أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس الوزراء، أن الأيديولوجيات الإجرامية تضع نفسها فوق مستوى البشر وتدعي تفويضاً إلهياً لممارسة الحكم، وقال «الإرهاب ليس أيديولوجية ونحن لا نحارب إرهابيين بل ثيوقراطيين، وعلينا تركيز الجهود على مجابهة الثيوقراطيات الفاشية الهمجية الآثمة».
وأضاف سمو ولي العهد في مقال نشرته صحيفة «الديلي تليغراف» أمس «بينما نسعى لتنظيم الأنشطة الإعلامية، نجد آخرين يستخدمونه في زرع الكراهية والشر»، مردفاً «نواجه عدواً يستفيد من أدوات العالم الجديد، ومجابهته تتم عبر خطوات عملية».
وأوضح سموه أن الحرب ضد الثيوقراطيين تستدعي خططاً مشتركة عسكرية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية، وأن الحرب القائمة ليست ضد الإسلام أو المسيحية أو أي ديانة أخرى.
ودعا سموه إلى مواجهة المستحوذين على الدين ومن يشترون الضلالة بالهدى، لافتاً إلى أن مواجهة الفاشية والاستبدادية والشمولية بدأت بدراستها كمفهوم، وأن تحجيم الجماعات الإرهابية يتطلب تصنيفها والتعامل معها بمنهجية.
وحذر سموه من جماعات إرهابية تريد التحكم بعقول الناس في الدنيا والآخرة، لافتاً إلى أن أصحاب الأيديولوجيات المنحرفة يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية.
وأكد سموه أن الإرهابيين يسخرون مكاسب إجرامهم لصنع كيانات حكم مبنية على الوهم، بينما يستغل الانتهازيون الفوضى لمنح المضللين والمهمشين حس القيادة، وتجد الأيديولوجيات المتطرفة لنفسها الثغرة عند انهيار مؤسسات الدولة.
ونبه سموه إلى وجود فضائيات بالشرق الأوسط لا تعترف بالقوانين وتنشر التعصب والأفكار المسمومة، داعياً إلى تركيز الجهود ضد الخصم بعد حادثة كوبنهاغن وقتل المصريين في ليبيا.
وفي ما يلي نص المقال:
«مضت قرابة الخمسة عشر عاماً منذ انطلاق بداية الحرب على الإرهاب، ونحن إلى الآن لم نقترب من فهم وهزيمة هذا العدو المشترك، حيث لايزال يُعرف مبدئياً بما يحوزه من تكتيكات الإرهاب والتعدي على ما يعنيه الإسلام.
فالإرهـــــاب ما هــــو إلا أداة لمعتنقــــــي الأيديولوجيات المنحرفة، والتي تضم جرائمهم الوحشية جملة من أعمال القتل والخطف للصحافيين والتعدي الفاحش، ومنها قتل الطيار الأردني الباسل الملازم أول معاذ الكساسبة رحمه الله.
إن ما حدث بالأمس من قتل وحشي للرهائن المصريين في ليبيا، وما سبقه خلال نهاية الأسبوع المنصرم بكوبنهاجن، يذكرنا مرة أخرى بأننا إذا أردنا الوقوف على هذا التهديد الآخذ بالتصاعد على الأفق العالمي، يجب أن تتسع مدارك فهمنا لتعريف خصمنا، سعياً لإعادة تركيز جهودنا بما يتناسب مع الوضع القائم.
إن الإرهاب ليس بأيديولوجية، نحن لا نحارب إرهابيين وحسب وإنما نحارب «ثيوقراطيين»، وأستخدم مصطلح «ثيوقراطيين» لأن هذه الحرب الجارية ليست ضد الإسلام، مثلما لا يمكن أن تكون ضد المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو أي ديانة أخرى، الحقيقة أن هذه المواجهة هي ضد من يستحوذون على الدين لبلوغ غاياتهم، وهم بذلك يشترون الضلالة بالهدى، ويحيدون عن النهج القويم والتعاليم التي نؤمن بها.
لو بدأنا بإدراك أننا في سياق حرب مع الثيوقراطيين، فمن الممكن أن نباشر في وضع خطط عسكرية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية، للتصدي لهذا التهديد معاً، كما فعلنا في الماضي مع التهديدات الأخرى.
فإذا تمعنا في القرن الماضي فسنجد أن العالم واجه سلسلة من التهديدات المختلفة كالفاشية، والشمولية الاستبدادية والشيوعية، وما صاحبها من حرب باردة، تم التصدي لها بدراستها كمفهوم واضح وتشخيصها كأيديولوجيات.
يجب أن نتفـــــق على كيفيـــة تعريـف الأيديولوجية الجديدة من أجل الوصول لجوهر المشكلة التي نواجهها، فعند تناول مختلف المجموعات مهما اختلفت تسمياتها مثل الدولة الإسلامية وداعش والقاعدة، وما ينبثق عنها من فرق وكذلك حركة الشباب الصومالية وبوكو حرام وغيرها من الجماعات، وكذلك التي من الممكن أن تنشأ مستقبلاً، نرى أنه لم يتم التعامل مع ما تشكله هذه الجماعات من تهديد بأسلوب ممنهج، فجاءت الخطوات التي تم اتخاذها دون فهم وتصنيف استراتيجي ولم يتم تحجيمها بفاعلية.
هذه الجماعات تريد السيطرة على عقول الناس والتحكم بهم هنا في الدنيا والآخرة، وهم يعزلون أنفسهم ولا يضعون أي اعتبار للعقود الاجتماعية التي تأسست بيننا كمجتمعات، إنهم أناسُ يضطهدون المرأة ويرتكبون المجازر لتصفية من يخالفهم ولا يوافق أو ينتمي إلى أيديولوجياتهم المنحرفة، والأسوأ من ذلك أنهم يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية، ساعين بذلك إلى تقييد المنطق والعقلانية في محيطهم.
وفي إطار منهجيتهم تقترن الأيديولوجية الدينية والحكم بقوة السلاح من غير أسس قانونية، وما يدعم ذلك هي المكاسب التي يحوزونها من أنشطتهم الإجرامية، وبالتالي يتم تسخير ذلك لصنع كيان حكم مبني على قواعد الوهم، ليواصلوا من خلال ذلك الصراع اليائس لسلب الأراضي وفرض سيطرتهم عليها.
ندرك أنهم انتهازيون يستغلون انهمار الفوضــــى الاجتماعية والسياسيــة لمنــح المضللين والمهمشين حـــس الهـــدف والقيادة، إن التاريخ سيحكم إذا ما كانت أحداث الشرق الأوسط المتأزمة في 2011 تماثل أحداث برلين في عام 1989 أو بتروغراد في عام 1917. مهما كانت النتيجة النهائية لهذا التحليل، يتضح شيء واحد، هو أنه عندما يكون هناك فراغ بسبب انهيار مؤسسات الدولة، تأتي هذه الأيديولوجيات المتطرفة لتجد لنفسها الثغرة الملائمة لفرض سيطرتها. إن هذه الجماعات تنشر رسائلها الأيديولوجية عبر عدد من القنوات التقليدية، وتلك التي يتيحها العصر الحديث، إلى جانب ما يتم قوله عبر المنابر التي ينصبون أنفسهم عليها، علماً بأنه في الشرق الأوسط هناك وجود لقنوات فضائية لا تعترف بالقيود والقوانين المعمول بها في النظم الغربية، ويحمل بثها تأثيراً أكبر من تأثير الإنترنت، وهم ينقلون عبرها رسائل متواصلة تنشر التعصب والأفكار المسمومة التي يلتقطها البعض.
فبينما نسعى لتنظيم النواحي الفكرية والعملية والقانونية للأنشطة الإعلامية وحرية الإعلــــام الإلكتروني، نجدهــــم يستخدمون هذه المنصات بلا هوادة لزرع الكراهية وعرض أوجه الشر، وبالتالي فنحن نواجه عدواً يستفيد من أدوات العالم الجديد في مسعاه لتكريس تركة مفاهيم القرن السابع عشر، ولذا لن نتمكن من مجابهتهم باستخدام الوسائل القديمة لوحدها، بل بإيجاد منظومة جديدة من الخطوات العملية على النطاقين الحديث والتقليدي.
لذلك لا بد من إعادة النظر بشكل ممنهج وشامل ومتعمق في طبيعة هذا التهديد، لتركيز جهودنا نحو تحقيق هدفنا المشترك بالتفعيل الاستراتيجي لإمكانات مصادرنا إذا ما أتت مجتمعة، وبذلك نتمكن من المحاسبة الفاعلة لهذه الأيديولوجيات الإجرامية، التي تضع نفسها فوق مستوى البشر، بادعاء أن لديها تفويضاً إلهياً لممارسة الحكم على أسس خاطئة. مع الأسف، فإننا سنواجه لفترة طويلة هؤلاء الثيوقراطيين الهمجيين الذين لا ينتمون لعصرهم، ولكن الخطوة التالية التي يجب أن نهدف إليها هي أن نفهمهم بشكل واضح وأن نكشف حقيقتهم.
سينحسر مد هذه الجماعات وسيعود، ولكن في غضون ذلك لا يجب أن نغفل عن محاربة وهزيمة الأيديولوجية التي يستندون عليها، إلى جانب ذلك يجب علينا التخلي عن مسمى «الحرب على الإرهاب»، وتركيز جهودنا على مجابهة تصاعد هذه الثيوقراطيات الفاشية الآثمة».