بقلم الشيخ محمد سعيد العرادي:
أنا جئت إلى صحيفة الوطن للدفاع عن كادر الأئمة وعن نفسي في ما طرحه محسن العصفور رئيس الأوقاف الجعفرية في صحيفة الوطن يوم الاثنين 15 فبراير 2015، حيث إنه قال تم إعداد تقرير شامل عن انضباط أئمة المساجد، انكشف خلاله أن هناك أئمة يستلمون رواتب وهم خارج البحرين، وأن العجز البالغ 5 ملايين دينار تم صرفه على أئمة يسكنون خارج المملكة، بل إن بعضهم غير منضبط، وملاحق أمنياً أو مصاب بشلل وهو عاجز، وقال إن العجز المالي والإداري للأوقاف مستمر نظراً لارتفاع المديونية مع محدودية الموارد، فضلاً لوجود فساد في كادر الأئمة قبل أن يتم تعديله، فأنا أردت الدفاع عن كادر الأئمة، وأفند ما قاله العصفور، ولأجل ذلك لابد من كتابة مقدمة نستهل بها الحديث.
في البدء، أقول إنه قد ثبت في الفقه الإسلامي أن بيت المال وهو الخزينة الوطنية للدولة في المصطلح المعاصر هو المتكفل برزق القاضي والمؤذن ومعلم الآداب والسنن، لأن هذه الأصناف من الناس تقوم بخدمات للمجتمع ولتقوية دعائم الدين وأركان المسلمين، ومن أحد مصاديق معلم الآداب والسنن هم علماء الدين فهم يقومون بالوعظ والإرشاد والتوجيه وحل المشاكل والنزاعات الأسرية، والتحقيق في مجال الفكر والتأليف. والإجابة على المسائل الشرعية والاستفتاءات الفقهية ومن جملة النشاطات هو التصدي لإمامة الجماعة، ومن هذا المنطلق تم تأسيس كادر الأئمة والمؤذنين، فهذا الراتب الذي يعطى لعلماء الدين هو لأجل هذه الخدمات التي يقومون بها وليس في مقابل أداء الصلاة الواجبة كجماعة، ولقد ذهب أغلب المحققين في فقه الإمامية إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على أداء الصلاة الواجبة، وعليه فهذا المبلغ الذي يتقاضاه العلماء ليس في مقابل ذلك، ولكن لأجل تكريمهم وتوفير أرزاقهم وما يتبلغون به من معيشتهم، وقد أسس كادر الأئمة على هذا الأساس، والذي أسس الكادر هو سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة لما كان وزيراً للعدل والشؤون الإسلامية، وبعدها أصبح رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وقبل تأسيس الكادر، كان سمو الشيخ عبدالله بن خالد يصرف لعلماء الدين مبالغ شهرية تتراوح بين 300 دينار و500 دينار، بأمر من سمو رئيس الوزراء، ولما تأسس الكادر اقترح سمو لشيخ عبدالله على هؤلاء العلماء أن ينضموا للكادر، ولما انضموا للكادر قطع عنهم المبلغ الشهري لأنه قد توفر لهم المبلغ المطلوب عن طريق الكادر، فلا حاجة لإعطائهم من طرفه، وقد تم توجيه الأوقاف الجعفرية في وقتها إلى أن هذا المبلغ يصرف لعلماء الدين تكريماً لهم ودعماً لهم، ومن باب توفير أرزاقهم ليقوموا بنشاطهم على أحسن وجه وليس في مقابل أداء صلاة الجماعة لأنه لا يجوز أخذ الأجرة عليها.
وفعلاً خلال هذه السنين أي من 2006 – 2014 تم صرف هذا المبلغ على هذا الأساس، وكل الرؤساء للأوقاف الجعفرية الذين توالوا على منصب الرئاسة تعاملوا على هذا الأساس، إلى أن جاء هذا الرئيس الفعلي أي محسن العصفور، وبدأ يتعامل مع الكادر على أنه موظف في مقابل أداء صلاة الجماعة، فإذا لم يؤد صلاة الجماعة فهو لا يستحق هذا الراتب، وأخذ يتصيد فترات غياب الأئمة في السنوات السابقة أي قبل مجيئه كرئيس، فكل من تغيب لفترة شهر أو شهرين بعث له رسالة يهدده فيها بالفصل إن لم يقدم عذراً، والحال أن كل هؤلاء الأئمة لهم حق في الإجازات السنوية فهم يستطيعون الاستفادة من هذه الإجازات، ولكن لأن تعامل الأئمة مع الكادر لم يكن أساساً مبنياً على كونهم موظفين وضمن شروط للدخول والخروج في ميدان أعمالهم، ولما تم تسجيلهم في الكادر لم تملَ عليهم شروط معينة في أي ساعة يلزم الحضور وفي أي ساعة يلزم المغادرة، فكان التسجيل مجرد تسجيل صوري، والمطلوب هو اسم المسجد الذي يصلي فيه عالم الدين وبطاقته السكانية، وشهادته العلمية ولم تكن هناك شروط معينة ملزمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عندما أسس الكادر واجهته حملات دعائية وإعلامية من قبل المجلس العلمائي و بعض المشايخ المحسوبين عليه سامحهم الله، وبدأت حملات التشويه وترويج التهم الباطلة ضمن كادر الأئمة وأن هؤلاء فسقة ولا يجوز الصلاة خلفهم، وأن هدف الدولة من تأسيس الكادر هو الهيمنة على المساجد، وإن كان هذا الاجتهاد لا يصمد أمام الدليل العلمي فلقد أفتى أغلب فقهاء الشيعة على جواز أخذ هذا الراتب للمحتاج إذا لم يكن فيه وهن للدين وتشخيص ذلك على المكلف نفسه وهو من يأخذ الراتب من العلماء وقد كتب فضيلة العلامة الشيخ أحمد الماحوزي كتاباً اسمه كادر الأئمة أشبع فيه البحث الاستدلالي الفقهي على جواز أخذ هذا الراتب.
وبدأت هذه الحملة ضد أفراد الكادر وخصوصاً أئمة الكادر وليس المؤذنين، فهذه الحملات أدت إلى تضعيف أئمة الكادر وسلب الثقة منهم، مما أدى إلى مقاطعتهم وعدم الصلاة خلفهم فبعض من الأئمة كان يصلي في المسجد ولم يكن من المأمومين خلفه إلا اثنان أو ثلاثة والبقية يصلون فرادى.
وفي بعض المساجد كالمسجد الذي أصلي فيه وهو مسجد الإمام علي عليه السلام في منطقة سلماباد، تفاجأت بأن شخصاً يصلي مكاني كإمام مع أني مسجل فيه بشكل رسمي. وقد أخبرت إدارة الأوقاف بذلك ولكن لم تحرك ساكناً في عهد الرؤساء السابقين، فبدأت أبحث عن مسجد آخر في المنطقة التي أسكن فيها، وهي إسكان سلماباد حيث كان هناك مسجد الغدير وبدأت أصلي فيه كجماعة، وبعد فترة من الصلاة فيه طلب مني بعض الجماعة المحسوبين على خط المجلس العلمائي بأن يأتوا بشخص اسمه شيخ علي رحمة ليصلي بهم في أحد الليالي، فقبلت بذلك ورحبت بهذا الطلب وقلت لا بأس بمشاركة العلماء، وعلى حسب رغبة الجماعة، وهدفنا هو توحيد صفوف المؤمنين، ولم شملهم وهذا أمر حسن، وفعلاً جاء شيخ علي رحمة وصلى بهم ثم طلبوا مني أن يشارك بعض مشايخ المنطقة وقبلت بذلك ورحبت به فقلنا لا بأس بذلك ليتبارك علماء المنطقة، وليشاركوا في أخذ ثواب صلاة الجماعة، وكانت لهم ليال مخصصة للصلاة في المسجد، فتوزعت الليالي بين خمسة من المشايخ طوال الأسبوع، وكنت أنا الوحيد بينهم أصلي ليلة الجمعة وفريضة الفجر، وهكذا تم التنسيق بين المشايخ حتى إذا سافرت عينت محلي من يصلي مكاني لكي لا يبقى المسجد خالياً من صلاة الجماعة، وهكذا بعض الأئمة الذين هم في الخارج قد نسقوا مع بعض المشايخ ليقيموا الصلاة مكانهم ولا ضير في ذلك، وهناك من الأئمة من هدمت مساجدهم فهم معذورون، فهل يصح إطلاق لفظ إني غير منضبط لكي يحاسبني محسن العصفور على عدم حضوري لإقامة صلاة الجماعة؟ وهل يصح أن أفرض نفسي على الجماعة إذا كانوا يرغبون في إقامة الصلاة كجماعة مع عدة من العلماء؟ طبعاً لا يصح فليس هناك موازين وتعهدات خاصة وصيغة عمل متفق عليها في هذا المورد أخذت على عاتق كادر الأئمة من بداية تسجيلهم في الجماعة، وهذا من خصائص مدرسة أهل البيت، ونحن لا نريد لإدارة الأوقاف أن تنحى أسلوب الهيمنة على المساجد، فهذا كان مبرر المجلس العلمائي.
وبدأت الفتنة تدب بين أوساط المؤمنين فمنهم من يوافق المجلس العلمائي ومنهم لا يوافق، فبدأت صلاة الجماعة تضعف، وليس من الصحيح تضعيف إمام الجماعة وتوهينه، ولما رأى بعض الأئمة ذلك، حيث أن بعضهم أخذ يصلي لوحده في المحراب، وهذا فيه من الحرج الذي لا يتحمل عادة، أخذ يتجه إلى اعتزال صلاة الجماعة، حيث سالبه بانتفاء الموضوع كما ثبت في علم المنطق، وفي فقه الإمامية لا يصح حمل الناس بالإكراه على صلاة الجماعة، ولا تقبل صلاة إمام والجماعة له كارهون، ولا يمكن حمل الناس بالقوة على صلاة الجماعة. وهذه من أقوى العوامل التي أضعفت كادر الأئمة ولكن استمر راتب الإمام لكونه عالماً دينياً يمارس دوره في المجتمع من وعظ وإرشاد وحل مشاكل الناس وإبرام عقود الزواج وإصلاح ذات البين، وتحقيق وتأليف، فهذه هي فلسفة كادر الأئمة، والحال أن المبلغ الذي يعطى للإمام هو مبلغ رمزي ومتواضع ولا يتناسب مع تضخم السوق، فالمبلغ هو 485 دينار، والمفروض في مثل دولة البحرين أن يصرف لعالم الدين حد أقل ألفين دينار كما هو المعمول به في بعض دول الخليج وعالم الدين هو يعتبر قيادة دينية لها تأثيرها في المجتمع فلا يقل عن القاضي وعضو مجلس الشورى والنواب رتبة وهناك مفارقة أن كادر الأئمة عند أهل السنة والجماعة خاضع للدرجات العلمية لمستوى أفراد الكادر فالذي عنده دكتوراه، يختلف عن الذي عنده ماجستير، أو عنده ثانوية عامة، فدرجات الراتب تتناسب مع الدرجات والشهادات العلمية بينما في كادر أئمة المذهب الجعفري كلهم على درجة واحدة فكلهم يستلمون نفس المبلغ سواء كان عنده دكتوراه أو ماجستير أو ثانوية عامة. وفي الحقيقة أن كادر الأئمة للمذهب الجعفري هو كان بقرار سياسي ولأجل التسهيل على هؤلاء العلماء، حيث قد بلغ عدد رجال الدين الشيعة نحو 400 عالم دين والدولة هي مسؤولة لتكفل معيشة هؤلاء ولا يمكن ضمهم في كادر القضاء كما يقول سمو الشيخ عبدالله بن خالد آنذاك، فلا بد من إيجاد فرص عمل أخرى لهم ولا يمكن إيجاد هذه الفرص مع انشغالهم فيما يقومون به من خدمات ونشاط ديني، ولهذا تم فتح باب كادر الأئمة كعنوان صوري لصرف رواتب لهم، فبعضهم سجل في الكادر والبعض لم يسجل خوفاً من مقاطعته اجتماعياً كما هو في الأعم الأغلب.
وعليه، فتصرفات محسن العصفور هذه كلها تتنافى وروح الشريعة الإسلامية ودستور الدولة في البحرين، حيث نص الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام، والإسلام هو مصدر رئيس للتشريع، وقد ثبت أن رزق القاضي والمؤذن ومعلم الآداب والسنن هو من بيت المال وهو الخزينة الوطنية للدولة، ولا يجوز أخذ الأجرة على أداء الصلاة الواجبة، فهو بهذا العمل أي قطع أرزاق كادر الأئمة قد خالف الشريعة الإسلامية وخالف دين الدولة ودستورها وهو الإسلام.
ونحن لسنا هدفنا هنا إلا الدفاع عن أنفسنا وبيان الحقائق، ونقد علمي لمواقف الرجل ووضعه في الميزان ليعلم المسؤولون في الدولة أين الحق. والآن مضى على فصل أئمة الكادر 8 شهور تقريباً وقطع أرزاقهم ظلماً وعدواناً بدون ما أنزل الله به سلطان، وقد شارف عددهم على 53 شخصاً غير المؤذنين فهناك مؤامرة للقضاء على كادر الأئمة والمؤذنين بمرأى ومسمع من المسؤولين في الدولة ولقد تم مناشدة جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء، وكذلك سمو ولي العهد بالنظر في مظلوميتنا وإنصافنا وإعادة حقوقنا، وأرزاقنا وهذا مما يتوقع منهم وهم أهل لذلك فلا يرضون بهضم المواطن وظلمه وكما في الحديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فجلالة الملك هو راع لهذا الشعب وهو مسؤول عن رعيته، وينبغي التدخل بسرعة وحكمة لإجل إنقاذ الموقف، فلقد بلغ السيل الزبى، ونصيحتنا لمحسن العصفور أن يحاسب نفسه ويتقي ربه وليضع الأمور في مواضعها، وليعتذر من الأخوة العلماء على ما بدر منه، فقد اتهمهم بالفساد وعبر عن ملف كادر الأئمة بأسوأ ملف وأفسد ملف، وهذا قذف وتجريح أمام الملأ العام ونحن لا نسمح به وكذلك المسؤولون في الدولة لا يسمحون بذلك. وإذا كان البعض حسب ما يدعى أنه ملاحق أمنياً فهذا لا يبرر قطع رزقه ورزق عائلته وأبنائه، فلقد خرج الخوارج على أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ولم يبايعوه، بل قاطعوه وذهبوا إلى الصحراء وبايعوا الضب ولم يمنعهم من حقوقهم ورواتبهم من بيت المال.
وإذا كان ملاحق أمنياً فلا يؤكد ثبوت التهمة عليه، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهو ليس له التدخل في شؤون وزارة الداخلية فهي أعرف بوظائفها وإذا كان بعض الأئمة مسافراً فهذا لا يبرر قطع راتبه فهناك من القضاة الشرعيين مازال في حالة سفر لأكثر من ثلاث سنين وراتبه جار وكما ورد في القاعدة العقلائية حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد.
ثم لا داعي لإقحام موضوع التطرف والإرهاب في هذا الشأن، فإبعاد الناس عن الإرهاب لا يكون بقطع أرزاقهم. بل إن قطع أرزاق أئمة الكادر بهذه الطريقة المتعسفة والظالمة يسهم في خلق الحقد والكراهية في نفوس أئمة الكادر خصوصاً إذا لم يتدخل المسؤولون في الدولة، ويعالجوا المشكلة، وينصفون المظلوم.
وهذا ليس لصالح الدولة، والحال أن الدولة بتأسيس الكادر عملت على إنصاف علماء الدين وكسبهم، فالتعسف والظلم والتجاوز للحقوق والاستبداد في الرأي هو الذي يبعث على تحرك المظلومين، وكما قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لولديه الحسن والحسين كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، قولا الحق واعملا للأجر.
نحن في البحرين بحمد الله في مستوى من الوعي والفهم، بحيث لا تنطلي علينا هذه الشبهات ولكننا نحتاج إلى المزيد من العدل والإنصاف فيما بيننا فتعطف الدولة على الفقير وتنصف المظلوم وتخاصم الظالم وتطبق الإسلام في جميع تشريعاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبذلك تحل جميع المشاكل.
وفي الختام، قد طلبنا من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وضع حل مناسب للأئمة المفصولين أن يحالوا على التقاعد بترتيب إداري استثنائي لهم إرفاقاً لحالهم وتيسيراً لأمورهم، ولكي يصبح لهم معاش تقاعدي مناسب يستعينون به على قضاء ديونهم والتزاماتهم المالية وتوفير العيش الكريم لهم حيث أنهم قد مضت خدمتهم في كادر الأئمة لمدة تقارب على تسع سنين ولأجل أن يحالوا على التقاعد يحتاجون إلى شراء خمس سنين أخرى لاسيما لمن تجاوز منهم سن الخمسين، فليتفضل عليهم جلالة الملك المفدى، وسمو رئيس الوزراء، بذلك تقديراً لخدماتهم في نشر الوعي الديني وزرع القيم الأخلاقية في المجتمع بما يقومون به من وعظ وإرشاد وحل مشاكل الناس.