عواصم - (وكالات): يواجه المسلحون الحوثيون الشيعة مقاومة شديدة من باقي المكونات السياسية والقبلية لليمن في سعيهم لتطبيق تدابير إعادة ترتيب السلطة التي يحاولون فرضها في البلد الأساسي في استراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب، فيما اقتحم عشرات من مسلحي جماعة الحوثي مكتب الرئاسة في صنعاء، وبدؤوا تسيير العمل والقيام بمهام المكتب. وأفادت مصادر بأن القيادي في الجماعة محمود الجنيد بدأ القيام بمهام أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي. ورجحت المصادر أن يصدر الحوثيون قرارات جديدة وتعيينات جديدة من خلال تسييرهم لمكتب الرئاسة. ويسود الغموض المشهد السياسي بعد إعلان معظم الأحزاب السياسية اليمنية، بما في ذلك حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي اعتبر حليفاً للحوثيين في الفترة السابقة، رفض التدابير الأحادية «الثورية» التي أعلنها الحوثيون. وحل الحوثيون البرلمان في «إعلان دستوري» وشكلوا لجنة أمنية عليا لإدارة شؤون البلاد إلى حين تشكيل مجلس رئاسي، الأمر الذي اعتبرته دول مجلس التعاون الخليجي «انقلاباً» على الدستور.
وفي وقت لاحق، أعلن المبعوث الأممي جمال بن عمر أن الأطراف السياسيين اليمنيين، ومن بينهم الحوثيون الذين حلوا الحكومة والبرلمان قبل يومين، وافقوا على استئناف الحوار الذي سيبدأ اليوم».
ويسود التوتر جنوب وجنوب شرق البلاد حيث أكدت السلطات المحلية «عدم الاعتراف» بالسلطة التي يفرضها الحوثيون و»رفض الإعلان الدستوري» الذي حلوا بموجبه البرلمان وعلقوا عملياً حكم الدستور.
وبحسب بيان لهذه السلطات، فإن قوات الأمن والجيش في محافظات عدن وابين ولحج وشبوة والضالع وحضرموت ترفض الإعلان الدستوري الذي فرضه الحوثيون.
ويشهد الجنوب تكثيفاً للحراك المطالب بالانفصال، خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين على زمام الأمور في صنعاء.
ويطالب قسم كبير من الحراك الجنوبي بالانفصال عن الشمال والعودة إلى دولة الجنوب التي كانت مستقلة حتى عام 1990. وفي مأرب الغنية بالنفط وسط البلاد شرق صنعاء أعلن نائب المحافظ عبدالواحد نمران أن شيوخ القبائل السنية تعارض بقوة الإعلان الدستوري و»يتشاورن حول سبل مواجهة أي تطورات».
وأكدت مصادر محلية في مأرب أن القبائل المسلحة بقوة تستعد لمواجهة أي محاولة للحوثيين للتمدد نحو منطقتهم الغنية بالنفط.
وأكد مجلس شباب الثورة السلمية، وهو التجمع الشبابي الذي قاد الانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق في 2011، إنه يدعو «كل اليمنيين ودول الخليج والعالم أجمع إلى عدم الاعتراف بهذا الانقلاب وإدانته، وعودة الشرعية ومؤسسات الدولة الانتقالية المدنية والعسكرية والأمنية للعمل لإنجاز ما تبقى من المرحلة الانتقالية للوصول للاستفتاء على الدستور وصولاً للانتخابات العامة».
ويبدو اليمن أمام مخاطر متزايدة لاندلاع العنف، خصوصاً مع ازدياد عزلة الحوثيين داخلياً.
وقال رئيس مركز «أبعاد» للدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد إن «الحوثي لا يستطيع أن يحكم اليمن بمفرده». وأضاف «طبيعة اليمن متعددة سياسياً وحزبياً وأي فرد أو جماعة تريد الانفراد بالسلطة لا تستطيع إلا إذا كان لديها نسيج اجتماع وقبلي متعدد موال لها».
وبحسب المحلل، فإن الحوثيين يواجهون معارضة شديدة في عدد من المحافظات اليمنية مثل المحافظات الوسطى وجميع المحافظات الجنوبية وحتى في المحافظات الشمالية.
من جهته قال المحلل اليمني علي البكالي إن «الحوثي ليس قادراً على حكم اليمن فهو الآن يسيطر على 3 محافظات فقط هي صنعاء وعمران وصعدة».
وأضاف «إذا حاول من خلال إعلانه الدستوري، فإنه سيبدأ ربما حرباً أهلية في كل محافظة».
واعتبر أن واشنطن قادرة على «أن تضغط على الحوثي للعودة إلى الحوار». في غضون ذلك، أكد مراقبون أن صعود المتمردين الحوثيين الخاطف، وتقدمهم في اليمن، ثم استيلاؤهم على السلطة، ما كان ليتم دون تواطؤ داخلي ودور خارجي، ثقله وعمادُه الرئيسي هو إيران، فرغبة في وضع قواعد جديدة للسياسة في الشرق الأوسط، ومساومة القوى العظمى بشأن ملفات عدة، مكنها من أن تضع قدمها على باب المندب، وتغرس راياتها خفية في تراب اليمن، وتدق الأبواب الخلفية لدول الخليج ومصر، كما إنها تجد موطئ قدم على البحر الأحمر».
وأضاف المراقبون أن «التغلغل الإيراني في اليمن، عبر الحوثيين بدأ في 2004، حين بدأ المتمردون نزاعاً مسلحاً مع الحكومة».
واتهمت صنعاء طهران بإرسال سفن محملة بالأسلحة إلى الحوثيين وتم ضبط عدد منها في 2009، وسبق ذلك، طوال سنوات، دعوات حكومية متكررة لطهران بالكف عن التدخل في الشأن اليمني.
وفي 2012 عاودت صنعاء اتهاماتها لطهران بإرسال سفن أسلحة وبالتدخل في الشأن اليمني، مشيرة إلى اعتقال خلايا تجسس إيرانية، وسط أنباء عن نشر غواصات وقطع بحرية إيرانية قبالة سواحل اليمن بدعوى مكافحة القرصنة.
وفي 2013 اعترضت البحرية اليمنية ثانية سفينة إيرانية تحمل أسلحة يعتقد أنها كانت مرسلة للحوثيين.
وتشير تقارير إلى أن عمليات تهريب أخرى جرت من جزيرة «دهلك» الإريترية إلى اليمن، وأن إيران تدرب مقاتلين حوثيين في إريتريا.
المغامرة الإيرانية في اليمن انتهت بانقلاب كامل للحوثيين على السلطة الشرعية، لكنها أيضاً استثارت غضب الفصائل السياسية والقبائل اليمنية، علاوة على القوى الإقليمية، ولا يُعرف أي مسار ستتخذه الأزمة، وأي حل ينتظرها.
وأعلن الحوثيون مؤخراً تشكيل لجنة أمنية عليا لإدارة شؤون البلاد حتى تشكيل المجلس الرئاسي، تضم وزراء سابقين لضمان سيطرتهم على البلاد.