كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:يلقي الباحث د.عيسى أمين، الضوء على تاريخ العمل الاستخباراتي البريطاني في البحرين وعموم منطقة الخليج العربي في بدايات القرن التاسع عشر، ويعرض جانباً من مراسلات المخبرين للمقيم البريطاني في بوشهر.ويقول أمين إن جل هؤلاء المخبرين كانوا من الهنود والفرس والقليل من العرب، ويكتبون تقاريرهم باللغات الهندية والفارسية والإنجليزية، وتتناول مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكل ما يتعلق بشؤون الشيوخ والقادة، وشكلت هذه المراسلات بمجموعها بما سمي «أرشيف الخليج» بالمكتبة الوطنية البريطانية.وفي سياق ذي صلة يروي أمين كيف دمرت بريطانيا السفن العربية الخليجية للقضاء على منافستها التجارية لأسطول شركة الهند الشرقية المملوكة للحكومة البريطانية، وكيف أغرق القبطان الإنجليزي لوخ سفن قبيلة القواسم بموانئ البحرين عام 1820.دار الاعتماد البريطانييبدأ عيسى أمين بتصفح أوراقه ويدخلنا في أعماق التاريخ، ويتحدث عن مجموعة مقالات عن تاريخ دخول الإنجليز إلى الخليج العربي، والاتفاقيات الموقعة مع شيوخ الخليج والنظام الإداري المؤسس بعد اتفاقية 1820 للأمن والسلم البحري.ويقول «قبل دخول دول الخليج في أية اتفاقيات مع السلطة البريطانية في الهند، كانت الأخيرة معنية بالأمور التجارية والسيطرة على الهند والممرات المائية المستخدمة من قبل سفن شركة الهند الشرقية، لنقل البضائع من وإلى الهند البريطانية».ويضيف «مثلما كان لحكومة الهند وشركة الهند الشرقية أساطيل تجارية عسكرية، كان سكان موانئ الخليج يمارسون ولقرون قبل الإنجليز هذه التجارة، وأثبتت الوثائق وصول التجار والسفن القادمة من الخليج إلى الهند والملايو وسيلان ومناطق من الصين، وكانت السفن الخليجية في منافسة مع سفن شركة الهند الشرقية، أدت لصدامات وتحرشات بحرية بين الجانبين، وعندها ارتأت حكومة بريطانيا في الهند ولندن، أن تنفذ عملية عسكرية بحرية وبرية لتدمير الموانئ العربية والسفن التابعة لها، ووضع حد لهذه المنافسة بحجة القضاء على القرصنة في الخليج».وتابع أمين «في 17 يناير 1820 وبعد تدمير الموانئ واحتلال رأس الخيمة، وتدمير أسطول القواسم بواسطة الحملة العسكرية البحرية، بقيادة السير دبليو. ج. كيير، أرسل القبطان لوخ على متن سفينة لمطالبة شيخ البحرين عبدالله بن أحمد بتسليم السفن التابعة لعرب الإمارات والموجودة في البحرين بقصد تدميرها».التعامل مع شيوخ الإماراتويواصل عيسى أمين سرد تاريخ الخليج «بعد هذه العملية طلبت بريطانيا من شيخ البحرين عدم التعامل مع شيوخ الإمارات إلا بموافقة حكومة الهند، وفي نفس الوقت طلبت من الشيخ عبدالله والشيخ سلمان أبناء أحمد، إرسال من يمثلهم إلى رأس الخيمة لتوقيع الاتفاقية المطالبة بها حكومة الهند البريطانية مع شيوخ الخليج».ويتابع «أرسل شيوخ البحرين عبدالجليل الطبطبائي للتوقيع نيابة عنهما، وفي فترة لاحقة وصل الجنرال جرانت كيير إلى البحرين، وجرى توقيع الاتفاقية بصورة رسمية من قبل الشيخين عبدالله وسلمان أبناء أحمد الفاتح في قلعة الرفاع».ويؤكد أن أهمية الاتفاقية الأولى تأتي باعتبارها بوابة دخول بريطانيا إلى دول الخليج العربية، وتبعتها عملية تأسيس المعتمديات ورئاسة الخليج من أجل إدارة شؤون المنطقة كلها وتبعيتها لحكومة الهند البريطانية، أصبح من الضروري قراءة هذه الاتفاقية.ويتساءل أمين «لماذا اختار الإنجليز البحرين وطلبوا من شيوخها توقيع اتفاقية خصصت في الأصل لشيوخ ساحل الإمارات؟ في عام 1816 زار البحرين المقيم السياسي الإنجليزي في بوشهر الملازم ويليام بروس 1808-1822، وعقد اجتماع تفاهم مع شيوخ البحرين وأكد لهم وقوف بريطانيا على الحياد في شؤون البحرين الداخلية، مقابل وقوف شيوخ البحرين على الحياد من العمليات العسكرية للأساطيل الإنجليزية تجاه ساحل الإمارات، والحملة العسكرية البحرية المرسلة من بومبي في 1819 كانت متوجهة وبصورة رئيسة إلى موانئ رأس الخيمة».بعد السيطرة الكاملة على ساحل الإمارات طلبت حكومة الهند البريطانية من شيوخ البحرين التوقيع على المعاهدة، ويقول أمين «جاء التوقيع بسبب استخدام سفن القواسم موانئ البحرين في التجارة، وبالفعل كانت هناك 10 سفن تابعة للقواسم في البحرين، ودمرها القبطان لوخ في 18 يناير 1820 في موانئ البحرين بواسطة مدافع السفينة (أيدن) والسفينة (كيرلو)».توقيع الاتفاقية في البحرينفي 23 فبراير 1820 وقع الشيخان عبدالله وسلمان أبناء أحمد الاتفاقية مع البريطانيين ويقول أمين «بتوقيع الاتفاقية أصبحت البحرين وبصورة رسمية خاضعة للإدارة البريطانية - دار المقيم في بوشهر، ومن ثم لحكومة الهند في بومبي وكلكتا، ومن ناحية إيجابية كان توقيع الاتفاقية ضماناً للبحرين من عدم اعتداء أية أطراف خارجية على استقلالها أو محاولة احتلالها، وبالفعل كانت هناك نوايا فارسية للتدخل بشؤون البحرين».بعد توقيع اتفاقية الأمن والسلم البحري مع شيوخ ساحل الإمارات -الذي سمي بالساحل المتصالح- وشيوخ البحرين، أرادت حكومة الهند البريطانية التأكد من الالتزام بمواد هذه الاتفاقيات «عينت ممثلين لها بهذه المناطق وأطلقت عليهم صفة المخبر، وهي في الحقيقة مؤسسة استخباراتية ينال المخبر فيها الحماية البريطانية، مقابل كتابة تقارير للمقيم السياسي في بوشهر عن كل الأمور سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو تجارية، وإبلاغه بصورة رئيسة عن الشيوخ، والبيت الحاكم، وشكلت هذه المراسلات أو الإخباريات كماً هائلاً من محتويات مكتبات لندن ومتاحفها، سميت بعدها أرشيف الخليج».ويعتبر أمين هذه الوثائق الموجودة حالياً في المكتبة البريطانية في لندن «مادة غنية للباحثين في شؤون الخليج، وفي تاريخ العلاقات البريطانية الخليجية، والتي بدأت بتوقيع اتفاقية 1820، وعمل المخبرين وتأسيس دور الاعتماد في دول الخليج العربية».رسائل المخبرين ويكمل أمين حديثه عن الوثائق «كانت الوثائق تنقل مراسلات المخبر في الشارقة إلى الماجور ديفيد ويلسون، المقيم السياسي في بوشهر يناير 1827 - مارس 1831، وبينها رسالة مؤرخة في 28 نوفمبر 1828، ورسالة أخرى من الحاجي عبدالأمير المخبر في مسقط يوم 24 أغسطس 1829، وأخرى من الحاجي جاسم المخبر في البحرين، وفي 28 يوليو 1851 إلى الملازم صموئيل هنل المقيم في بوشهر مايو 1838 - مارس 1852، وكان هؤلاء المخبرين إما من الهنود رعايا حكومة الهند البريطانية، أو المقيمين من التجار تمنحهم الحماية البريطانية أو من السكان المحليين». وكانت مراسلات هؤلاء المخبرين تكتب بالهندية أو الإنجليزية أو الفارسية، وللعرب تكتب بالعربية «كان هناك ترجمان في دار المقيمية لأعمال الترجمة الإنشائية والشفهية، ومنشي أو كاتب للرد على الرسائل الواردة وكتابة الصادر من مكتب المقيم في بوشهر».وكنموذج لهذه المراسلات أرسل الحاجي جاسم من البحرين رسالة إلى المقيم السياسي المقدم صموئيل هنل في بوشهر يذكر فيها «اعتماداً على إخباريات وصلتني من البدع، بأن هناك صلحاً تم بين فيصل بن سعود وعلي بن خليفة، بعد وساطة الشيخ سعيد بن طحنون، وعندما وصل الشيخ سعيد طلب منه أحمد السديري وأحمد المعطاوي مرافقتهم للقاء الأمير فيصل بن سعود، ولكنه اعتذر منهم وقرر مقابلة الشيخ علي بن خليفة قبل لقاء الأمير فيصل، وأثناء المقابلة طلب سعيد بن طحنون من الشيخ علي بن خليفة قبول وساطته، خاصة أنه استلم رسائل من إمام مسقط وسلطان بن صقر يطالبون فيها بعقد الصلح بصورة سريعة».ويضيف المخبر «ذكر السيد ثويني إمام مسقط، أنه نظراً للخلافات مع سلطان بن صقر لم يتمكن إمام مسقط من دفع الزكاة إلى الأمير فيصل بن سعود، وطلب ثويني من الشيخ سعيد بن طحنون التوسط لدى الأمير فيصل بن سعود، وجاء رد الشيخ علي بأن الشيخ سعيد يستطيع مناقشة كل الأمور مع الأمير فيصل بن سعود، ولكنه لن يسمح له التدخل في شؤون البحرين، وحيث إن الشيخ علي كان في قطر آنذاك، فإن أمور قطر هي الأخرى ليست موضوع نقاش، وأن البحرين ستدفع الزكاة إلى الأمير فيصل حال وصوله إلى نجد، وبناء على هذه المناقشة وافق الأمير فيصل على مقترح الشيخ علي آل خليفة»،وتابع المخبر «يبدو أن الأمير فيصل كتب رسالة إلى الشيخ علي يتمنى منه رعاية أحفاد الشيخ عبدالله بن أحمد، ووافق الشيخ علي على ذلك، ويقال إن أحمد السديري ينتظر توقيع الشيخ علي بن خليفة على هذه الاتفاقية، سيتوجه بعد ذلك إلى البحرين للحصول على توقيع الشيخ محمد بن خليفة».ونكمل الحوار وتصفح المعاهدات من «دار الاعتماد».