^ دول الخليج ساهمت في إعادة بناء المساجد والمدارس بعد الحرب الصربية ^ البوسنة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة ومناطق سياحية جاذبة
كتب - طارق مصباح: قال عضو مجلس إدارة الأوقاف في سراييفو الداعية الشيخ حامد بن مصطفى إنجيتش، إن محنة البوسنة حملت في طياتها منحة التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، وبشّر المتظاهرين في سوريا بنصر قريب، داعياً وزارة التربية والتعليم لقبول الطلبة البوسنيين بالجامعات البحرينية. وأضاف “اليوم وبعد مرور سنوات على انتهاء الحرب مع الصرب، أُعيد بناء المساجد والجوامع التي هدمت بدعم من دول الخليج العربي والشعوب المسلمة المتعاطفة”، لافتاً إلى “بنيت 6 مدارس إسلامية ثانوية وافتتحت 3 كليات إسلامية”. وأشار إلى أن مظاهر الحياة الإسلامية أصبحت موجودة في معظم أنحاء البوسنة، وانتشر الحجاب عند المسلمات وصدرت المجلات والصحف الإسلامية وانتشرت الجمعيات الخيرية. وأكد إنجيتش في لقاء مع “الوطن”، إن المحنة التي مرت بالبوسنة والهرسك حملت في طياتها منحة، حيث أقبل الشعب البوسني على الصلاة وانتشرت مظاهر الالتزام وتعددت الجمعيات والصحف والمعاهد الشرعية في البلاد. ودعا في معرض حديثه الشعب البحريني لزيارة البوسنة والهرسك بقصد السياحة، والتمتع بالمناظر الخلابة والمسطحات الخضراء والبحيرات والجبال. ^ حدثنا قليلاً عن تاريخ المسلمين في يوغسلافيا؟. - دخل الإسلام البلاد في القرن الخامس عشر وتحديداً عام 1463 على أيدي الأتراك العثمانيين، وفي مقدمتهم السلطان محمد الفاتح، وأنشؤوا المساجد والمراكز الإسلامية المختلفة، وأسلم حينها عدد كبير من أهل البوسنة حيث كانوا نصارى وكانت لهم كنيسة واحدة خاصة بهم، وكانوا مضطهدين من قبل الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية ودفعهم ذلك للإسلام. البوسنة كانت ضمن الخلافة الإسلامية ثم في أواخر القرن التاسع عشر بعد انسحاب الأتراك وهزيمتهم عند أسوار فيينا، كان عدد المسلمين يومئذ كبيراً ومنهم من انسحب مع الأتراك، وبقي بعضهم في البوسنة يدافعون عن عقيدتهم وإسلامهم. ثم جاءت الحرب العالمية الأولى وكان المسلمون تحت سيطرة المملكة النمساوية، ثم تعرضوا للتهجير والتنكيل من قبل النمساويين، وفي تلك الفترة هاجر كثير من المسلمين إلى دار الإسلام. ^ متى بدأ صراعكم مع الشيوعيين، وماذا جرى معهم؟. - بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945 استولى على الحكم النظام الشيوعي، الذي لم يعترف بالإسلام والمسلمين واعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، ومنع الشيوعيون معظم المظاهر الإسلامية حيث أغلقوا المدارس الإسلامية وكانت 33 مدرسة في البوسنة، عدا مدرسة واحدة في سراييفوا بقيت مفتوحة، وأغلقوا كافة الجمعيات الخيرية ومنعوا مزاولة نشاطها، وسجنوا عدداً كبيراً من الناشطين الإسلاميين وغيرهم، وبذلك كان المسلمون يخافون على أنفسهم وعلى أعراضهم وأموالهم. ^ مطلع التسعينات أعلنت الانتخابات الحرة الأُولى قيام جمهورية البوسنة والهرسك واستقلالها عن يوغسلافيا، وكانت انطلاقة شرارة الحرب بين الصرب والمسلمين أليس كذلك؟. - نعم وكانت البوسنة والهرسك في هذا العام إحدى الجمهوريات الست اليوغسلافية، وكان أول رئيس دولة منتخب هو علي عزت بيجوفيتش، الذي واجه تهديدات من قبل متطرفين صرب أعلنوا استعدادهم للهجوم على المسلمين وتقسيم البوسنة وضم جزء كبير منها إلى دولة صربيا، وقال زعيمهم المجرم كاراجيتش أنه سيعرض المسلمين للفناء، ولكن رد عليه الرئيس علي عزت أننا لا نخاف وسيبقى الإسلام والمسلمون على حالهم بإذن الله ولن تنتهي دولتنا. بدأت بعدها الحرب بين المسلمين والصرب سنة 1992، وتسلمت الميليشيات الصربية بترسانتها المسلحة جيش يوغسلافيا السابق وقاتلوا المسلمين العزل، معتقدين أنهم كقوة رابعة في أوروبا باستطاعتهم هزيمة المسلمين في أيام معدودة، وفي السنة الأولى من الحرب سقطت معظم أراضي شرق البوسنة في أيدي الميليشيات الصربية، وفعلوا المذابح وقتلوا المسلمين في إبادة جماعية بشعة لم يسلم منها طفل رضيع ولا امرأة عجوز. ^ كيف أصبحت بعد ذلك لكم قوة واجهتم بها هؤلاء المتطرفين؟. - مع مرور السنوات استطاع المسلمون بفضل إيمانهم الخالص، أن يأخذوا الغنائم من القوات الصربية، فكونوا جيشاً وكتائب مجاهدين واستطاعوا تحرير معظم المناطق المحتلة، وعندها أوشك الجيش البوسني السيطرة على البوسنة، وتدخل حلف شمال الأطلسي وأجبر جميع الجهات المقاتلة في البوسنة على توقيع اتفاقية سلام وقعت في مدينة ديتون الأمريكية سنة 1995. خلفت الحرب نحو 150 ألف قتيل من المسلمين المدنيين وآلاف الجرحى وحالات الاغتصاب والمعوقين، إضافة إلى مئات المساجد والمدارس والبيوت التي دمرتها آلة الحرب الصربية. ^ كيف تصفون لنا الوضع الآن بعد انتهاء هذه الحرب الضروس؟. - اليوم جميع المساجد والجوامع أعيد بناؤها وأقيمت من جديد، وبدعم من دول الخليج العربي والشعوب المسلمة المتعاطفة، وبنيت 6 مدارس إسلامية ثانوية ثم فتحنا 3 كليات إسلامية، وأصبحت مظاهر الحياة الإسلامية موجودة في معظم أنحاء البوسنة، وانتشر الحجاب عند المسلمات وصدرت المجلات والصحف الإسلامية وانتشرت الجمعيات الخيرية مثل جمعية “مرحمة”، وهذه الجهود الطيبة في ازدياد يوماً بعد يوم. ^ ما هي جهودكم خلال فترة إعادة إعمار وبناء الدولة البوسنية والإنسان المسلم فيها؟. - نحن في البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب الطاحنة التي راح ضحيتها آلاف المسلمين، نحاول قدر المستطاع وبالإمكانات المتاحة وبدعم من إخواننا من العالم الإسلامي، وقبل كل ذلك متوكلين على الله سبحانه وتعالى، أن نربي شبابنا على التمسك بديننا الحنيف وأن يتخلقوا بأخلاق الإسلام في محيط أوربي نصراني. نحن نؤمن بعمل مؤسسي ومنظم وبقوة العمل الجماعي، لذلك أسسنا وأعدنا بناء مدارس إسلامية تُعدّ الأجيال الصالحة والمثقفة لبناء مجتمع صالح واعٍ ومسؤول تجاه قضاياه الإسلامية والوطنية. وفي مدرسة “ترافنيك” التي تسمى مدينة الوزراء في وسط البوسنة والهرسك، تم افتتاح أبواب المدرسة الإسلامية الثانوية في سنوات الحرب وتحت القصف العشوائي، وتخرج منها حتى الآن 14 دفعة من الطلبة، بينهم أكثر من 20 حافظاً لكتاب الله عز وجل، ويستطيع الطالب بعد التخرج من هذه المدارس الإسلامية أن يلتحق بجميع الكليات والجامعات داخل البوسنة وخارجها لأنها معترف بها لدى الحكومة البوسنية. ^ كيف تقيمون ما جرى بقدر الله وحكمته على دولتكم منذ بداية الحرب مع الصرب إلى يومنا هذا؟. - أقول “المحنة تحولت إلى منحة”، وأرى أننا كنا في حاجة إلى هذه الأزمة التي أيقظتنا من غفلتنا، وكان الكبار هم فقط من يحرص على الصلاة، والحجاب غائب تماماً عن بلادنا، والتربية على الآداب الإسلامية منعدمة، إضافة إلى أن الجمعيات الإسلامية لم تكن موجودة والكتب الإسلامية ممنوعة ونادرة في البلد. الآن بعد الحرب أصبح لدينا إقبال كبير على الدين والالتزام خاصة بين الشباب، حيث امتلأت المساجد بهم، وشُيّدت الجوامع والجمعيات والمعاهد والمدارس وانتشر الحجاب بين الفتيات والنساء، وترجمت الكثير من الكتب إلى اللغة البوسنية ومنها الكتب الـ6، وأرى اليوم أن الخير قادم للشعب السوري، لكن عليهم حسن الظن بالله وصدق اللجوء إليه والاعتماد عليه، فالخير قادم والنصر قريب وستكون الغلبة للموحدين. ^ هل أبوابكم مفتوحة لأي مشارك أو متطوع يبتغي الأجر والمثوبة من الرحمن؟. - أريد أن أنوه إلى أن المجال الدعوي والخيري والتربوي مفتوح للجميع، وأن جميع الأنشطة تتم تحت غطاء المشيخة الإسلامية في سراييفو التي تشرف على المدارس والمساجد والأنشطة الدعوية وفي مقدمتها رئيس العلماء د.مصطفى سيريتش. أنتهز هذه الفرصة لأشكر مملكة البحرين حكومة وشعباً لدعمها البوسنة أيام الأزمة والحرب، وأنا شخصياً التقيت ببعض الإخوة الذين زارونا في قوافل الخير وقوافل أطباء بلا حدود، وجاؤوا حاملين معهم المساعدات فجزاهم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. ^ بماذا يمكن المشاركة معكم ومساعدتكم؟. - يمكن لمن أراد المشاركة معنا أن يشارك في بعض المشاريع التي يمكن دعمها ومعظمها يتعلق بالتربية والتعليم والثقافة، ومنها كفالة الطلاب والمدرسين وبناء المدارس الإسلامية وتجهيز المدارس بالأجهزة الإلكترونية الحديثة، ومساعدة الجمعيات الخيرية البوسنية الموجودة، مثل جمعية “مرحمة” التي تهتم بالأرامل والمعوقين والمرضى والأيتام والمستشفات وشراء الأجهزة التي تحتاجها. ويمكن التنسيق في توصيل المساعدات عن طريق لجنة الأعمال الخيرية بجمعية الإصلاح وبقية الجمعيات الخيرية الأخرى في المملكة، وهنا أتقدم بالشكر الجزيل لجمعية الإصلاح التي كانت سبب وصولي والتقائي بأحبتي في البحرين فجزاهم الله خير الجزاء. ونتمنى أن يستمر هذا التواصل وبذل الجهود، ومواصلة العطاء لما من شأنه تقدم أحوال المسلمين في قارة أوروبا، ونقدم الدعوة للمسؤولين في مملكة البحرين وبخاصة في وزارة التربية والتعليم لقبول عدد من طلبة البوسنة والهرسك في جامعات البحرين، كما نرحب بمواطني المملكة الشقيقة في بلدهم الثاني ونحن بانتظار زيارتهم القريبة لنا. ^ قبل أن نختم لقائنا معكم، حدثونا عن حجم الزيارات التي تأتيكم من الدول الإسلامية؟. - زارنا صيف العام الماضي نحو 2500 أسرة كويتية ومن السعودية أيضاً وقطر والإمارات، زاروا الأماكن السياحية وشاهدوا المناظر الجميلة الخلابة والمسطحات الخضراء والبحيرات التي تلف مدن البوسنة وقراها. ندعو البحرينيين وجميع الإخوة العرب المسلمين للقدوم إلى بلادنا، وهذه الزيارات من شأنها أن تنعش الاقتصاد، ونحن بحمد الله تعالى ومنته تتوفر لدينا جميع مقومات السياحة من مناظر طبيعية غاية في الروعة والأمن والأمان التي تنعم به البوسنة والهرسك. ويشغل الداعية إنجيتش وظيفة أستاذ الفقه الإسلامي في مدرسة التشي إبراهيم باشا الثانوية الإسلامية ونائب مدير المدرسة ومسؤول المشاريع، ورئيس مجلس الإدارة في جمعية مركز التطوير، زار المملكة مؤخراً بهدف إقامة علاقات في المجال التعليمي والتربوي والخيري.