كتبت - زهراء حبيب:
برّأت المحكـــمة الكبـــرى الجنائيـــة الثانية أمس، مالكة المدرسة ومشرفة المواصلات ومعلمة الفصل بقضية وفاة الطفل راشد الزهيري بحافلة مدرسية، من تهمة القتل الخطأ.
وقالت المحكمة إن أوجه الخطأ المسندة إلى الطاعنات الثلاث بالحكم، مالكة المدرسة ورئيس مجلس إدارتها، ومسؤولة التنظيم عن المواصلات، ومعلمة الفصل، في وفاة الطفل مقصورة على مخالفات التعليمات والتعميمات الصادرة عن الوزارة والتعليم، بينما تنتفي عنهن جريمة القتل الخطأ.
وتعد واقعة وفاة الطفل راشد في حافلة مدرسية حادثة مؤلمة شهدتها البحرين عام 2013، إذ نسي الطفل في حافلة محكمة الإغلاق أكثر من 3 ساعات وبدرجة حرارة بلغت 50 درجة مئوية، ما تسبب بحدوث سخونة واختناق أدت لوفاته.
وكانت النيابة العامة وجهت للمتهمين الثمانية بالقضية، بينهم المستأنفات بأنهم في 19 يناير 2013 تسببوا بخطئهم المشترك بطريق مباشر وغير مباشر، في موت الطفل راشد ذي الخمس سنوات، نتيجة إهمال كل منهم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم.
وأسندت النيابة للمتهم الأول، قيادة الحافلة الخاصة بنقل طلبة مدرسة الروابي وبينهم الطفل راشد دون الحصول على ترخيص، واجتياز دورة تدريب خاصة بتعامله مع الطلبة، والحفاظ على سلامتهم أو التأكد من نزولهم جميعاً من الحافلة.
ومكّن المتهمان السابع والثامن، المتهم الأول من هذا الفعل، بأن تعاقد السابع مع مسؤول المدرسة عن أولياء الأمور بنقل طلابها بالحافلة، وسمحا له باستلامها وقيادتها واستخدامها في نقل الطلبة دون ترخيص، خلافاً لما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم، وما نص عليه أحكام قرار وزير الداخلية رقم (10) لسنة 1989 بشأن تنظيم إصدار تراخيص نقل الطلبة.
وأسندت للمتهمة الثانية المشرفة على نقل طلبة المدرسة، مغادرة الحافلة بعد توصيل الطلبة، تاركة الطفل راشد بداخلها دون رعاية، أو التأكد من نزوله منها مع باقي زملائه.
واختارت المتهمة الثالثة، المتهمة الثانية لهذا العمل، رغم علمها أنها عاملة نظافة ولا دراية لها بهذا المجال، وتعاقدت على نقل الطلبة مع المتهم الثامن، دون التأكد من الوثائق الثبوتية أو حصوله على الرخصة، فيما سمح المتهمان الرابع والخامس ـ بصفتها مسؤولان عن إدارة المدرسة ـ للمتهمة الثالثة باتخاذ هذه الإجراءات، خلافاً لما تفرضه عليهم أصول وظائفهم وما تلزمهم به أحكام التعميم رقم (9) الصادر عن إدارة التعليم الخاصة بوزارة التربية والتعليم.
وأخلت المتهمة السادسة بما تفرضه عليها أصول وظيفتها من التزامها بإجراء اتصال بولي أمر الطفل لمعرفة سبب غيابه عن المدرسة فور علمها، خلافاً للتعليمات الصادرة من رئيستها المباشرة.
وسجنت محكمة أول درجة بتاريخ 16 نوفمبر 2013، سائق الباص سنتين، ومدرسة الفصل سنة، و6 أشهر لمالكة المدرسـة ومالك الحافلة والمشرفة على الحافلة «العاملة الآسيوية»، والمسؤولة عن المواصلات، بينما برأت المحكمة مدير المدرسة.
وطعن المدانون على محكمة الاستئناف، وقضت في جلسة 31 ديسمبر 2013 بتعديل الحكــم، والاكتفاء بحبس المستأنفة الأولى والرابعة 3 أشهر، وحبس المستأنفين الثالث والخامسة 6 أشهر، فيما أيدت الحكم المستأنف في حق الثانية والسادس.
وطعنت ثلاث مستأنفات وهي مسؤولة المواصلات ومعلمة الفصل ومالكة المدرسة، على الحكم أمام محكمة التمييز، وبدورها أصدرت في جلسة 15 سبتمبر 2014 بنقض الحكم، وأحالت الدعوى إلى المحكمة مصدرة الحكم لتقضي فيها من جديد.
وأحالت الدعوى إلى المحكمة الكبرى الجنائية الثانية لنظر الدعوى، وأصدرت حكم ببراءة المستأنفات، لأن الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من قارفها، أو إذا وقعت النتيجة الإجرامية جراء خطأ الفاعل، وشخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة جعلهما مرتبطين بمن يعد قانوناً مسؤولاً عن ارتكابها، أو أسهم بخطئه المباشر في ارتكابها.
وذكرت المحكمة أن العقوبة شخصية كما جاءت في الدستور والقانون، ما يعني أن الشخص لا يكون مسؤولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً، أو إذا وقعت بسبب خطئه الشخصي، أو أسهم فيه أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه.
وقالت المحكمة إن جريمة القتل الخطأ لا تقوم قانوناً إلا إذا كان وقوع القتل متصلاً بحصول الخطأ من المتهم اتصال السبب بالمسبب، بحيث لا يتصور حدوث القتل، ولم يقع الخطأ، وإذا انعدمت رابطة السببية انعدمت الجريمة لعدم توفر أحد العناصر القانونية المكونة لها.
وأوضحت أن أوجه الخطأ المسندة إلى الطاعنات الثلاث بوفاة الطفل، مقصورة على مخالفة التعليمات والتعميمات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، بأن سمحت المتهمة الأولى للثانية باستعمال حافلة محل الحادث في نقل التلاميذ دون تأكد الأخيرة من وجود رخصة لها، أو التأكد من وجود وثائق الثبوتية للسائق، تجيز نقل الطلبة واجتيازه للدورة، وإقرارها ومجلس الإدارة بتكليف عاملات نظافة بالمدرسة بالعمل مشرفات في الحافلات من منازلهم للمدرسة ذهاباً وإياباً.
وأضافت أن المتهمة الثانية لم تتأكد من سريان الاتفاقية الموقعة بين مالك الحافلة والمدرسة، وتكليف عاملة النظافة بمراقبة التلاميذ بالحافلة، دون أن يتوافر فيها خبرة التعامل أو إجادة اللغة العربية، بينما اتهمت معلمة الفصل عدم إجراء اتصال بولي الأمر، للتأكد من سبب غياب المجني عليه عن المدرسة.
وأشارت المحكمة إلى أن التقصير من جانب الطاعنات ليس هو العامل المباشر لوقوع الحادث، وكانت وفاة الطفل أمراً واقعاً بغير هذا التقصير، ونتيجة حتمية لإهمال سائق الحافلة والمشرفة، وعدم مراعتهما لخلو الحافلة من الطلبة، ومطابقة عددهم بالكشف المعطى لها، وترك المجني عليه داخل الحافلة بعد غلقها، ما عرضه لإنهاك حراري أثر على المراكز الرئيسة للمخ وهبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية أدت لوفاته.
وأكدت المحكمة أن التقصير من قبل الطاعنات لا يتجاوز المخالفات الإدارية، ولا تتحقق به رابطة السببية اللازمة لقيام المسؤولية الجنائية، وبالتالي فجريمة القتل الخطأ المنسوبة للطاعنات منتفية لعدم توفر ركن من أركانها، وعليه قضت المحكمة ببراءتهن.
عقدت الجلسة برئاسة القاضي عبدالله الأشراف، وعـــضوية القاضــيين محسن إبراهيم وأسامة الشاذلي، وأمانة سر عبدالله محمد.