حاوره ـ حسن الستري:
دعا وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون الأسبق السفير حمد العامر، الدول الخليجية إلى وضع خطة طوارئ لمواجهة أية تهديدات محتملة للاتفاق حول نووي إيران، لافتاً إلى أن الاتحاد الجمركي يتطلب قرارات اقتصادية جريئة وعملية.
وأكد العامر في حوار مع «الوطن»، أن مجلس التعاون الخليجي يسير بخطوات ثابتة نحو التكامل والاتحاد، وأن الأمن الوقائي الخليجي يتطلب استراتيجية مشتركة لمواجهة أي اعتداء خارجي، مشيراً إلى أن مواجهة تهديدات إيران بإغلاق «هرمز» يحتاج لقوة بحرية مشتركة.
من جهة أخرى، قال العامر إن الحرب ضد «داعش» حرب يخوضها الإسلام ضد التطرف والعنف، موضحاً أن ضرب «داعش» من الجو غير كاف ولا بد من تحرك عسكري على الأرض. وأضاف أن تدخل إيران واختلاف المعارضة حول سوريا لمنطقة صراع إقليمي ودولي، مردفاً «لا حل سياسي في سوريا بوجود الأسد، والتدخلات الخارجية عقدت الأزمة».. وفيما يلى الجزء الأول من الحوار:
* داعش صنيعة من؟ نظام الأسد لتشويه صورة الثورة السورية؟ أم صنيعة أمريكا؟
موضوع من أين أتت داعش وصنيعة من؟ كلها اجتهادات، لا أحد يستطيع الجزم بأي فرضية صحيحة، فكل ذلك مجرد تحليلات.
ولكن حين نتكلم عن داعش، فإن الأمة الإسلامية تواجه أزمة غير مسبوقة فيما يتعلق بداعش، ويجب على المسلمين أن يوضحوا موقفهم أن روح الإسلام وتعاليمه ومبادئه القائمة على التسامح والتعايش والأخوة هي الأسس الحقيقية للإسلام، هذا ما يجب الدفاع عنه.
الحرب على داعش ليس صراعاً داخل الإسلام، وإنما حرب يخوضها الإسلام ضد التطرف والعنف، وهو ليس مشكلة إسلامية بل هو موجود في كل مكان.
* كيف يمكن التصدي لـ«داعش»؟
الجهد الدولي لضرب تنظيم داعش من الجو غير كافٍ، لابد من تحرك عسكري على الأرض، كما جرى في الكويت حين أرادوا طرد صدام حسين من الكويت.
ومن أجل إضعاف داعش وإفشال رسالتها المدمرة للحضارة الإنسانية عموماً والإسلامية خصوصاً، علينا توحيد جهودنا واعتراض اتصالاتها.
يجب دعم العلماء والمرجعيات الإسلامية المعتدلة، وعلى دول مجلس التعاون أن تمدهم برؤية ثاقبة وصحيحة تساعدهم وتساعد المجتمعات العربية.
بالنسبة للبحرين، البحرين كانت ومازالت إحدى الدول المناصرة والداعية دائماً للأجندة المعتدلة في الشرق الأوسط، من خلال رعايتها واحتضانها لعدد من المبادرات.
جلالة الملك المفدى بادر إلى احتضان حوار الحضارات والأديان، وذلك قبل قيام داعش، كان تفكيراً بعيد المدى من جلالته بتنظيم مؤتمر يجمع العلماء من جميع دول العالم، ما يؤكد رؤيته الحكيمة وتطلعه لمجتمع إنساني واع، مؤمن بالتسامح والتعايش والتواصل.
علينا أن ندرك أن داعش والجماعات المتطرفة يعملون بذكاء، فهم يستغلون مساحات الحرية الموجودة في المجتمعات ويختبئون داخلها، ومن المؤسف أن تستطيع داعش ببرنامجها وهدفها المدمر، أن تستقطب حشوداً من المقاتلين العرب والأجانب، وهذا أمر يثير المخاوف من أن هذه المجموعات أصبحت مجموعات دولية ومنتشرة في عدد من العواصم، وسيكون لها دور إرهابي في أنحاء العالم، لذا يجب تفكيك داعش وإفشال رسالتها الخبيثة بتوحيد الجهود واعتراض اتصالاتها.
ولكي نحقق ذلك علينا أن نركز على عدة أمور أهمها الحذر من استخدام المصطلحات الهادفة للترويج لداعش وأفكارها الهدامة مثل «الدولة الإسلامية»، الشيء الثاني أن اختطاف الإسلام ليس مشكلة عربية، بل هو دين عالمي شامل، والدفاع عن الإسلام المعتدل هو مسؤولية جماعية ودولية.
ولا بد من وحدة قوية في حربنا ضد داعش، ويجب ألا نسمح لأجندتها الطائفية أن تزرع بذور الفرقة والشقاق بيننا، وحماية حقوق الأقليات في مجتمعاتنا، وأن نضمن تمتعهم بتمثيل عادل.
البحرين مثال يحتذى به، وليس وليد اليوم، لدينا مختلف الطوائف والأديان ونحن متعايشون معهم بناء على سياسة الحكومة الحكيمة بقيادة سمو رئيس الوزراء القائمة على دعم الأقليات وتحسين أوضاعهم وتشجيعهم للمشاركة في بناء المجتمع.
لا بد من توفير فرص عمل اقتصادية وخدمات اجتماعية للشعوب العربية، وأعتقد أن اجتماع العرب في القمة الاقتصادية في شرم الشيخ، مناسبة لبحث أوضاع المجتمعات العربية والتفكير في كيفية توفير الفرص الاقتصادية لبناء المجتمع ورفع مستوى الإنسان العربي وتحقيق آماله وتطلعاته.
علينا أن نحقق التوازن العادل بين حماية وصون حرية الخطاب والتعبير، واحترام القيم الدينية والتقاليد لكل الناس في المجتمع، وأن نوجد توازناً بين الخطابين الديني والعلماني ليكون لدينا خطاب يستوعبه الجميع، فالإسلام ليس دين العرب فقط.
ولكي نعالج الملفات التاريخية، يجب أن نقوي الجبهة الداخلية للمسلمين، وأن نثبت للعالم أننا أناس لدينا مبادئ وروح الإسلام، وعلينا مراجعة المناهج التعليمية في الدول العربية، ونضع مناهج تؤكد الوسطية والاعتدال.
من هنا نستطيع أن نلغي جميع الملفات التاريخية المسبب وللمشكلات الطائفية بين شعوب الأمة العربية، فحين نبني المجتمع على أسس صحيحة، ويكون الخطاب أو المنهج واحداً في كل الدول العربية، سنكون أقوياء، لأن وجود المنهج الواحد يؤكد وحدة العرب، وأن الإسلام واحد وبه قيم عالمية.
وأرى أهمية التركيز على النقاط المشتركة والابتعاد عن النقاط الخلافية لتعزيز روح التسامح والاعتدال والتواصل والحب، أما الشعارات الأخرى المسببة للبغض والطائفية فسوف تتراجع للخلف.
عشنا في البحرين حياة تنطوي على كثير من التسامح، وأنا على ثقة تامة أن ما خلفته الأزمة في السنوات الماضية بدأ بالتراجع والفشل في تحقيق أهدافه البغيضة، لأن البحرين بقيادتها الحكيمة تسير بقوة لتحقيق البرنامج الإصلاحي لجلالة الملك المفدى الذي هو الحصن الحصين لمجتمعنا وبنائه وتقدمه.
* أين تجد مجلس التعاون اليوم؟
مجلس التعاون حقق بعد مرور أكثر من 30 عاماً على تأسيسه سنة 1981، الكثير من الإنجازات المشتركة والمهمة نحو التقارب بين دوله ومواطنيه.
ولكن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة، وهناك أحداث متسارعة في العالم، ومتغيرات سياسية واقتصادية وتكنولوجية، من هنا يكون وجود مجلس التعاون وتقويته مهماً لتطلعات المواطنين المؤمنين أن أمنهم واستقرارهم لا يتحقق إلا بتقوية العلاقات فيما بينهم بما يحقق التكامل وصولاً للاتحاد.
هذا المجلس اليوم يختلف وضعه عن الأمس، نظراً لتغير الظروف والأوضاع، لكن تظل جهود قادة دول مجلس التعاون ومبادراتهم تعكس رؤيتهم نحو مجلس تعاون قوي ومتماسك، لإدراكهم أن العالم يمر بحركة وتقلبات متسارعة، ولكي يحموا شعوبهم كانت لهم مبادرات وأفكار، وعملوا على تفادي تداعيات هذه المرحلة خصوصاً الحروب التي تعرضت لها المنطقة كالحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية والربيع العربي الذي أسقط 3 أنظمة عربية، وهي أمور تفرض واقعاً لتقوية مجلس التعاون.
البحرين كانت لها مبادرات مهمة لتفعيل دور مجلس التعاون على نحو يشعر به المواطن الخليجي، خاصة ما يتعلق منها بمعيشته وطموحاته، من هذه المبادرات المواطنة الخليجية والسماح بازدواجية الجنسية والعمالة السائبة وسكة الحديد والتصديق على الاتفاقات الأمنية والاقتصادية.
* ما معوقات إعلان الاتحاد الخليجي؟
مجلس التعاون يسير بخطوات ثابتة نحو التكامل المنشود المؤدي إلى الاتحاد، إلا أن هناك أموراً تحتاج لرؤية واضحة، وهي الالتزام بتنفيذ القرارات خاصة الاقتصادية الدافعة للتكامل الاقتصادي، وتحتاج للتخلي أو التنازل عن بعض الأمور للمصلحة العامة للمجلس وشعوبه التواقة للاتحاد الخليجي الذي اقترحه المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأصبح اليوم ضرورة قصوى، في ظل الأوضاع القائمة بالمنطقة، لأن أي منظومة إقليمية تتحدد فاعليتها وقوتها ودورها الإقليمي على تماسكها وتقاربها، وهناك عدد من الآليات الواجب اتخاذها ليصبح الاتحاد واقعاً ملموساً.
* ما هذه الآليات؟
الآليات تندرج في بعدين، الأول البعد الخليجي فهناك مخاطر قائمة ومتوقعة تحيط بدول المجلس، لذا يصبح «الأمن الوقائي» ضرورة ملحة تتطلب وضع استراتيجية مشتركة لمواجهة أي اعتداء خارجي على أية دولة من دول المجلس، وفقاً للمادة الرابعة من النظام الأساس للمجلس، وتعزيز فاعلية قوات درع الجزيرة، وأهمية وجود قوة بحرية مشتركة لدعم الأمن البحري لتأمين إمدادات الطاقة ومحاربة القرصنة والتصدي للتهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز.
لهذا يجب أن يكون لدى مجلس التعاون قوة بحرية قادرة على منع ذلك، ومن هنا تبرز أهمية التوازن البحري في المنطقة، لتثبيت الأمن وضمان استمرار وصول وتدفق النفط للدول المستهلكة في أرجاء العالم كافة.
النقطة الثانية تتمثل في ضرورة التكامل الاقتصادي، صحيح تم التوقيع على الاتفاقية المشتركة عام 1981، وإعلان منطقة التجارة الحرة عام 1983، وتوقيع الاتحاد الجمركي عام 2003، والسوق الخليجية عام 2008، وتوقيع اتفاقية الاتحاد النقدي، إلا أن الأوضاع الاقتصادية بين دول المجلس تعيش مرحلة يمكن أن نسميها بـ«الحذرة»، وتتطلب قرارات اقتصادية جريئة وعملية تكسر جمود تعثر قيام الاتحاد الجمركي.
دول مجلس التعاون أقرت الدعم الخليجي للبحرين وعمان بـ10 مليارات دولار لكل منهما، وكان ذلك ضرورة ملحة لدعم النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار والأمن الداخلي في دول المجلس.
والسؤال لم لا يكون هناك «صندوق دائم» يقدم الدعم للدول الخليجية المحتاجة؟ فحين تدعم دول المجلس البحرين وعمان فإن مستوى الحياة المعيشية والاقتصادية يرتفع، ويكون هناك تقارب وتنعدم الفوارق، وينعكس ذلك بطبيعة الحال على تعزيز العلاقات بين المواطنين.
وفي البعد الخليجي أرى أهمية البحث عن آليات محددة لتعزيز الديمقراطية والشورى وحقوق الإنسان، وفق ظروف وأوضاع وطبيعة المجتمع الخليجي وتعاليمنا الإسلامية وقيمنا العربية، والاستفادة من تجارب الآخرين بتطوير ما هو قائم فعلاً، فهناك برلمان منتخب منذ الستينات في الكويت، وفي البحرين منذ السبعينات، صحيح توقفت التجربة البرلمانية لفترة إلا أن البرنامج الإصلاحي لجلالة الملك أعاد الحياة البرلمانية من جديد، وهي تحقق اليوم نجاحاً ملحوظاً، وهناك مجالس للشورى والبلديات المنتخبة في السعودية وعمان وقطر والإمارات ولا بد من تطويرها بما يتفق مع قيمنا وعاداتنا.
* ذكرت البعد الخليجي، ما هو البعد الآخر؟
هو البعد السياسي العربي، فهناك تحرك سياسي محموم تقوم به أمريكا وعدد من الدول لحل أزمة الملف النووي الإيراني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هاجم الاتفاق مع إيران في الكونغرس الأمريكي.
بالتأكيد من مصلحة دول المجلس حل هذا الملف الخطير الذي يؤثر على الأمن والاستقرار والبيئة في منطقة الخليج، وهذا الحل يجب أن يكون حلاً سلمياً، ولا يكون على حساب دول المجلس، وأرى ـ تحسباً لأية تطورات ـ أن على دول المجلس أن تضع «خطة طوارئ» لمواجهة هذا الاتفاق في حال هدد مصالحها.
الانقلاب الحوثي باليمن مؤشر خطير يثير القلق والتوتر في خاصرة دول مجلس التعاون، لأن اليمن يمثل عمقاً استراتيجياً لها، وهذه المسألة تتطلب تقييماً ورؤية جديدة للمبادرة الخليجية، بكيفية تنفيذها بما يساعد اليمنيين في التوصل إلى الحل السياسي للشعب اليمني وفي إطاره الداخلي دون تدخل قوى خارجية.
وسوريا تعتبر منطقة صراع إقليمي ودولي، فإيران من جهة وروسيا من جهة، وعدم إيجاد حل لهذا الموضوع يعود بالدرجة الأولى لتدخل إيران في سوريا، إضافة لعدم اتفاق المعارضة فيما بينها، واختلاف الحلفاء الداعمين للمعارضة، وروسيا لها مصالح في المنطقة تريد حمايتها بعد أن خسرت في ليبيا.
العراق يعيش مرحلة حرجة، ونتمنى أن يستطيع بناء نفسه من جديد ويحسن علاقاته مع دول الجوار، خاصة دول مجلس التعاون، لأن إعادة بناء جسور الثقة مهم جداً، فالعراق بحاجة لدعم أشقائه في الخليج والدول العربية في هذه المرحلة المهمة من تاريخه.
وفي ضوء ما ذكرته في البعد العربي نجد أن التطورات الجارية في المنطقة وتداعياتها الكبيرة، تتطلب تمتين العلاقات السياسية والأمنية والدفاعية بين دول المجلس ودول كبرى لها مصالح في المنطقة لا يمكن تجاهلها، مع الأخذ في الاعتبار أن يقوم أي تحرك تحت مظلة الجامعة العربية، وألا يخرج عن الاستراتيجية الأمنية العربية، لأن ما يجري يمس كيان الأمة العربية.
وخلاصة القول إن قيام الاتحاد الخليجي في الظروف الحالية بالمنطقة أمر ملح، ويشكل دعامة رئيسة لأمن واستقرار دول مجلس التعاون، وتحقيق آمال وتطلعات شعوبه، ودرء المخاطر والتهديدات المحيطة به.
* ما الصيغة التي تقترحها للاتحاد الخليجي؟
صيغة الاتحاد الأوروبي ممكنة، وفيه تكون الأمور السيادية بيد الدول كالسياسة والخارجية والقضائية والنفط والأمنية والدفاعية، أما الأمور الأخرى مثل الاجتماعية والتعليمية والصحية والبيئية والتعليم والشباب وغيرها من اختصاص المفوضية العامة، ولهذا الاتحاد سلطات واسعة وقراراته ملزمة على الدول الأعضاء، وهناك صيغة أخرى هي اتحاد دول البولينيكس، القائم بين هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج.
* ذكرت الأزمة السورية، هل للأسد مكان في الحل القادم؟
لا يوجد له مكان في أي حل، ويجب أن يكون ذلك واضحاً، لأن يده تلطخت بدماء شعبه، وهو يعيش في معركة التحالفات والمصالح الدولية والإقليمية، لذا وجوده مستحيل في أي عملية سياسية.
* ولكن آخرين يرون أن تعليق العملية على رحيله قد يؤخر أي عملية سياسية؟
العملية السياسية أساساً منتهية، بوجود الفيتو الروسي والتدخل الإيراني وقوات حزب الله، الحل يكمن في عملية سياسية جديدة باتفاق جميع الأطراف على الحد الأدنى لإيقاف المشكلة ومن أولوياتها رحيل الأسد، وبعدها يترك المجال للشعب السوري لبحث اختياراته.
* ماذا بشأن القوات الأخرى المناوئة لنظامه كداعش وجبهة النصرة؟
هي من تداعيات الأزمة، والقوى الإقليمية الأخرى كانت تعتقد أن ذلك يساعد على تقوية المعارضة وإسقاط الأسد، ونظراً لاختلاط المصالح، انقلب السحر على الساحر وأصبحت هذه المجموعات الإرهابية هدفاً للدول الكبرى، وخرج مجلس الأمن بقرارات وتشكل التحالف الدولي لضربها من الجو الذي لم ولن يحقق نتائج، بل بالعكس تزايد العنف والإرهاب بالمنطقة.