فيلم “حكايات جامحة” هو بلا منازع أجمل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية شاهدته من بين إنتاجات 2014، فقد كان رائعاً للغاية. إنّه فيلم أرجنتيني للكاتب والمخرج الشاب “ديميان شيفرون”، وقد شارك في إنتاجه الكاتب والمخرج الأسباني الكبير “بيدرو ألمودوفار” وشقيقه “أوغستين”. ترشّح الفيلم لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وأرى أنّه كان يستحق الفوز بجدارة لأنه الأفضل.
الشعور بالضعف والخطر ما قبل تغير الواقع وانقلابه ليكون غير متوقع، يدفع شخصيات الفيلم لعبور الخط الرفيع ما بين كونهم متحضرين وأن يكونوا في فوضى ووحشية. تدور أحداث الفيلم عن الخداع في الحب، والحنين إلى الماضي، ودراما الحياة، وحتى عن العنف الموجود في جميع تفاصيل اليوم. كل هذا يدفعهم إلى الهاوية، مصحوباً بشعورهم باللذة في فقدهم للسيطرة.
الفيلم هو حول تلك اللحظة التي تقودنا إلى الجنون إن تم ضغط الزر الصحيح فينا. إنه عبارة عن كوميديا سوداء بالمعنى الحرفي، وقد دُهشت لآخر حد منذ لحظة انتهاء الحكاية الأولى، ويجب أن أشيد بجهود المبدع “ديميان شيفرون” في بناء هيكل الفيلم بشكلٍ مبتكر ورائع، وخصوصاً الحكاية الأولى الافتتاحية التي جعلتني أدرك أنّ أي شيء يمكن أن يحدث في الحكايات القادمة، و”شيفرون” ليس خائفاً من أن يسير بحكاياته إلى نهايات مروعة.
لا يوجد أي إطار يربط بين حكايات الفيلم المختلفة، وليس هناك أية عناوين خاصة بالحكايات للفصل بينهم، ومع ذلك، الفيلم منظم بشكل دقيق ومذهل، والأمر واضح جداً حين تصل كل حكاية إلى نهايتها، ومن ثم ننتقل للحكاية الأخرى. مدّة الفيلم تقارب ساعتين، و”شيفرون” جعلنا نعيش مع كثير من الأحداث في كل حكاية، ولكننا لم نشعر بالعجلة والتسارع. لا يبدو “شيفرون” مهتماً ما إذا كانت ردود أفعال الشخصيات المختلفة التي نراها صحيحة أو خاطئة، ولكنه فقط يحفر بعمق في النفس البشرية ليرينا بالتحديد ما الذي يجعلنا نفقد السيطرة، وكيف أنه من السهل لأي منا أن نكون مدفوعين لهذه النقطة تحت ظروف معينة.
أداء الممثلين جميل جداً، والموسيقى التصويرية كانت منسجمة مع الأحداث، كما أن التصوير مميز، وكذلك الجوانب الفنية الأخرى. بتتابع الحكايات، مع مزيج مستمر من الكوميديا والإثارة والتشويق، يصل الفيلم إلى أن كل شخص في هذا العالم يبحث عن منفذ لتفريغ غضبه، وفي كثير من الحالات يلجأ إلى مخيّلته لتحقيق ذلك. الفيلم نابع من غضب حقيقي يكسو شعبٍ مكسور. إنه لأمر نادر أن نشاهد فيلماً يصاغ بهذه الطريقة النادرة والمبتكرة التي تجعله كوميدياً بامتياز ومأساوياً بشكل عميق.