كتب - جعفر الديري:
الأسطورة لغة؛ مفرد الأساطير، وهي الأباطيل والأحاديث العجيبة. واصطلاحاً: هي حكايات غريبة خارقة ظهرت في العصور الموغلة في القدم، وتناقلتها الذاكرة البشرية عبر الأجيال، وفيها تظهر آلهة الوثنيين وقوى الطبيعة بمظهر بشري.
وبحسب أستاذ النقد الأدبي بكلية آداب لغة عربية جامعة عين شمس أ.د.إبراهيم عوض فإن القصد من هذه الحكايات كان تفسير الظواهر الطبيعية أو العقائد الدينية أو الأحداث التاريخية الموغلة في التاريخ القديم. وقد كانت للعرب في جاهليتهم -مثل كل الأمم الوثنية- أساطيرهم وخرافاتهم، ومنها ما كانوا يقولونه عن سهيل، والشعرى، والقميصاء، والغيلان، والسعالى، وعزيف الجن، والهامة، والصدى، ولقمان والنسر لبد، وزرقاء اليمامة.. إلخ.
أما في الخليج العربي، فإن معظم دول الخليج مثل دولة الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، بها عدد من الأساطير والخرافات المتشابهة، منها أسطورة «الطنطل»، الذي يوصف على أنه عملاق طويل يأتي في الليل لاصطياد الأطفال الصغار، ويستخدم لترهيب الأطفال من الهرب من المنزل في منتصف الليل ويستخدم للتسلية فقط حيث يعلم الكبار بعدم وجوده، وأسطورة «الدعيدع»، وهو مخلوق صغير يشاهد في الليل على هيئة صخر وعند الاقتراب منه يقوم بالانتقال لمكان آخر، «بودرياه»، وتوصف على أنها نصف امرأة ونصف سمكة وتصرخ في البحر حتى يساعدها شخص ما وعندما يحاول الشخص مساعدتها تقوم بإغراقه حيث أنه وقع في فخها، وفي مملكة البحرين تبرز بشكل خاص أسطورة حمارة «حمارة القايلة» وتعني حمار وقت الظهيرة، وتوصف على أنها امراة شابة ذات أرجل حمار تخرج وقت الظهيرة لتأكل الأطفال الصغار، و«أم الخضر والليف»، وتوصف بأنها امرأة عجوز تقوم بتحريك الرياح وتتحرك أسعف النخلة بسببها لذلك سميت «أم السعف» وتقوم باصطياد الأطفال، كما يشير إلى ذلك يوسف عبدالمحسن التركي في كتابه «لمحات من تاريخ الكويت».
أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة المنيا أ.د.رفعت محفوظ يجد في الأسطورة تعبيراً عن الوحدة الشاملة بين الإنسان والعالم، فالإنسان القديم أحس في أعماقه أن حياته ترتبط بنظام الكون ولا تنفصل عنه وأن جذوره مغروسة في الطبيعة، وجاءت الأسطورة كتعبير مباشر عن وحدة الوجود وعن حضور الإنسان المباشر في العالم وعن وعيه بهذا الوجود، لافتاً إلى أن الفكر الأسطوري -في نظر بعض المفكرين- هو أساس كل نشاط شامل وموحد للفكر الإنساني، موضوعه دائماً الواقع الكلي والمطلق.
ويرى أ.د.محفوظ أن دراسة الأسطورة هي دراسة جزء أصيل من الملحمة الإنسانية، تدلنا على عمق التراث الذي يملكه الإنسان في داخله، وتوقظ لدينا الصلة الأصيلة بالكون، وعلاقة التناغم والانسجام معه، ومن هذا المنطلق فإن إهمالها في عصرنا الراهن -بحجة أي ادعاء- هو إهمال لجذور تاريخ الوجود الإنساني، ويمكن اعتبار دراسة الأسطورة (الوجود البشري في مرحلة الأسطورة) كدراسة مسودة الوجود الإنساني وما يحتويه من علاقات كونية وبذور النشاطات الإنسانية المختلفة التي تمايزت واتضحت معالمها على مر العصور، وقد تتضح لنا من دراسة تلك المسودة أبعاد في لغز الوجود الإنساني أكثر ثراء من نتائج الدراسات العقلية الوضعية للوجود الإنساني الحالي وما يعانيه من تجزؤ كيانه.