د . جاسم المناعي*
ينعقد بعد غد الجمعة مؤتمر شرم الشيخ المخصص لدعم جهود مصر في التنمية والتطور الاقتصادي. وستكون الآمال بالطبع معلقة على ما يمكن أن يثمر عن هذا المؤتمر من نتائج من شأنها تحقيق نقلة نوعية في أداء الاقتصاد المصري وتحقيق تحسن واضح في مستوى معيشة المواطن المصري ورفع المعاناة عن كاهل الطبقات الفقيرة ودعم مسيرة مصر في تحقيق الاستقرار لبلد تتوفر لديه كل مقومات النهضة والتقدم الاقتصادي.
لا ننسى أن تاريخ مصر حافل بالسجلات المضيئة، فحتى إلى وقت قريب لا يتجاوز الخمسين أو الستين سنة كانت مصر تقرض بريطانيا حيث كانت بريطانيا تشترى القطن من مصر في ذلك الوقت عن طريق الدين.
مصر كانت في ذلك الوقت تتمتع بدخل فردي يفوق دخل الفرد في كوريا الجنوبية. كان لمصر في ذلك الوقت قطاع خاص متطور ازدهرت أعماله من خلال إنشاء الشركات التي اشتهرت بجودة منتجاتها هذا إضافة إلى التقدم والنشاط الكبير للبورصات المصرية في كل من القاهرة والإسكندرية.
مازالت لمصر الإمكانيات المادية والبشرية الكبيرة التي من شأنها إحياء النهضة الاقتصادية المنشودة سواء على صعيد المنطقة أو حتى على صعيد العالم .لقد مرت مصر خلال الخمسين سنة الماضية بظروف غير مواتية لم توفق خلالها بتحقيق الأداء الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، حيث طغت سيطرة القطاع العام وتوسع كثيراً على حساب القطاع الخاص الذي جرى تهميشه إلى حد كبير، كما أن الطبقة المتوسطة التي كانت مزدهرة في يوم ما قد انكمشت إذا لم تكن قد اختفت تماماً ولم يعد هناك إلا طبقتان فقط الأولى تمثل قلة من الأثرياء الذين استغنوا حديثاً من خلال دعم أو مشاركة المعنيين في القطاع العام والثانية طبقة كبيرة تمثل غالبية الشعب من الفقراء والمعدومين الذين ليس لهم لا حول ولا قوة حيث أصبحوا فريسة سهلة للتيارات السياسية المتطرفة.
إن إعادة إحياء وإنعاش الوضع الاقتصادي لا تقل أهمية عن الإجراءات الأمنية في تحقيق الأمن والاستقرار الذي تحتاجه مصر. لكن مع ذلك لا ينبغي النظر إلى مؤتمر شرم الشيخ على أنه المنقذ أو الحل السحري لمشاكل مصر الاقتصادية.
إن مؤتمر شرم الشيخ لا يعدو كونه مناسبة أو تظاهرة للتعبير عن تضامن ودعم المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية لجهود مصر في التنمية الاقتصادية. ولكن حتى تستفيد مصر حقاً من هذه التظاهرة ينبغي للأطراف الأساسية المعنية بهذا المؤتمر سواء الدول المانحة أو المؤسسات الدولية أو السلطات المصرية أن تقوم كل منها بالدور الفاعل بما يتعدى المجاملة السياسية أو الوعود غير القابلة للتحقيق.
أولاً على صعيد الدول المانحة فإنه باستثناء دول الخليج التي قدمت ولاتزال تقدم الكثير من أجل دعم مصر فإن الدول الغربية والدول المتقدمة بشكل عام لم تكن مواقفها حتى الآن حسبما هو متوقع.
إن تجربة مبادرة دوفيل كانت إلى حد كبير مخيبة للآمال حيث إن دول ما يسمى بالربيع العربي قد تم وعدها في بداية هذه المبادرة بمبلغ 25 مليار دولار ما لبث هذا المبلغ وأن ارتفع بعد بضعة أشهر من خلال مؤتمر عقد في مرسليا جنوب فرنسا والذي أعرب فيه أصحاب المبادرة عن استعدادهم لتقديم 38 مليار دولار لدول الربيع العربي. وقد توالت الاجتماعات لمبادرة دوفيل بعد ذلك إلا أنه في نهاية المطاف انتهت هذه المبادرة بمبلغ أقل من 250 مليون دولار تصرف على المؤسسات الدولية التي تقدم معونات فنية لدول الربيع العربي. لذلك لابد أن تتوفر المصداقية في مواقف الدول الغربية المانحة حيث من الأفضل عدم تقديم الوعود أو الإعلان عن أية التزامات مالية ما لم تكن قابلة للتحقيق.
ثانياً على صعيد المؤسسات الدولية والتي من واجبها أصلاً دعم دولة عضو مثل مصر في هذه الظروف فالحل هو أولاً ألا تكون الاعتبارات السياسية لها تأثير في مواقف هذه المؤسسات من طبيعة وحجم الدعم المطلوب، حيث إن الدول الكبرى المساهمة في هذه المؤسسات عادة ما تعبر عن مواقفها تجاه نوع وحجم تدخل هذه المؤسسات وفقاً لمدى انسجامها السياسي مع الدولة المعنية بالدعم. ثانياً وفي غالب الأحيان تكون المؤسسات الدولية تتبع وصفات علاجية نمطية موحدة بغض النظر عن اختلاف طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للدولة المعنية بالدعم الأمر الذي لا يضمن ملاءمة العلاج لمشاكل هذه الدولة هذا إذا لم يأت هذا العلاج بنتائج عكسية أو يؤدي إلى آثار جانبية.
ثالثاً وبالإضافة إلى دور الدول المانحة والمؤسسات الدولية فإن الدور المصري يبقى في اعتقادي هو العامل الحاسم لقضية مدى استفادة مصر من هذه التظاهرة ومدى قدرة مصر على معالجة مشاكلها الاقتصادية وتحقيق أهدافها في النمو والتطور والازدهار. إن مصر لا تحتاج إلى نصائح في هذا الشأن، حيث إن لديها من الاقتصاديين ما يمكنها من تشخيص طبيعة الاختلالات المالية والاقتصادية وتقديم نوع العلاج المطلوب، حيث إنه حتى نصائح المؤسسات الدولية تأتي في كثير من الأحيان من خلال خبراء مصريين. لكن بالتأكيد يقع العبء الأكبر مع ذلك على مصر في تغيير الأوضاع الاقتصادية الحالية.
إن الاهتمام ينبغي أن ينصب على إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتبعة وليس فقط على معالجة نتائج هذه السياسات من عجز الموازنة أو ارتفاع الدين العام أو تفاقم مستوى التضخم. هذه المؤشرات ما هي إلا محصلة وتحصيل حاصل لسياسات اقتصادية لم تكن موفقة.
مازال الوقت غير متأخر لمصر لإعادة التفكير في النموذج الاقتصادي الأكثر ملاءمة لظروفها الاقتصادية والاجتماعية. إن هيمنة القطاع العام وتفشي البيروقراطية لا يخدم مصر في تحقيق التقدم الاقتصادي المنشود.
لذا من الضرورة بمكان تحجيم دور المؤسسات العامة وتوفير متنفس أكبر لدور القطاع الخاص. إن تحسين مناخ الاستثمار ينبغي أيضاً أن يحظى بأولوية في السياسة الاقتصادية الجديدة إضافة إلى الحرص على أن يكون النمو الاقتصادي ليس فقط مجرد أرقام ولكن التأكيد على أن يكون نمواً يشمل جميع الطبقات الاجتماعية وأن يوفر فرصاً كافية من العمل التي تنتظرها أعداد هائلة من العاطلين.
إن إشراك مختلف فئات المجتمع في ثمار التنمية لا يمثل هدفاً اقتصادياً فقط، ولكن يمثل في نفس الوقت شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة والسلم الاجتماعي والأمان والاستقرار للمجتمع المصري. هل يكون مؤتمر شرم الشيخ منعطفاً وفارقاً كبيراً في مسيرة مصر الاقتصادية؟ هذا ما نتطلع إليه وهذا ما نتمناه.
الرئيس السابق لصندوق النقد العربي