يقول الداعية الإسلامي الشيخ عمر عبدالكافي: «كلمة الفقه في اللغة العربية معناها، الفهم الدقيق، وإذا نظرت لتقدم دول، وتأخر أخرى، ستجد أن الذي جعل هذه تتقدم والثانية تتدهور أو تتعثر إنما يرجع إلى قضية الفهم الدقيق لطبيعة المسؤولية بالنسبة للطراز الأول، وهو العالم المتقدم، وعدم وضوح أي نوع من فهم للمسؤولية عند الفريق الآخر وهو ما يسمي بالعالم الثالث! ولو نظرنا في تاريخ المسلمين المشرف، لرأينا رجلاً كأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فهمه الدقيق لمسؤولية الإنسان عندما يتولي المهام الكبيرة.وجدنا عمر يرسل إلى معيقيب، أحد عماله في بيت المال، وقت الظهيرة، وعند عمر، ولده عاصم بن عمر، فيقول عمر لمعيقيب: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق، فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً وسيفاً محلى، فقال عاصم: ما فعلت هذا، وإنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا، فقال عمر: خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال.ولن ننسى أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، زوج عمر، لما أرسلت إلى ملكة الروم بطيب، ومشارب، فجاءت امرأة قيصر، وجمعت نساءها، وقالت هذه هدية امرأة ملك العرب، وبنت نبيهم، فأهدت إلى أم كلثوم عقداً فاخراً، فلما انتهى البريد إلى عمر، دعا الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين، وقال: لا خير في أمر أبرم من غير شورى من أموري، قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم، فقال قائلون: هو لها بالذي لها، ولكن عمر أمر برد هدية زوجة ملك الروم إلى بيت المال، ورد على أم كلثوم بقدر نفقتها، هكذا كان فقه المسؤولية عند عمر. وهذه بعض المواقف التي تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة، ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، و لو أن عمر أرخى العنان لنفسه، أو لأهل بيته، لرتعوا ولرتع من بعدهم، وكان مال الله تعالى حبساً على أولياء الأمور.ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة اتسع الفتق على الراتق، واختل بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح، وجهر المستتر بالخيانة وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس، زاهداً في حقوقهم، دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا كان حاكماً حدبوا عليه، وأخلصوا في طاعته، وكان أكرم عليهم من أنفسهم.
970x90
970x90