قال علماء ودعاة إن «رفع الإكراه والنسيان والخطأ عن أمة الإسلام جاء رحمة من الله عز وجل»، مستشهدين بالحديث الشريف، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»».
وأضافوا أن «الحديث الشريف من أوضح الأدلة على يسر منهج الإسلام وسماحته، كما إنه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، حيث خفف الله عنها ما كان على الأمم قبلها».
من جهته، قال الداعية الشيخ عمر عبدالكافي إن «الكمال لله وحده والعصمة لرسوله، فلن تجد الرسول في أي موضع أو أي قول إلا كاملاً لأنه معصوم، والإنسان بطبيعته كله نقائص، فإذا علم شيئاً جهل بأشياء أخرى، كما إن الشرع إذا صعب على الإنسان الحلال، فإنه تلقائياً سيتوجه إلى الحرام، ولذلك فإن الله يغفر للإنسان الخطأ، الذي ليس عن عمد، بينما المتعمد يعد خاطئاً، لأنه متعمداً للخطأ».
وقد كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها، وتحاسب على جميع أفعالها، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعةً لهم، أو سبباً في التجاوز عنهم، في حين أن هذه الأغلال قد رفعت عن أمة الإسلام، استجابة لدعاء أبنائها، ورحمة من الله بهم، كما بين الله عز وجل ذلك في قوله تعالى: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به»، وقوله سبحانه «وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً».
وأضاف الشيخ عبدالكافي إن «الحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويتجلى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام الشرعية في مختلف أبواب العلم».
وفي هذا الصدد، قال الإمام النووي رحمه الله «هذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة، لو جمعت لبلغت مصنفاً».
وصدق الإمام النووي رحمه الله في ذلك، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين، أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف -وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به- أو ألا يكون عمله مبنياً على القصد والاختيار، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ، وهو ما جاء الحديث ببيانه. فأما الخطأ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء، فيأتي فعله على غير مراده، فهذا قد بينت الشريعة أن الله قد تجاوز عنه، ولم يؤاخذ صاحبه به. ولعل من لطيف الأمثلة في ذلك، ما ذكره البخاري ومسلم في غزوة خيبر، لما تبارز الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات، فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا قتل نفسه فبطل بذلك عمله، فذهب أخوه سلمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له: «مالك ؟»، فقال له: قالوا إن عامراً بطل عمله، فقال: «من قال ذلك؟»، فقال له: نفر من أصحابك، فقال: «كذب أولئك، بل له الأجر مرتين»، ففي هذه الحادثة لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته عليه، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه. وفي ذات السياق، قال الشيخ سليمان الماجد إن «رفع الإثم والحرج عن المخطئ لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق العباد، لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ، كما بين الله تعالى ذلك في قوله: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً»».
وفيما يتعلق بالأمر الثاني وهو النسيان، أوضح الشيخ عبدالكافي أن «النسيان، حسبما بينت الشريعة أنه معفو عنه، ويشهد لذلك قوله تعالى «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا»، ومع ذلك فإن الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقاً، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها متى ما ذكرها، ومن نسي الوضوء ثم صلى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة».
من جانبه، قال الشيخ أحمد النقيب إن «ثالث هذه الأحوال، الإكراه، فقد يكره العبد على فعل شيء لا يريده، وحينئذ لا يقع عليه الإثم أو الحرج، وقد أنزل الله تعالى قوله: «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر، فكانت الآية دليلاً على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك».