الحسكة - (الجزيرة نت): تدخل وحدات حماية الشعب الكردية بقوة إلى المشهد الميداني السوري من بوابة حرق القرى العربية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، وممارسة التطهير العرقي بذريعة أنهم «حاضنة» لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما يقول السكان، لكن الوحدات الكردية تنفي هذه الاتهامات، وتعتبرها «حلقة في مسلسل الترويج للفكر الظلامي، وتشويه سمعتها». ويبدو أن ممارسات حرق المنازل وقتل أهلها وتهجيرهم لم تعد حكرا على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، حيث تشير الشهادات القادمة من محافظة الحسكة السورية إلى أن وحدات الشعب الكردية وحلفاءها يهجرون العرب من قراهم ويحرقون منازلهم. وتفيد شهادات النازحين من القرى التي دخلتها الوحدات الكردية، بارتكاب انتهاكات بحق سكانها، وخاصة في ناحية تل حميس التي تشكل صلة الوصل بين سنجار العراق في الجنوب، والقامشلي السورية في الشمال، ما يكسبها أهمية لدى الأكراد.
جاسم، أحد النازحين من قرية الحنوة بريف الحسكة، يقول إن التحالف الدولي كثف غاراته على المنطقة، لضرب «داعش»، لتبدأ بعد ذلك الجماعات الكردية المسلحة، بالتقدم نحو القرى الحدودية مع العراقية، بين منطقتي تل حميس السورية، وسنجار العراقية. ويتابع أنهم خرجوا «من بلدة جزعة ودخلوا قرية غرناطة، ثم سليمة، وخزاعة، وأحرقوا بيوتها».
وأضاف «فررنا بأرواحنا فقط، خوفاً من أن تلقى قرانا نفس مصير القرى التي اجتاحوها، حيث قتل الرجال وخطفت النساء ونهبت الأموال». وأشار جاسم إلى أن «بعض من بقي في القرى من كبار السن، لحراسة منازلهم ومحاولة تجنب حرقها، أو سرقتها، نزحوا عنها بعد تهديدات أطلقتها مليشيات «قاسم ششو» الإيزيدية لكل الموجودين في قرى تميم، وتغلب، والصغير، وربيعة، وغسان، بأنهم سيواجهون مصير القرى العراقية الحدودية». وقالت إحدى السيدات النازحات، إنها فرت بأولادها من تل حميس، خشية تصفيتهم لأن والدهم كان أحد عناصر الجيش الحر، وقتل قبل أكثر من عام على جبهة القامشلي. وأضافت أن «بيتنا دمر، ولن يرى أولادي المكان الذي تربوا فيه أبداً، وحتى أرضنا يستولي عليها الأكراد بحجة أن زوجي رفع السلاح بوجههم، وأن عوائل قتلاهم لن تقبل بوجودنا في المنطقة التي تحولت إلى كردستان».
بدوره، يروي «أبو عبدالله» -أحد سكان تل حميس- أن تنظيم الدولة أبلغ السكان الثلاثاء الماضي، أنه سيخلي القرى الشرقية، في إشارة إلى اقتراب المعارك إليها، لكن الأهالي بقوا متمسكين بأمل ألا تجتاح المعارك قراهم، ليتفاجؤوا بالتقدم السريع للأكراد ووصولهم إلى القرى المجاورة، بالتزامن مع تواتر الأنباء عن الانتهاكات بالقرى التي دخلتها القوى المهاجمة». وأضاف «توجهنا إلى جنوب الحسكة، وكنا نصادف في طريقنا أشخاصاً فارين من منازلهم، وتابعنا سيرنا على الأقدام إلى الحدود التركية، وعبرنا مع أكثر من 500 عائلة إلى الأراضي التركية».
من جهته، أكد الباحث مهند الكاطع -من أبناء تل حميس- أن «سياسة الأرض المحروقة المتبعة من قبل وحدات حماية الشعب عقب المعارك والتي استمرت، نحو أسبوع، أدت لتهجير سكان القرى العربية، وحرق وتهديم البيوت بذريعة وجود تنظيم الدولة فيها، مؤكداً أن «تلك سياسة ممنهجة لدفع الناس على ترك قراهم قبل الوصول إليها، مما يعني تغييراً ديموغرافياً مقصوداً للمنطقة». وأحرقت القوات الكردية المنازل «انتقاماً لقتلى الوحدات الكردية، الذين سقطوا في يناير 2014، عندما حاولت بالاشتراك مع قوات الرئيس بشار الأسد، اقتحام بلدة تل حميس التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري الحر وقت ذاك» وفق الكاطع.
الناشط علي الحريث -من مدينة الحسكة- يكشف أن «الوحدات الكردية، وميليشيا «الصناديد» والدفاع الوطني اقتحموا القرى وصادروا الأغنام والماشية، وبعض الآليات الزراعية، بحجة أنها لعناصر تنظيم الدولة، وسرقوا محتويات المنازل من برادات وغسالات وأفران. وفي أول رد رسمي من وحدات حماية الشعب الكردية، اعتبر المتحدث باسمها، ريدور خليل، أن الاتهامات الموجهة ضد الوحدات الكردية ترويج للفكر الظلامي، والأكاذيب، والافتراءات، وقلب الحقائق، من أجل الانتصار للإرهاب، وتشويه سمعة الوحدات، على حد قوله.
ونقل موقع «الخبر 24» المقرب من الوحدات الكردية عن خليل قوله «الحملة الأخيرة التي طالت مواقع في تل حميس وتل براك، شهدت مشاركة واسعة من العشائر العربية، ورغم ذلك لم يتوان البعض من الذين شكلوا الحاضنة لـ»داعش» من نشر الأخبار التي تتهم وحداتنا بحرق منازل المدنيين».
وحققت قوات النظام ووحدات حماية الشعب الكردية تقدماً واضحاً على حساب تنظيم الدولة الإسلامية، الذي خسر أهم معاقله في الريف الشمالي لمحافظة الحسكة السورية، في وقت تسببت المعارك بموجة نزوح ضخمة أفرغت المنطقة من السكان.
ويعتبر هذا التقدم نحو معاقل تنظيم الدولة أهم تحول في الحسكة منذ سنتين، كما تعتبر موجة النزوح هي الأكبر منذ اندلاع الثورة السورية.