأس الهيئات القضائية والتشريعية، وجعل هيئة كبار العلماء تضم علماء للمذاهب الأربعة، وخصص 7 مليارات ريال لتطوير مرفق القضاء إضافة إلى ما وفره من أجواء حرية إبداء الرأي، وفتح باب الاجتهاد في الدين، والاهتمام بتطوير البحث العلمي، وتنشيط الحركتين الفكرية والعلمية، وشهدت الساحة الفقهية في عهده نظرة تصحيحية لكثير من المفاهيم الخاطئة والمرويات الضعيفة والمنكرة والموضوعة من قبل علماء تصحيحيين منهم علماء شبان ينتمون إلى منهجي الوسطية والاعتدال، وإعمال العقل، وعدم الاكتفاء بالنقل، ويرى هذا الجيل من العلماء بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وهذا سر صلاح الإسلام لكل زمان ومكان.
رعاية الحرمين الشريفين
وفي جانب آخر من الاهتمام بالإسلام والمسلمين، واصلت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك الراحل عنايتها بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما بكل ما تستطيع، فأنفقت أكثر من 70 مليار ريال خلال السنوات الأخيرة فقط على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة بما في ذلك توسعة الحرمين الشريفين وتتضمن نزع الملكيات وتطوير المناطق المحيطة بهما وتطوير شبكات الخدمات والأنفاق والطرق.
إنجازات خارجية
كان من أبرز إنجازات الملك الراحل السياسية على الصعيد الإقليمي والقاري عقد معاهدة الصلح والسلام بين السنة والشيعة العراقيين بجوار الحرم المكي الشريف برعاية منظمة المؤتمر الإسلامي.
كما قام بدعوة القادة الفلسطينيين من «فتح» و«حماس» إلى مؤتمر في مكة المكرمة لحل المشاكل بينهم وإنشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية، ورعاية مشروع المصالحة بين السودان وتشاد.
وكانت المصالحة بين مصر وقطر، اخر انجازات الملك الراحل، واكد الديوان الملكي السعودي أن كلا من دولتي قطر ومصر، استجابتا لمبادرة خادم الحرمين الشريفين، لإصلاح ذات البين بين البلدين الشقيقين وتوطيد العلاقة بينهما، مبيناً أن المملكة تبارك خطوات البلدين في هذا الخصوص، من ضمنها زيارة مبعوث أمير قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى مصر.
وأوضح الديوان أن مبادرة الملك عبد الله جاءت حرصاً منه على اجتماع الكلمة وإزالة كل ما يشوب العلاقات بين قطر وجمهورية مصر العربية، وتأكيداً لما ورد في اتفاقي الرياض، والمتضمنان التزام دول «مجلس التعاون» بسياسة المجلس لدعم استقرار وأمن مصر.
وكانت زيارات وجولات الملك الراحل إلى عدد من الدول الخليجية والعربية والآسيوية وجولته الأوروبية لتقوية علاقات المملكة الخارجية وتوقيع اتفاقيات للتعاون التجاري والاستثماري. وعلى الصعيد الإسلامي لقيت قضايا الأمة الإسلامية وتطوراتها النصيب الأكبر من اهتمام العاهل السعودي الراحل وكانت دعوته لعقد القمة الاستثنائية الثالثة في مكة المكرمة في ديسمبر 2005 إيماناً منه بضرورة إيقاظ الأمة الإسلامية وإيجاد نوع من التكامل الإسلامي بين شعوبها ودولها والوصول إلى صيغة عصرية للتعامل فيما بينها أولاً ومع الدول الأخرى التي تشاركها الحياة على الأرض إضافة إلى العمل الجاد على حل مشكلات الدول الفقيرة من خلال صندوق خاص لدعمها وجعلها تقف على قدميها.
القائد الصارم بملف الإرهاب
الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، كان أكثر القادة صراحة وصرامة في ملف الإرهاب منذ عام 2005، وقد شددت السعودية على إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب منذ مطلع 2005، واستضافت الرياض مؤتمراً عالمياً لمكافحة الإرهاب، ودعا فيه العاهل الراحل لإنشاء مركز دولي لأجل ذلك.