لم تكن الانتفاضات التي شهدتها مصر خلال العامين الماضيين وبالاً على أحمد الكرداني، فقد نجح رجل الأعمال الشاب في جمع تمويل بـ"ملايين الدولارات"، وظلت أعماله تنمو خلال أسوأ اضطرابات سياسية واقتصادية تشهدها البلاد في عدة عقود.
ففي عام 2010 أطلق الكرداني وعدد من أصدقائه في مدينة الإسكندرية شركة "مشاوير"، وهي خدمة تساعد العملاء على تفادي السير في شوارع مصر المزدحمة وتوصيل طلباتهم إليهم. وفي ديسمبر من ذلك العام بدأت الشركة العمل في القاهرة.
وبعد شهرين من ذلك أطاحت احتجاجات شعبية في أنحاء البلاد بالرئيس السابق حسني مبارك، وهو ما أدى إلى أزمة اقتصادية لم تنحسر حتى الآن. وفي الشهر الجاري عزل الجيش الرئيس محمد مرسي إثر موجة من الاحتجاجات الشعبية العارمة.
لكن "مشاوير" ظلت تنمو، إذ جمعت 4 ملايين دولار من مستثمرين مصريين، وزاد عدد العاملين فيها إلى 300 شخص ينتشرون بدراجاتهم البخارية البرتقالية في شوارع القاهرة.
زورق لتوصيل الطلبات
واشترت الشركة زورقاً سريعاً لتوصيل الطلبات في الساحل الشمالي لمصر، وفتحت مكتباً في بيروت في نوفمبر الماضي، وتسعى لفتح مكتب في دبي بنهاية 2013.
وقال الكرداني (27 عاماً) في مقر "مشاوير" بالقاهرة، المفروش بأثاث خفيف والذي يشغل عدة طوابق في مبنى قديم: "كانت الثورة لبعض الناس كارثة على الأعمال. لكنها كانت مفيدة لنا".
وأضاف أن "موجات الاضطراب السياسي على مدى الأشهر الثلاثين الأخيرة أبطأت النمو، إذ أصبح العملاء من الشركات أكثر حذراً في الإنفاق، وسببت الاحتجاجات صعوبة في التنقل لفريق "مشاوير" في القاهرة والإسكندرية".
لكنه أضاف أن الاحتجاجات أوجدت فرصاً، فقد استطاعت الشركة إطلاق حملة إعلانية في القاهرة بفضل هبوط أسعار الإعلانات خلال فترة سقوط مبارك، وتمكنت من شراء دراجات بخارية من الموزعين بفترات سداد تصل إلى 36 شهراً بدلاً من 12 شهراً.
وقد لحق بالاقتصاد المصري ضرر كبير جراء انعدام الاستقرار السياسي. فقد بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 2.2% في الربع الأول من هذا العام، وهو أقل بكثير من معدل 6% الذي تحتاجه البلاد لتوفير فرص عمل للشبان.
وشهد كثير من الشركات الكبرى أوقاتاً عصيبة بسبب غياب الأمن والاحتجاجات العمالية ونقص الوقود وصعوبة الحصول على النقد الأجنبي. وفي العام الماضي هبط صافي ربح حديد عز، أكبر شركة لإنتاج الحديد في مصر، أكثر من 50% ليصل إلى 250.4 مليون جنيه مصري (35.7 مليون دولار).
لكن هناك أيضاً عوامل جذب، فقد أدى تعثر أعمال بعض الشركات الكبرى بسبب الاضطرابات في مصر إلى إفساح مجال أوسع للشركات الصغيرة الناشئة. وأدى سقوط نظام مبارك السلطوي إلى شعور الشبان المصريين بالتمكين، وهو ما شجع بعضهم على إطلاق أعمال خاصة.
زيادة عدد الشركات بعد الثورة
وقال أحمد زهران الذي ساهم في تأسيس شركة "كرم سولار" للطاقة الشمسية في أكتوبر 2011: "شركات كثيرة بدأت العمل بعد الثورة، السبب الرئيسي هو عامل نفسي. أدرك كثير من الشبان أنهم يستطيعون فعل ما يريدون". وتابع "أصبح لدى المصريين رغبة في المجازفة بعد الثورة".
وتؤيد بيانات من وزارة الاستثمار هذه النظرية. فقد هبطت رؤوس الأموال المستثمرة في شركات جديدة إلى 897 مليون جنيه في مايو هذا العام من 1.11 مليار جنيه في مايو 2010، إذ إن الأزمة الاقتصادية أثرت سلباً على تمويل الشركات. لكن عدد الشركات الجديدة التي تأسست خلال ذلك الشهر ارتفع إلى 823 شركة من 690 شركة.
وقال عبدالرحمن مجدي، الرئيس التنفيذي لشركة "إيجي برونور" التي تساعد رواد الأعمال المصريين على إيجاد الاتصالات والخدمات التي يحتاجونها، إن عدد متابعي الشركة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قبل ثورة 2011 كان بين ألفين وثلاثة آلاف، والآن يزيد المتابعين على 45 ألفاً.
والشركات الناشئة وحدها لا تستطيع إنعاش النمو الاقتصادي أو حل مشكلة البطالة بين الشبان التي تقدر بأكثر من 20%، إذ تظهر بيانات وزارة الاستثمار أن الشركات التي أنشئت في مايو 2010 أوجدت 16851 فرصة عمل، وأن الشركات التي أنشئت في مايو هذا العام أوجدت 7151 فرصة فقط.
لكن قدرة رواد الأعمال المصريين على العمل في المناخ الحالي توحي بأن هناك مجالاً لنمو اقتصادي أسرع من ذلك بكثير حين يستقر الوضع السياسي في نهاية المطاف.
وتحاول كثير من الشركات التي تأسست في الفترة الأخيرة التغلب على المعوقات ونقاط الضعف في الاقتصاد باستخدام تقنيات أو نماذج أعمال جديدة لحل عدة مشكلات من بينها ازدحام الطرق وقلة التدريب المهني ونقص الوقود.
لكن كثيراً من الشركات الناشئة التي لا تتطلب مبالغ كبيرة في سنواتها الأولى تقول إنها لم تجد مشكلة في جمع التمويل عبر قنوات غير رسمية.
وبدأت "مشاوير" بالاقتراض من أفراد العائلة والأصدقاء، ثم اجتذبت دائرة أوسع نطاقاً من المستثمرين الأفراد الذين أثارت إعلانات الشركة إعجابهم. وقال زهران إن "كرم سولار" تحدثت مع مسؤولين في شركات للطاقة أثارت تقنيات الشركة إعجابهم.
وقال زهران إنه خلافاً لشركات الطاقة الشمسية في كثير من الدول لم تعوّل شركته على تلقي أي مساعدة حكومية، إذ إن الحكومة المصرية ستظل مشغولة بالمسائل السياسية لفترة من الوقت. وقال: "لا نتوقع أي مساعدة. مشروعنا يجب أن ينجح بنفسه".