لطهران دور في زعزعة أمن دول الخليج، وهذا ما يجعلنا نتناول مسألة استغلالها للأوراق التي في يدها في المفاوضات والمقايضات لاسيما أن ذلك من صلب فن السياسة لدى طهران حيث لا يمكن فصلها عن تعاطيها مع ملفات المنطقة وتوجهاتها واستراتيجيتها. ما دفع أحدهم أن يطرح تساؤلاً حول ما يربط إيران ببعض الدول والحكومات العربية هل هو رباط الأيديولوجيا أم شيء آخر؟
يبدو أن مشكلة النظامين الإيراني والسوري متقاربة بدليل تجاوزهما الخطوط الحمراء فيما يتعلق بتعاطيهما مع الداخل أو بالتدخل السلبي في أوضاع بلدان أخرى. بشار قتل أبناء شعبه والمرشد خامنئي طالب نصرالله وحزبه بالدخول في النزاع لقتل الشعب السوري. الحقيقة إنه يجب علينا أن نفرق هنا ما بين علاقة طهران بدول عربية وبين علاقتها بأشخاص لهم أدوار مؤثرة في دول عربية. على سبيل المثال أشخاص كالمالكي وحسن نصرالله وبري وحسن المشيمع وسعيد الشهابي وعبدالملك الحوثي وغيرهم. هؤلاء مؤثرون في مواقعهم وينفذون الأجندة الإيرانية وبامتياز وبالتالي لا يمكن أن نطلق عليهم بأن ارتباطهم بإيران عقدي أيديولوجي فحسب بل تدخل فيه المصلحة باختلاف تجلياتها، وهي التي تلعب دوراً فاصلاً هنا بغض النظر عن العوامل الأخرى. وهذه قصة يطول شرحها. ومع ذلك يدفعنا هذا لمعرفة دور السنة والعرب في إيران ووضعهم في المخططات التي تسوق لها إيران؟ أقول بأن السنة والعرب يعانون الويل في إيران فالأمر لم يعد مقتصراً على التهميش والازدراء والإهمال وعدم الاكتراث بهم بل وصل الأمر إلى درجة المتابعة الأمنية والملاحقة والاعتقالات والتعذيب، ولعل ملف حقوق الإنسان في إيران يعتبر الأسوأ في تصنيف المنظمات الحقوقية الدولية، وقد شهدنا إلى أي مدى وصل الصلف الإيراني في الأحواز وإقليم بلوشستان عندما حدثت التفجيرات وهي تعكس حجم التضييق والتكبيل وقوة القبضة الأمنية في ملاحقة الأبرياء وإرهابهم. هذا الملف حقوقي وبامتياز ويدل أنه وصل إلى طريق مسدود وأن الشعب الإيراني يعاني من جبروت الدولة وأنه فاقد لحقوقه، بدليل تفاعل مجلس حقوق الإنسان الأممي الذي طلب من المقرر الحقوقي بشأن إيران أن يستمر في تغطية تقريره لعام آخر ما يعني أن المجتمع الدولي أصبح يدرك معاناة الشعب الإيراني المغلوب على أمره. أما ما يكشف أهمية الأوراق في يد طهران والاستفادة منها متى ما أرادت هو توجيهها لحزب الله بدخول الحرب إنقاذاً ودعماً للنظام الأسدي. فيا ترى ماذا يمثل حزب البعث في سوريا للحكومة الإيرانية وموقعها في المنطقة؟
ولكن هل تقتصر مطامع إيران على دول الخليج فقط أم هناك دول عربية أخرى تقع ضمن دائرة هذه المطامع؟ قلت للسائل بأن المرء المتابع لما يجري في المنطقة لا يحتاج إلى قدرات خارقة أو بلورة سحرية لكي يعرف فعلًا ما الذي تفعله إيران وما هو حجم مطامعها. إيران من ناحية تريد صرف الأنظار عما يحدث في داخلها من مظاهرات واحتجاجات، والربيع الذي خفت صوته لكنه مازال قابعاً هناك ولو لحين رغم وصول الإصلاحي روحاني للرئاسة الذي ربما بحاجة لوقت حتى نحكم على الرجل. وفي هذا السياق يتساءل أحدهم عن الأثر الذي يمكن أن يحدثه «الربيع العربي» على مخططات إيران في المنطقة العربية؟
قلت: طبعاً لم يدر بخلد إيران أن الشعوب العربية سوف تقف لكرامتها وترفض الاستبداد والديكتاتورية. وهو سلوك مارسه الشعب الإيراني في مواجهة النظام الاستبدادي آنذاك إلا أن الأخير واجهه بعنف ودموية وقسوة مريعة. اللعبة التي تبدو واضحة للعيان هي في أن المجموعات التي وصلت للحكم وهو الإسلام السياسي وتحديداً الإخوان يلعبون مع طهران لعبة (القطة والفار). بمعنى الحديث عن المكاسب أو (المغانم).
المشروع الإيراني مستمر وموضوع الاختراقات سيستمر ومحاولة استمالة عناصر وأشخاص مؤثرين في هذه الدولة أو تلك سيستمر خاصة إذا ما علمنا أن طهران وفرت ميزانية ضخمة لهذه الأعمال، فالطمع مستشر في أي دولة يمكن لها أن تخترقها من أجل كسب أوراق، فاليمن إحدى الضحايا التي تئن من التدخل الإيراني وقد أعلنها الرئيس اليمني صراحة، إلى جانب الهيمنة على الداخل اللبناني من خلال حزب الله.
عبداللطيف بونجيب