كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
قال د.عيسى أمين إن شركة الهند الشرقية في بومبي، افتتحت مراكز وضعت أسس التجارة البريطانية في الخليج وامتدت إلى 150 سنة، تلاها تحول هذه المراكز التجارية إلى مراكز للمعتمديات والمقيميات البريطانية، والتي تخلت عن الصفة التجارية وأصبحت سياسية بحتة.
ويكمل د.عيسى أمين تصفح أوراقه ويدخلنا في أعماق التاريخ، ويتحدث عن مجموعة مقالات عن تاريخ دخول الإنجليز إلى الخليج العربي، والاتفاقات الموقعة مع شيوخ الخليج والنظام الإداري المؤسس بعد اتفاقية 1820 للأمن والسلم البحري، ويقول « قبل دخول دول الخليج في أية اتفاقات مع السلطة البريطانية في الهند، كانت الأخيرة معنية بالأمور التجارية والسيطرة على الهند والممرات المائية المستخدمة من قبل سفن شركة الهند الشرقية، لنقل البضائع من وإلى الهند البريطانية».
ويكمل حوار الأسبوع الماضي حول دور المخبرين والعلاقات بين بريطانيا من جهة ودول الخليج العربي والاتفاقات التي أبرمت بينهما..
مجموعة مقالات ورسائل متبادلة بين المخبر في البحرين والمقيم السياسي البريطاني في بوشهر، وذلك بعد توقيع اتفاقية الأمن البحري مع حكومة الهند البريطانية، ودخول البحرين في مجموعة الملتزمين بتطبيق بنود الاتفاقية التي قمنا بعرضها في الحلقة الأولى.
في الحلقة الثانية نواصل عرض الرسائل الواردة إلى البحرين والصادرة منها والتي تحمل صبغة السرية في كثير من الأحيان.
القطريون يشترون
الأرز والتمر من البحرين
في الثاني من أغسطس 1851 يكتب الحاجي جاســم «المخبر» من البحرين: «أود إبلاغكم بأنه في 29 من الشهر الماضي انتهى حصار أسطول البحرين للبدع ويبدو أن الصلح قد تم مع الأمير فيصل ابن سعود، ولقد توجهت سفن سكان قطر إلى البحرين لشراء الأرز والتمور من أجل سفن الغوص في قطر، كان هذا السلم الحالي قد نتج عن اتفاق شيخ البحرين علي بن خليفة مع الأمير فيصل بن سعود بعد توسط الشيخ سعيد بن طحنون، والذي قام بالوساطة بينهما لضمان عدم تدخل الأمير في أمور رعايا قطر، وترك ذلك لشيخ البحرين.
التأجيل في الدفع
أما بخصوص أحفاد الشيخ عبدالله بن أحمد فإنهم سوف يلاقون الاحترام والمودة إذا ما لجؤوا إلى الشيخ علي بن خليفة، وسوف تتم معاملتهم مثل أبناء العائلة. وقد دافع الأمير فيصل على الحصول على مبلغ 8000 كرونة من البحرين زكاة متأخرة، ولكن مرة أخرى وبوساطة من الشيخ سعيد بن طحنون وافق الأمير على مبلغ 4000 كرونة «عمله ذهبية أوروبية نمساوية»، فقط، وقد وافق الشيخ علي بن خليفة على هذا المبلغ.
ولكنه طلب التأجيل في الدفع، وذلك لعدم توفر المبلغ لدى البحرين.
وبعد هذا الطلب تم الاتفاق على أن يقوم الشيخ علي بن خليفة بزيارة الأمير في الرياض، وكما يبدو بأن الأمور مستقرة الآن، والجميع على وئام، ودليل على ذلك الحفاوة التي لقيها أحمد السديري عندما زار الشيخ علي بن خليفة الذي طلب منه مرافقته إلى البحرين، ولكنه اعتذر عن ذلك - وأنا أعتقد بأن الشيخ علي بعد عودته إلى البحرين سوف يرسل هدية إلى الأمير فيصل ربما فرس عربية - وحصل الشيخ سعيد بن طحنون على هدية من الأمير فيصل 1000 كرونة ومائة عباية وفرسين وخمسة آلاف من أكياس تمر القطيف سنوياً، وتم تعيينه مسؤولاً ومشرفاً على أمور عمان، وقلاع البريمي وطلب منه جمع الزكاة من إمام مسقط وشيوخ الإمارات، وتحويلها إليه ويبدو أن الأمير فيصل سوف يرسل قوات لاحتلال قلاع البريمي، ومن ثم تعيين الشيخ سعيد بن طحنون مسؤولاً هناك.
وقد عاد شيخ بني ياس «سعيد بن طحنون، إلى بلده، وغادر الأمير فيصل ساحل قطر، ولم يترك أية قوة هناك ويبدو أنه قد توجه للإحساء والتي سوف يمكث فيها مدة شهر.
وقد رافقه الشيخ محمد بن عبدالله بن أحمد، ووعده الأمير فيصل بإسكانه في تاروت أو تقديم 6000 كرونة له ولأخوته ومنحهم الإقامة في الدمام، بشرط عدم تعاونهم مع ابن بن علي، والذي عاد إلى جزيرة قيس، وكتب الشيخ علي بن خليفة إلى أخيه الشيخ محمد في البحرين يطالبه برفع حصار أسطول البحرين عن القطيف.
«البنعلي» يقررون
الانتقال للبحرين
يقول د. أمين «يبدو أن اتباع الشيخ علي بعد من أهالي قطر «أعتقد يقصد قبيلة البنعلي»، أبدوا استعدادهم لتنفيذ أوامر الشيخ علي، وذلك بالإقامة في البدع، أو الانتقال إلى البحرين وبما أن موسم الغوص قد بدأ فقد طلب منهم الشيخ علي التوجه إلى مغاصات اللؤلؤ في الوقت الحالي، وقد دخل سكان سواحل قطر والبحرين إلى الغوص وعبروا عن ارتياحهم لنتائج الاتفاق، وفي 31 يوليو وصل الشيخ علي إلى البحرين والتقى بأخيه الشيخ محمد بن خليفة، وتباحث عن أسطول البحرين في القطيف، وقد ارتأى الشيخ محمد بن خليفة التأخير في عودته إلى حين وصول السفن البريطانية من بوشهر، ولكن في النهاية تم الاتفاق على فك الحصار واستدعاء سفن البحرين للدخول في الغوص، في نفس الوقت أصدر الأمير فيصل أمره على الشيخ بلال حاكم القطيف بسحب الجنود من ساحل القطيف وإرجاع السفن إلى البحر، وكذلك فعل أفراد قبيلة البنعلي الذين يبدو بأنهم سوف يغادرون ساحل القطيف في سفن صغيرة.
«ترجم الرسالة من العربية إلى الإنجليزية أيان أدوارد المحاسب في دار المقيمية في بوشهر، وتم التوقيع على الترجمة من قبل المقيم السياسي صموئيل هنل «في مايو 1834 إلى مارس 1852»، ودخلت هذه الرسالة في سجلات دار الاعتماد والتي أنشأت في فترة لاحقة».
يواصل د. أمين «كما ذكرنا سابقاً بأن العلاقات البريطانية الخليجية كانت قد بدأت، وبصورة رسمية في عام 1820، بعد توقيع اتفاقية السلم البحري إلا أن اتصالات البداية كانت في عام 1616، حين أرسل مجلس إدارة شركة الهند الشرقية في سورات في الهنــد بعثة إلى جزيرة «جسك الإيرانية»، لتقديــم تقارير عن إمكانية فتح مركز تجاري فيها للتعامل مع تجار الساحل الفارسي، بعد سنوات قليلة افتتحت مراكز تجارية لنفس الشركة في شيراز وأصفهان «1617»، وبندر عباس «1623»، ومن الأراضي الفارسية إلى البصرة «1635»، وكانت هذه المراكز التجارية تدار بواسطة إدارة شركة الهند الشرقية في بومبي، والتي من خلال افتتاحها هذه المراكز وضعت أسس التجارة البريطانية في الخليج والتي امتدت إلى مائة وخمسين سنة. والتي تلاها تحول هذه المراكز التجارية إلى مراكز للمعتمديات والمقيميات البريطانية، والتي تخلت عن الصفة التجارية وأصبحت سياسية بحتة، والتي تركت الأمور التجارية إلى أمور مهمة أخرى هي حماية الطرق البحرية والبرية للهند البريطانية.
ومن الفترة الممتدة من 1763 إلى 1947، كانت هناك مقيمية ومعتمديات بريطانية في بوشهر ومسقط، والبصرة، وبغداد، والبحرين والكويت والشارقة وكانت تابعة لمكتب حكومة الهند، أو ما سبقه من إدارة بريطانية تجارية أو سياسية في الهند، وذلك يضفي التبعية لشركة الهند الشرقية، والتي كانت تدار من قبل حكومة الهند وكان مركزها آنذاك في بومبي.
وبالتالي كانت الأمور الإدارية والمخططات السياسية التي تطبقها هذه الدوائر السياسية في الخليج كلها صادرة بصورة، أو أخرى من حكومة الهند البريطانية أو مكتب الهند في لندن.
إلى أن منحت الهند الاستقلال فــي 1947، ولذا وبعد هذا التاريخ أصبح أرشيف مكتب الهند في لندن - والذي انتقل جزء كبير منه إلى المكتبة البريطانية حالياً-، يحتوي على كل مراسلات شركة الهند الشرقية وحكومة الهند، ودور الاعتماد والمقيمية في بوشهر، ويغطي وبصورة دقيقة الفترة بيـــن «1763 – 1948»، وبالتفصيل سجلات بوشهــر «1763 – 1948» البحرين «1899 – 1951» الشارقة «1930 – 1951» الكويت «1904 – 1949» مسقط.
هذه المادة العلمية والمتوافرة حالياً «بصورة مجزئة» على موقع مكتبة قطر الإلكترونية تعتبر مادة غنية وواسعة للبحث في تاريخ الخليج التجاري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
«العدد القادم.. نكمل الحديث
عن «دار الاعتماد»