كتب – أحمد الجناحي:
لايزال صوت قرعه الطبل يصل لآذان الناس، وهو ينادي بأعلى صوته « اصحى يا نايم .. وحد الدايم .. وقول نويت .. بكره ان حييت .. الشهر صايم .. والفجر قايم .. اصحى يا نايم .. وحد الرزاق .. رمضان كريم .. اصحى يانايم وحد الدايم .. السعي للصوم خير من النوم .. اصحى يانايم اصحى يانايم .. وحد الرزاق»، ليوقظ في الناس عادات قديمة توارثتها الأجيال.
المسحر، يوقظ الناس لتناول السحور، مقابل أجر ينفحه إياه الناس على قدر ميزانيتهم، يجوب في الهزيع الأخير من الليل «الدواعيس» حول البيوت، منشدا « لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. سحور يا عباد الله .. قعدوا تسحورا يا عبيد الله .. قعدوا تسحروا يرحمكم الله»، وينادي أحيانا الناس بأسمائهم « يا فلان سحور يرحمك الله»، وأحياناً يضرب الأبواب بقوه يتوقعها أصحابه، ليوقظ رب الأسرة وسيدته الأبناء للسحور.
يقول أحمد البسام: وجود المسحر أمر ضروري، فهو يعكس تراثاً أصيلاُ، وشخصيا أشجع أبنائي على مشاهدته، وأرغبهم في القيام بعمله.
أما محمد صالح فيتذكر أن «المسحر كان يمر بكل بيت، وينادي بأسماء من فيه، وهناك من يزعل حين ينسى ذكـر اسمه، وعادة ما يكون المسحر بصحبة الأطفــال والشباب يرددون ما يقول في ســــــــعادة».
غيـــــــــــــر أن أم سـارة لا تلمس أثــــــراً يذكر للمسحر، إذ إن أغلب الناس يسهرون للفجر، «لقد تلاشى حضور المسحر، نتيجة المدنية الصاخبة، انقطع بالفعل في معظم القرى والمدن، ولا نسمع صوته إلا وارتسمت ذكرى طيبة على شفاهنا، صار مجرد تراث، ومع ذلك يجب أن نحافظ على وجوده فهو جزء من تاريخ البحرين».
ونقرأ في المأثورات الخاصة بالمسحر أنه يحفظ العديد من الأناشيد، وهو في الغالب ذو صوت جهوريا عذب، ويزور المسحر بعد الفطور المجالس ويقدم له ما تجود به الأيادي من طعام وبعض القروش يعيش بها، وفي أيام العيد يعطى اكراميه على مجهوده طوال الشهر الفضيل.
ويذكر المؤرخون أن المسحر ولد العام 238 هـ عندما لاحظ والي مصر، عتبة بن إسحاق أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، فتطوع لتنفيذ هذه المهمة وقت السحر بالطواف على بيوت الفسطاط بالقاهرة على قدميه منادياً الناس: ''عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة''. وفي عصر الدولة الفاطمية، أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا الأبواب لإيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين رجل للقيام بمهمة المسحر الذي كان يدق أبواب البيوت بعصا تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة، ترافقها العصا السابقة للدق على الأبواب.
ومن مصر انطلق ''المسحر'' إلى العالم الإسلامي، ففي البحرين يخرج '' المسحر '' وفي الكويت يخرج ''أبو طبيلة'' للتسحير برفقة أولاده مرددين بمعيته بعض الأدعية، وفي المغرب العربي يقوم المسحر بدق الباب بعصاه ليوقظ النائمين. أما الكاميـرون فتخـــرج جماعـة المسحرين التـي يتـــــراوح عددهــــا بيــــن 10 و15 فـــــرداً حامليـن الطبول الإفــــــــريقية لإيقـاظ السكــان المسلمين.