بيروت - (أ ف ب): مر عقد على اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، لكن الآمال التي علقها اللبنانيون بعيد هذا الاغتيال على الخروج من الفلك السوري لم تتحقق، خصوصاً في ظل النزاع الدامي في سوريا وانعكاساته على لبنان أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
وخلال أيام سبقت وتلت ذكرى اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005 في تفجير سيارة مفخخة مع 21 شخصاً آخر وسط بيروت، انتشرت في العاصمة اللبنانية صور رئيس الوزراء السابق، ولافتات تؤكد تمسك مؤيديه بإرثه السياسي، بينها «عشرة، مية، ألف سنة، مكملين».
ودفعت عملية الاغتيال، دمشق بعد توجيه أصابع الاتهام لها بالوقوف وراء التفجير إلى سحب قواتها من لبنان بعد نحو 3 عقود من التواجد فيه مارست خلالها نفوذاً من دون منازع على الحياة السياسية اللبنانية.
ومنح الانسحاب العسكري اللبنانيين الآمال بأن يخرج بلدهم من دائرة النفوذ السوري هذه. غير أن هذه الآمال لم تتحقق بعدما انقسم لبنان إثر اغتيال الحريري، سريعاً بين محور مناهض لدمشق مدعوم من واشنطن وعواصم عربية، ومحور آخر مؤيد للنظام فيها يلقى دعم طهران، ما دفع البلاد نحو سلسلة من الأزمات المتلاحقة.
وتفاقمت الانقسامات مع اندلاع النزاع الدامي في سوريا منتصف مارس 2011، وانخراط «حزب الله» الشيعي اللبناني في هذا النزاع الذي قتل فيه أكثر من 210 آلاف شخص وقتاله إلى جانب النظام السوري.
وللمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية التي وقعت بين 1975 و1990، يبقى لبنان من دون رئيس حيث يعجز السياسيون منذ 8 أشهر عن التوصل إلى اتفاق يسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق في مايو الماضي.
كما أن لبنان يشهد منذ أشهر طويلة خضات أمنية متواصلة، بينها التفجيرات بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة التي طالت عدداً من المناطق وتبنتها جماعات متشددة تقاتل النظام في سوريا، وايضاً الاشتباكات الحدودية بين الجيش وهذه الجماعات.
ويقول أحد سكان المنطقة التي قتل فيها رئيس الحكومة السابق وسط بيروت «انهارت البلاد منذ أن اغتيل الحريري».
وبالنسبـــة إلى المحللـــين، فــإن السنـوات العشر التي تلت اغتيال الحريري عززت دور «حزب الله» المدعوم من طهران في الحياة السياسية، حتى بات الحزب الشيعي يتحكم بقرار السلم والحرب.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان «كان اغتيال الحريري بمثابة انقلاب عسكري في لبنان»، موضحاً «كان لديه مشروع حسب الرؤية السعودية، واغتياله قضى على هذا المشروع وقدم مكانه مشروعاً مضاداً هو المشروع الإيراني».
من جهته، يرى داود الصايغ المستشار السابق للحريري أن لبنان أصبح بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق «في محور دمشق، طهران و«حزب الله»، وهذا المحور لا يزال ضاغطاً حتى اليوم».
وبحسب خشان، فإن الحريري الذي كان مهندس إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب الأهلية، أراد أن «يجعل من لبنان جزءاً من دائرة الاعتدال، وحــاجزاً أمام التطرف».
ويضيف «الحريري كان يعتبر نفسه ممثلاً للتيار المعتدل»، مشيراً إلى أن الفترة التي سبقت اغتياله لم تشهد وجود «متطرفين سنة».
وتسلم رفيق الحريري رئاسة الوزراء في ظل فترة الوصاية السورية للمرة الأولى في عام 1992، وظل على رأس الحكومة حتى عام 1998، ثم عاد ليترأس الحكومة بين عامي 2000 و2004 قبل أن ينتقل إلى صفوف المعارضة إثر اعتراضه على تمديد ولاية الرئيس السابق أميل لحود بضغط سوري.
ويقول خشان إن الحريري دعم «مشروع القرار 1559 في مجلس الأمن» والذي ينص على انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، والسوريون «لم يسامحوه عليه»، معتبراً أن رئيس الوزراء كان «يحاول اقتلاع النفوذ السوري من لبنان».
كما يرى الصايغ أن «الحريري أعاد لبنان إلى الخريطة العالمية، وهو ما أزعج» سلطة الوصاية السورية.
ويقول الصايغ إن «اللبنانيين لم يتحرروا من وضع يكونون فيه رهائن في صراعات المنطقة». وأمام المحكمة الخاصة بلبنان والتي تحقق بقضية اغتيال الحريري، قال النائب مروان حمادة الذي كان مقرباً من رئيس الوزراء السابق إن «أحلام الحريري لم تتلاءم مع أحلام السوريين».
وبدأت المحكمة وهي الأولى من نوعها محاكمة 4 أعضاء في «حزب الله» في يناير 2014 في لاهاي غيابياً رغم المذكرات الدولية التي صدرت بحقهم، متهمة إياهم بالوقوف وراء التفجير، ذلك أن «حزب الله» يرفض التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان متهماً إياه بأنها «أداة أمريكية إسرائيلية».
ويقول فارس سعيد أحد قياديي المعارضة المناهضة لدمشق المعروفة بفريق «14 آذار» إن الصدمة التي أحدثها الاغتيال كان يمكن أن تشكل مدخلاً «لتوحيد البلاد»، لكن «وبعد 10 سنوات، تبقى الدولة هشة في ظل عودة الطوائف للانكفاء خلف متاريسها».
وبينما اتسم عهد الحريري بالاستثمارات وخصوصاً في مجال السياحة، رغم الانتقادات التي تعرض لها جراء الديون الضخمة التي تراكمت بسبب إعادة الإعمار، فإن العنف وتدفق اللاجئين السوريين أثقلا كاهل الاقتصاد اللبناني وأبعدا السياح عنه.