كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
تؤرخ البرقيات البريطانية المتبادلة بين المخبرين والمقيمين السياسيين في منطقة الخليج إبان القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1888، جانباً من الأطماع الفارسية في البحرين وعموم منطقة الخليج العربي.
ويعرض الباحث د.عيسى أمين في الحلقة الخامسة من حديثه عن تاريخ المخبرين البريطانيين بمنطقة الخليج العربي، 11 برقية تبادلها المقيمون السياسيون والسفراء والمسؤولون البريطانيون المقيمون في الخليج العربي وإيران والهند، تقول إحداها إن الفرس حاولوا استغلال التوتر في المنطقة للسيطرة على الخليج.
وتقول إحدى البرقيات إن الحاج أحمد خان وبرفقة 150 جندياً فارسياً حاولوا رفع علم فارس على رأس الخيمة وأم القيوين والشارقة وفشلوا، قبل أن يرفض شيوخ الإمارات هدايا مبعوث فارس ويطلبون منه المغادرة.
وحذرت برقية مؤرخة في 1888 من خطر «ملك التجار» على البحرين، مقابل استعداد سفن بريطانيا للدفاع عنها، وإرسال سفينتين حربيتين لمنع أية قوة فارسية من دخولها، وقالت إحداها «حكومة الهند لن تسمح لأية قوة فارسية بدخول البحرين وسنواجههم بالقوة إذا حاولوا ذلك».
إيران تفكر بالسيطرة على الخليج
يواصل عيسى أمين حديثه عن دور المخبرين البريطانيين في المنطقة ويصل للعام 1885 - 1888 وتحديداً لأغسطس من عام 1888، عندما حدثت الاعتداءات على سفن تابعة لتجار هنود وآخرين فرس في البدع.
ويضيف «تدخلت الحكومة البريطانية بالنيابة عن رعاياها الهنود من أجل التعويض، وبالنسبة للتجار الفرس طلب الشاه من حكومة بريطانيا تحصيل مبلغ 30 ألف تومان تعويضاً لخسائرهم».
واستفسر سفير بريطانيا لدى البلاط الفارسي من المقيم السياسي في بوشهر، عن إمكانية تحصيل المبلغ المذكور، وجاء رد المقيم بتاريخ 6 أكتوبر 1887 «علاقتنا مع حاكم قطر حرجة، ولكن سأحاول استرداد ما يخص الهنود، وإذا ارتأى الشاه الفارسي ضرورة وساطتي، فإني سأبذل جهدي».
ويسرد أمين «يبدو أن الحكومة الفارسية ممثلة في أمين السلطان، قررت بعد التفاهم مع الأتراك، السعي بصفة مستقلة لوضع نهاية لهذه الحادثة، بينما وجدت الحكومة الفارسية الشخصيات المناسبة للمهمة، بعد الاتفاق مع ملك التجار الذي ادعى أنه حاكم الخليج والجنرال الفارسي حاجي أحمد خان، وعلى ما يبدو فإن النية كانت مبيتة من قبل أمين السلطان من خلال استخدامه للرجلين، وليس القصد استرداد المبلغ بقدر ما كان فرض السيطرة الفارسية على الخليج، من خلال استغلال التوتر القائم بين قطر وساحل الإمارات والبحرين». وتوجه حاجي أحمد خان في فبراير 1888 برفقة 150 جندياً فارسياً إلى رأس الخيمة وأم القيوين والشارقة، وحاول رفع العلم الفارسي عليها، وإقناع شيوخ المنطقة بقبول الحماية الفارسية، وترك شؤون البحرين لملك التجار «تلقى الحاج أحمد خان برقية من أمين السلطان تتضمن موافقة الأتراك على استرداد الحكومة الفارسية للمبالغ المذكورة من قطر، وإذا ما توجه للبحرين فهناك من يقف معه ويسهل مهمته من الداخل».
ملك التجار يتجه للبحرين
وتعرض الوثائق البريطانية الخاصة بهذه الفترة، نصوص البرقيات المتبادلة بين المقيمين السياسيين والمخبرين البريطانيين إبان تلك الفترة، ومنها تلغراف مؤرخ في 11 فبراير 1888، من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية البريطانية في كلكتا يقول فيه «إليكم التلغراف الذي أرسله السفير البريطاني في البلاط الفارسي، الجنرال حاجي أحمد توجه من جزيرة قشم (الجسم) ومعه 150 جندياً، والهدف غير معروف لغاية الآن». ويضيف التلغراف «لا تقلقني أوضاع عمان، ولكن ما أريد ه هو أخذ الحيطة تجاه البحرين، إذ لحق ملك التجار، أحمد خان على السفينة برسبولس في السادس من فبراير 1888، ومعه على ظهر السفينة القنصل التركي، وكما هو ظاهر فإن ملك التجار يدعي أنهما ينفذان أوامر البلاط، ووصل مبعوث من الشاه ومعه السيف والخلعة إليهما، وأي عمل ينفذه ملك التجار سيكون خطيراً، ونحن على استعداد للتصدي بواسطة سفننا لأي محاولة من قبله تجاه البحرين، وعلمنا توجه حاكم عام البصرة في سفينة حربية إلى أحد موانئ الجزيرة العربية».
سفن بريطانية للدفاع عن البحرين
ويسرد عيسى أمين أن البرقية الثانية مؤرخة في 12 فبراير 1888، من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية البريطانية في كلكتا، استلمت من سفير لندن في طهران برقيه وجاء فيها «الأمير غائب، وأصبح الوقت متأخراً لإبلاغه عن تصرفات وكيله، أتمنى ألا تكون هناك مواجهات مع السفن التابعة لنا، الأمر الذي سيكون في غاية الخطورة، لن نتخذ أي قرار دون الرجوع إليكم أولاً، أرسلت سفينتان حربيتان إلى مياه البحرين لمنع أية قوة من الدخول إليها سواء كانوا أتراكاً أو عرباً أو فرساً، وأخبرنا حكومة الهند بذلك».
ويقول أمين إن البرقية الثالثة مؤرخة في 17 فبراير 1888، موجهة من سكرتير الخارجية في كلكتا إلى المقيم السياسي في بوشهر «رداً على برقياتكم المؤرخة في 11 و12 فبراير، نود إخباركم أننا على علم أن الأتراك والفرس يعملون معاً».
ويعرض أمين البرقية الرابعة المؤرخة في 17 فبراير 1888، والموجهة من نائب الملك في كلكتا إلى وزير الدولة في لندن ونصها «رداً على برقيتكم السرية في 28 يناير 1888، أبلغنا المقيم السياسي في بوشهر عن مغادرة سفينتين المياه الفارسية متوجهتين إلى السواحل العربية، وتحمل إحداهما الجنرال حاجي أحمد، فيما تحمل الثانية ملك التجار، والمقيم يعتقد أن هذا التحرك له علاقة بتصرفات الوالي العثماني في البصرة». ويضيف أن البرقية الخامسة المؤرخة في 18 فبراير 1888، أرسلت من نائب الملك بكلكتا إلى السفير البريطاني في طهران أ.نيكلسون ونصها «لن تسمح حكومة الهند لأية قوة فارسية من النزول على أرض البحرين، وإذا ما حاولوا نواجههم بالقوة، أرجو الإبلاغ لمن يهمه الأمر».
الوفاق التركي الفارسي
ويعرض عيسى أمين البرقية السادسة المؤرخة في 18 فبراير 1888، والموجهة من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية في كلكتا وجاء فيها «رداً على برقيتكم المشفرة، لا أعتقد الآن أن الفرس والأتراك على وفاق للقيام بعمل خطير».
ويسرد تفاصيل البرقية السابعة 19 فبراير 1888، المبعوثة من سفير إنجلترا في طهران أ.نيكلسون إلى نائب الملك في كلكتا «برقيتكم عن البحرين المؤرخة في 18 فبراير 1888، لقد أكد لي أمين السلطان بأنه لا توجد أية نوايا من قبل فارس تجاه البحرين، وأخبرته أنه تربطنا اتفاقيات مع شيخ البحرين، ونحن مسؤولون عن حماية البحرين واستقلالها، وبدوره أكد لي مرة أخرى أن السفن الفارسية في زيارة إلى موانئ الخليج ولن تقترب من البحرين».
ويتحدث أمين عن البرقية الثامنة المؤرخة في 23 فبراير 1888، الموجهة من نائب الملك في كلكتا إلى وزير الدولة في لندن والمصنفة «الخارجية سري» ونصها «البرقية المرسلة إليكم في 17 فبراير تعقيباً على ذلك الموضوع، تم إبلاغ المقيم السياسي في بوشهر أن الجنرال حاجي أحمد زار موانئ الساحل المتصالح، وأبدى رغبته في رفع شيوخ هذه المناطق العلم الفارسي، ولكنه فشل في مهمته وعاد إلى بندر عباس، أما ملك التجار فتوجه إلى قطر مطالباً بالتعويض المذكور سابقاً، لكنه لم يقترب من البحرين».
فارس تستنجد بالروس
ويورد عيسى أمين تفاصيل البرقية التاسعة في 23 فبراير 1888، المبعوثة من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية في كلكتا جاء فيها «بالنسبة لبرقيتي المؤرخة في 20 فبراير، بشأن السفينة البريطانية أوسبري المتوجهة إلى ساحل الإمارات، القائد يرسل برقية من جاسك يقول فيها إن الحاج أحمد خان نزل في أم القيوين حاملاً هدايا كثيرة من فارس لشيوخ أم القيوين، ولا يوجد هناك أي حديث عن العلم الفارسي، ولكن الحاج أحمد يعتقد أن الخليج تابع لفارس، ولذا فإن حكومة فارس ستطلب من الروس إرسال سفن حربية لمنع الإنجليز من التدخل في الخليج، ورفض شيوخ الساحل الهدايا وطلبوا من الحاج أحمد المغادرة، وبالفعل غادر المكان». وجاء في البرقية أيضاً «اتحد شيوخ المنطقة في معارضتهم لأية مطالب فارسية، بالمقابل ادعى ملك التجار أنه حاكم لكل بلدان الخليج، وعادت السفينة برسيبولس إلى جاسك وغادرها 120 من الجنود إلى الجزيرة، كتب هذا التقرير بواسطة القائد البحري، وأبلغ السفير في البلاط الفارسي بمحتواه».
ويتحدث أمين عن البرقية العاشرة المؤرخة في 25 فبراير 1888، والموجهة من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية في كلكتا «تبعاً للبرقية المرسلة في 23 فبراير 1888، تم استلام البرقية التالية من السفير في البلاط الفارسي، لقد أبلغني أمين السلطان بعد أن أخبرته عن تصرفات الحاج أحمد، أنه لاعلم له بكل هذه الأمور، وأنه تصرف دون أية توجيهات منه، وسيقوم بمواجهته حين عودته، والطلب منه بتفسير أسباب تصرفاته».
ويعرض البرقية الحادية عشرة 22 مارس 1888، المبعوثة من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية في كلكتا «استلمت البرقية التالية من السفير البريطاني في البلاط الفارسي، «تم عزل ملك التجار من رئاسة الجمارك والموانئ الفارسية، وأصبح دون منصب حكومي، وحاول أن ينال من صداقتنا من خلال عرضه برقيات وتوجيهات استلمها من أمين السلطان، ويعتقد أنها كتبت بضغوط من الروس، وبين أمين السلطان فيها إمكانية قيام الروس بحماية الخليج، وأبلغني ملك التجار بتخوفه الشديد من تفاصيل الخطة، ويبدو أن الشاه على علم بها، وأعطي ملك التجار منصب حاكم مقاطعة لكنه رفض».
بريطانيا عند مواقفها
ويقول عيسى أمين إن هذه البرقيات توضح دور السياسة البريطانية ورجالها، وكيفية الرصد والتدقيق في الأحداث الجارية، وموقف القوى المتنافسة منها «يبدو من كل هذه البرقيات أن بريطانيا ملتزمة من خلال حكومة الهند البريطانية بالحفاظ على مصالحها بصورة أولية ورئيسة، والالتزام بالمعاهدات الموقعة مع حكام الخليج، ويتركز الجزء الأكبر منها على حماية الخليج من أي تدخل خارجي، لكن لو عدنا إلى عام 1886، نجد أن حكومة لندن دخلت في مفاوضات مع حكومة الشاه في فارس، وكان الموضوع الرئيس هو البحرين».
ويضيف أن هناك برقية من طهران مؤرخة في 1 ديسمبر 1886، موجهة من أ.نيكلسون سفير بريطانيا في طهران، إلى أيدزلي سكرتير شؤون الخارجية «يبدو أنه في الوقت الحالي ليس هناك أي نقاش بشأن موضوع البحرين في البلاط الفارسي، لذا لم أذكر الموضوع في مراسلاتي معكم، وبصورة شخصية طلبت من المقيم السياسي في بوشهر أن يبلغني في حال سماعه أي شيء بخصوص الموضوع، سواء كانت المحاولات من قبل فارس مباشرة أو غير مباشرة، لذا أرجو غلق الموضوع حالياً، إذ يبدو أن تصرف الشاه كان عابراً فقط».
شخصيات البرقيات
ويقول إن أبرز الشخصيات الواردة في البرقيات آنفة الذكر، ناصر الدين شاه (17 سبتمبر 1848- 1 مايو 1896)، من السلالة القاجارية، وهو ابن محمد شاه قاجار، ولد يوم 16 يوليو 1831 في تبريز، وتوفي مقتولاً في 1 مايو 1896 في طهران، كان شاعراً ورساماً ومتحدثاً بعدة لغات منها الفرنسية، وعازف بيانو، وهو الذي أدخل الأنظمة الحديثة والمصارف إلى إيران، أغتيل على يد ميرزا رضا كرماني، أحد أتباع جمال الدين الأفغاني.
الميرزا علي أصغر خان، أمين السلطان أتابك، رئيس الوزراء (1887 - 1896) في عهد ناصر الدين شاه.
نائب الملك في الهند اللورد دوفيرين، مدة رئاسته للمجلس 13 ديسمبر 1884 - 10 ديسمبر 1888 في فترة الملكة فيكتوريا، وهو أول ماركيز في دوفيرين، نشأ في بلاط الملكة فيكتوريا، وألف في شبابه كتاباً عن رحلاته في شمال الأطلنطي، وبدأ حياته السياسية في سوريا 1860، حيث كان مسؤولاً وراعياً للمصالح البريطانية، ومقاوماً لفرنسا، ومحاولاته بالحصول على موقع في لبنان في عام 1872، وكان الحاكم الثالث لكندا في 1884، وشغل وظيفة نائب الملك الثامن، وشغل المنصب نيابة عن الملكة فيكتوريا في الهند.