أكد برلمانيون وتربويون وأكاديميون، أن المرأة البحرينية تفوقت على أقرانها بدول الجوار واحتلت مواقع الريادة على المستويات المحلية والإقليمية، بفضل فتح أبواب التعليم النظامي أمامها في وقت مبكر منذ عام 1928.
وقال البرلمانيون والأكاديميون إن التعليم فتح أمام المرأة البحرينية نوافذ العلم والثقافة، داعين إلى التركيز على محور «المرأة والتعليم» كأساس لتعزيز مساهمة المرأة البحرينية في بناء مجتمعها، وتمكينها من أداء الدور المنوط بها.
وأشاد هؤلاء بمبادرة المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى، في تنظيم «الملتقى الأول للمرأة والتعليم»، وما صدر عن الملتقى من توصيات، من شأنها الإسهام في تفعيل دور التعليم بترسيخ الاتجاهات الإيجابية نحو المرأة البحرينية، ونشر ثقافة تكافؤ الفرص لدى الناشئة. وأضافوا أن 52% من كوادر «التربية» نساء ويشغلن 46% من الوظائف القيادية، لافتاً إلى أن نسبة المعلمات بالمدارس الحكومية 61% مقابل 39% للمعلمين.
تعليم الفتيات بالخارج
وقال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، إن البحرين كانت سباقة على مستوى المنطقة في مجال التعليم للجنسين، بسبب الانفتاح الفكري والثقافي على مختلف الحضارات، ما أسهم في ظهور رجالات ونساء تميزوا على الدوام بمختلف مجالات العلم والفكر والاقتصاد والسياسة وغيرها. وأوضح أن بدء تعليم المرأة في فترة مبكرة في البحرين، أسهم لاحقاً في تقبل المجتمع لإرسال الفتيات للدراسة في الخارج منذ الثلاثينات والأربعينات، وهو أمر سبقت فيه البحرين الكثير من الدول، فيما مازالت هناك مجتمعات تستهجنه حتى اليوم.
وأضاف «كان إقبال المرأة البحرينية على التعليم غير متوقع مع بدء التعليم النظامي الحكومي في أول مدرسة للبنات عام 1928، شجعها على ذلك انفتاح المجتمع البحريني على مختلف الحضارات والثقافات منذ الأزل».
وأكد أن حصول المرأة على نصيبها من التعليم، أسهم في تغيير نمط حياتها وتفكيرها، وأخذت تحقق مكاسب كثيرة أهمها مزاولة بعض المهن المتوفرة آنذاك، وبمقدمتها مهنتا التدريس والتمريض، وطورت من مكانتها في عقد الخمسينات من القرن العشرين بتأسيس الأندية والجمعيات النسائية. وأشار فخرو إلى تسارع دخول المرأة البحرينية مختلف أنواع الوظائف والمهن بفضل انتشار المدارس والمعاهد والجامعات، وأصبحت المرأة البحرينية تعمل في جميع المجالات جنباً إلى جنب مع الرجل، إذ عملت في وزارات الدولة ومؤسساتها، وفي البنوك والمؤسسات المالية المختلفة، وفي المصانع والفنادق والشرطة. وأردف «اليوم نرى المرأة زميلتنا في مجلسي النواب والشورى على رأس هرم السلطة التشريعية، وباتت المرأة البحرينية بفضل طموحها ودراستها العالية وزيرة وطبيبة ومهندسة وأستاذة جامعية ومحامية وصحافية وسيدة أعمال».
وواصلت «ربما الأهم من ذلك كله أن التعليم المبكر للمرأة في البحرين أتاح لجميع النساء البحرينيات إدراك أهمية التعليم، ووجدناهن على الدوام حريصات على تعليم أبنائهن ذكوراً وإناثاً، وتشجيهم على نيل أعلى الشهادات».
التعليم الصناعي للمرأة
من جانبها نبهت النائب رؤى الحايكي، إلى أهمية الملتقى الأول للمرأة والتعليم المنظم من قبل المجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، في وضع مسيرة تعليم المرأة البحرينية على الطريق القويم، معتبرة تعزيز الرابط بين «المرأة والتعليم»، ركيزة أساسية لتوثيق الرابط بين «المرأة والعمل»، و»المرأة والإعلام» وغيرها من المجالات. وقالت إن المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحب السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة العاهل المفدى، منح قضية تعليم المرأة أهمية قصوى عندما اختاره عام 2008 شعاراً لأول يوم من سلسلة أيام المرأة البحرينية، بمناسبة مرور 80 عاماً على دخول التعليم النظامي للمرأة في البحرين.
وأضافت أن شعار يوم المرأة البحرينية «قرأت.. تعلمت.. شاركت» يجسد في كلماته الثلاث أهمية تعليم المرأة، وأن هذا التعليم يعد الانطلاقة الحقيقية لنهوضها وتعزيز مساهمتها في عملية التنمية الوطنية الشاملة.
وتطرقت إلى أن أحد بنود برنامجها الانتخابي ركز على النهوض بواقع التعليم والتعليم الصناعي للمرأة، عبر زيادة نسبة عدد النساء في الأعمال الصناعية، وفتح مجال التعليم الصناعي أمامهن، واستثمار المدارس الصناعية المخصصة حالياً للذكور في الفترة المسائية لتعليم الإناث وطرح مناهج مخصصة لهن. وقالت إنه رغم قدم وعراقة التعليم الصناعي الذي انطلق عام 1936 في البحرين، لتكون سباقة على مستوى الخليج العربي، إلا أن المرأة مازالت غير منخرطة في هذا التعليم كما يجب. ودعت الحايكي إلى تجاوز الصعوبات بوجه ولوج المزيد من الفتيات للتعليم الصناعي، وخاصة الأفكار الموروثة التي تنمط المرأة في مهن معينة، وساهمت في الحد من إقبال المرأة على الانخراط في العمل بالمرافق الصناعية على نحو خاص، والاعتماد على العمالة الوافدة، وقيود أخرى اجتماعية أسرية تعوق عمل المرأة في القطاع.
وقال إن المرأة في البحرين أثبتت منذ بدء التاريخ نجاحها في بعض الحرف البسيطة، وكانت تعتبر مورد رزق تكميلي للأسرة آنذاك مثل الغوص والزراعة، لافتة إلى أن ولوج المرأة إلى قطاع العمل بكل وظائفه والمشاركة في عملية التنمية هو واجب وطني، وله الكثير من المردودات الإيجابية اجتماعياً واقتصادياً، ويعزز من نهوض البحرين بنهوض كل أفرادها.
مبدأ تكافؤ الفرص
بدورها أكدت المشرفة التربوية بوزارة التربية مها المنصور، أهمية ملتقى «المرأة والتعليم» في نشر ثقافة تكافؤ الفرص بين أوساط الطلبة خاصة في الحلقة الأولى، لافتة إلى أن هذه الثقافة لا يتم التركيز عليها حالياً بشكل منهجي ومستمر.
وعدت الملتقى فرصة غير مسبوقة على مستوى البحرين في مجال اطلاع العاملين في الحقل التربوي على أهمية مبادئ يسعى المجلس الأعلى للمرأة لتكريسها لدى مختلف الشرائح، خاصة لدى الطلبة في المراحل الأولى، وبما يضمن بناء جيل واعٍ بمصطلحات تكافؤ الفرص وإدماج احتياجات المرأة في التنمية وغيرها. ونبهت إلى أن زرع ثقافة احترام الجنس الآخر لدى الناشئة، ونشر مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات، من شأنه أن يجهز لجيل يسهم جميعه، رجالاً ونساء، في بناء مجتمعه، وفتح المزيد من الآفاق أمام المرأة للمشاركة في تطوير البحرين وتنميتها، في جو من التشجيع والاحترام من قبل الرجل، أباً وأخاً وزوجاً ومديراً وزميلاً في العمل.
وأوضحت المنصور أن التعليم فتح أمام المرأة البحرينية منذ القدم نوافذ العلم والثقافة، ومكنها من تحقيق مكانة مميزة على مستوى المنطقة، وحققت مكاسب نوعية وأصبحت في مراكز قيادية تضطلع بأدوار كبيرة في مختلف القطاعات.
تعزيز وعي منسوبي «التربية»
وأكدت عائشة ياسين مديرة مدرسة ثانوية، أهمية ملتقى «المرأة والتعليم» ليس في نشر ثقافة تكافؤ الفرص بين الطلبة وعبر المناهج الدراسية فقط، وإنما في تعزيز هذا المبدأ في قضايا البعثات العلمية التي ربما تميل الكفة فيها حالياً لصالح الطلبة على حساب الطالبات.
وأشارت ياسين إلى أهمية الملتقى في نشر ثقافة تكافؤ الفرص بين منسوبي وزارة التربية أنفسهم، خاصة أن الإحصاءات الرسمية بشأن ثقل المرأة في وزارة التربية والتعليم، تؤكد أهمية تنمية الكادر النسائي في المؤسسة التربوية والتعليمية، إذ تشكل المرأة أكثر من 52% من إجمالي عدد الموظفين العاملين بالوزارة، وتشغل 46% من الوظائف القيادية والمناصب رفيعة المستوى بالوزارة، وتتجاوز نسبة المعلمات في المدارس الحكومية 61% من إجمالي عدد المعلمين.
وأعربت عن أملها أن يجري تنفيذ توصيات الملتقى بالسرعة الممكنة، خاصة من قبل المشرعين في مجلسي النواب والشورى، بما يسهم في تحقيق مزيد من المكاسب للمرأة البحرينية في المؤسسة التربوية والتعليمية.
ودعت لمتابعة التوصيات عبر عقد المزيد من الملتقيات وورش العمل، وتسليط الضوء على الجهود البحرينية المخلصة في سبيل تعزيز حق المرأة في التعليم، خاصة أن المرأة البحرينية نجحت بريادتها في الحصول على حق التعليم النظامي منذ أكثر من 88 عاماً، بفضل الوعي المجتمعي والدعم الرسمي لإحراز هذا الحق، ما أسهم في إدماج المرأة بالمجتمع ومختلف مجالاته المهنية.
شهادة عليا واحدة لا تكفي
وأوضحت الإعلامية إيمان مرهون، أن التعليم المبكر للمرأة في البحرين أتاح لها مستقبلاً دخول مجالات كانت تعتبر من المحظورات في مجتمعات أخرى مثل الإعلام.
واستشهدت بالإعلامية الراحلة كريمة الزيداني التي دخلت مجال الإعلام التلفزيوني منذ عام 1973، واستطاعت فرض حضورها وتقبل المجتمع لها بل وتشجيع المزيد من الإعلاميات على الظهور أمام الكاميرا.
وأشارت مرهون إلى أن مجانية التعليم وإتاحته للجميع دون تمييز أسهم بشكل كبير في نهضة تعيشها البحرين حالياً، وقالت «بينما لا تملك البحرين الثروات الطبيعية الموجودة لدى جيرانها من نفط وغاز، إلا أنها تملك ما هو أثمن بكثير، ألا هو العنصر البشري المثقف والمدرب والمؤهل، ذكراً كان أم أنثى».
وأضافت «بدأ التعليم النظامي للذكور في البحرين عام 1919، ولم تنقض أكثر من 9 سنوات حتى بدأ التعليم النظامي للإناث أيضاً، وهذا دليل على وعي البحرينيين قيادة وشعباً منذ القدم ليس لأهمية التعليم فقط، وإنما لأهمية شموله لجميع أفراد المجتمع دون قيود». وأشارت مرهون إلى أن المرأة البحرينية تبدي حرصاً أكبر من الرجل على نيل الشهادات العليا، وكثير من النساء لا تكتفي بماجستير واحد أو حتى درجة دكتوراه واحدة.
وقالت «تدرك المرأة البحرينية أن عليها فعل الكثير حتى تصل لمواقع المسؤولية وصنع القرار العليا في مؤسسات القطاعين العام والخاص، وتجد أن المزيد من التعليم والثقافة والشهادات العليا وسيلتها لذلك».
700 بحث نسائي
من جانبها، قالت الأستاذة في جامعة البحرين سماء الهاشمي، إن المرأة البحرينية دخلت مجالات التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد منذ وقت مبكر، وقدمت مساهمات عدة في جميع المجالات، إذ تبوأت منصب الوزيرة والرئيسة ورائدة الأعمال وغيرها من المواقع ا?دارية في الجهات الحكومية والخاصة.
وأضافت «نجد اليوم أن المرأة البحرينية وبكل جدارة وضعت لها موطئ قدم ثابت ومتقدم، وظل تواجدها مستمراً عبر انخراطها في جميع المجالات والقطاعات، ولم يعد ينحصر دورها في مجالات محددة أو محدودة، ويعود ذلك إلى جهودها الواضحة لتحدي واجتياز جميع العراقيل والحواجز المجتمعية التي تواجه المرأة الخليجية أو العربية بشكل عام، وتحول دون مشاركتها الفاعلة في تطوير المجتمع، والوصول به إلى الحداثة المأمولة».
ونوهت الهاشمي بالدور الفاعل للمرأة البحرينية في كتابة البحوث الأكاديمية، من خلالها نالت درجات الماجستير والدكتوراه من جامعات محلية وعربية وأجنبية، حيث بلغ عدد الرسائل الجامعية أكثر من 700 رسالة جامعية، غطت موضوعات التاريخ والأدب والتربية والعلوم والدين والفلسفة وغيرها.