كتب - جعفر الديري:
كشأن هبات وعطايا كثيرة منحها الله عز وجل لهذه الأرض الطيبة، حبا الله تعالى البحرين، بشعراء شعبيين مجيدين، ثبتوا أقدامهم حتى عدوا شعراء كباراً يشار إليهم بالبنان.
وليس أمراً مختلفاً فيه، القول بأن طبيعة هذه الأرض الطيبة، كانت وراء بزوغ نجم هؤلاء الشعراء، حيث أرخبيل الجزر الذي تحيط به المياه من كافة الجهات، يفتق الأذهان عن صور جميلة، وكنايات رائعة، يشترك في إبداعها الشاعر البحار والأديب الفلاح على حدّ سواء.
ومازال الشاعر الشعبي رغم اختلاف الزمن وتقلباته بين الأمس واليوم، يغرف كلماته من البحر، مغلفة بلحاء النخلة، مطيبة بالرطب والتمر، شأنه شأن فناني البحرين التشكيليين. إن المتأمل في قصائد شعراء البحرين، يكتشف دون كبير عناء أنهم ظلوا مخلصين لمظاهر الطبيعة، واجدين فيها مصدراً من أهم مصادر الإبداع الفني، مستلهمين مفرداتها في البر والبحر، وهو شغف لم يقف بهم عند حدود الوصف، بل تعدى ذلك لأن يشعر قارئهم أنهم يحرّكون كل ساكن، وليس أدل على ذلك، من أن الشاعر الشعبي عندما تحدث عن البحر، تكلم بعفوية عن رحلات الصيد الطويلة، حين يبتعد البحار عن أهله وأحبائه لشهور طويلة من أجل لقمة العيش.
هنا وجدنا الشاعر الشعبي البحريني، يتحدث عن البحر والسماء وعن الطبيعة، لكن المتحركة، وكأنه كان يعيش آلام وأحزان البحار وهو في عرض البحر، يناجي كل ما يشاهده ويحلم باليوم الذي يعود فيه إلى الدار والأهل والجيران.
إن الأشعار البحرينية -إن جاز أن نسميها بذلك- زخرت بصور الطبيعة التي أضفى عليها الشعراء من إبداعهم وفنهم، فأنتجوا صوراً فنية غاية في الدقة والإبداع، فصارت الطبيعة بذلك ملهماً للشاعر البحريني، ومادة حية وجاهزة يحصل من خلالها إبداعه وفنه.
نقرأ قصيدة “يا الزينه ذكريني” للشاعر الشيخ عيسى بن راشد آل خليفه، فنشعر بمبلغ ما يعتلج في قلب الشاعر من حب لطبيعة البحرين، فهو عندما يخاطب الحبيبة إنما يرمز بها لوطنه، وكما قلنا سابقاً فإن البحر يبرز هنا ثيمة أساسية “يا الزينه ذكريني لي غيبتني بحور.. وبشوق ناديني يمكن الدنيا اتدور/ وآرد ويا الصيف ولا الشتا لي رد.. ولا مع الأشواق وقت الربيع والورد/ وأنا بعيد بعيد ما عندي غير الآه.. حملت نجم السما شوقي لكم وياه/ وصيت طير الفلا ولا حمل لوصاه.. حملت موج البحر سلامي ما وداه”.
ثم نقرأ بقية القصيدة فنجد مفردات البرد، الشتاء، الربيع، الورد، “بارد ويا الصيف ولا الشتا لي رد.. ولا مع الأشواق وقت الربيع والورد/ حلفت يا الزينة ما فارق البحرين.. في قلبي مزروعة ومحفوظة وسط العين/ اشتاق اشم العود واوله على الطيبين.. والحنا لي خطوه وساود على الكفين/ بارد ويا الصيف ولا الشتا لي رد.. والا مع الأشواق وقت الربيع والورد”.