ذكر العلماء عدة معان للقنوت، يدور أغلبها حول دوام الطاعة، والصلاة، وطول القيام، والسكوت، والخضوع، والدعاء. وقد امتدح الله عز وجل عباده المؤمنين وأثنى عليهم بالكثير من الصفات التي يحبها فيهم، ومن جملة الأخلاق والصفات التي أثنى الله بها على عباده المؤمنين أنهم قانتون، فقال الله عز وجل: «للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهرة ورضوان من الله والله بصيرٌ بالعباد * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار». وإن للنساء من ذلك حظا حيث قال الله عز وجل: «فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله». كما وعد سبحانه على هذه الصفة أجراً كبيراً: «ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً». كما أثنى الله على خليله ورسوله إبراهيم عليه السلام بأنه كان من هؤلاء القانتين لله تعالى، قال سبحانه «إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين».
وأثنى على مريم بنت عمران عليها السلام بأنها كذلك من القانتات فقال: «ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين». وكون القنوت هو الخضوع والطاعة لله، فذلك ما دل عليه قول الله تعالى: «وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون». وقوله سبحانه: «وله من في السماوات والأرض كل له قانتون». ويأتي القنوت بمعنى طول القيام، وهو ما دل عليه قول الله عز وجل: «أم من هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب». وما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت». وأما ورود القنوت بمعنى الدعاء فدل عليه ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب». وهكذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حقق جميع معاني القنوت فكان يصلي ويطيل الصلاة. وعن حذيفة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، فكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استجار، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح».
ولما خسفت الشمس في عهده قام يصلي فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، وهكذا في سجوده. وكان يدعو ربه ويطيل الدعاء ويختار من الدعاء أحسنه وجوامعه وإذا قرأ القرآن أو قرئ عليه بكى.