شرم الشيخ - (وكالات): انطلقت في منتجع مدينة شرم الشيخ المصرية أمس أعمال القمة العربية في دورتها العادية الـ26 بتأكيد القادة الذين تحدثوا في الجلسة الافتتاحية على أن المنطقة العربية تواجه تحديات وأزمات كثيرة، وخاصة في بلدان تشهد حالة عدم استقرار. وركز القادة العرب في كلماتهم على القضايا العربية الرئيسة وعلى رأسها الأوضاع في اليمن، وعمليات التحالف العربي لدعم شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ضد انقلاب ميليشيات الحوثيين والقوات المتحالفة معها، والتدهور الأمني في ليبيا، والحرب الأهلية في سوريا، ومواجهة التنظيمات الإرهابية في العراق، والقضية الفلسطينية، مشددين على ضرورة الحاجة إلى تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب.
الاستيلاء على الشرعية
وفي الكلمة الافتتاحية، دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بصفته رئيس القمة الـ25، السابقة إلى عقد مؤتمر خاص لتجنيب اليمن الانزلاق نحو حرب أهلية، في وقت تتواصل فيه عملية «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية لوقف توسع جماعة الحوثي المتمردة، واستعادة مؤسسات الدولة اليمنية التي استولت عليها الجماعة.
وأضاف أمير الكويت أن «استيلاء الحوثيين على الشرعية في اليمن يمثل تهديداً للمنطقة العربية».
ووصف تحركات المتمردين بأنها تمت «بشكل بات يهدد أمن المنطقة واستقرارها وسلامة دولها وشعوبها».
وقال إن «التطورات السريعة في اليمن تمثل تهديداً لأمتنا نتيجة لاستمرار استيلاء الميليشيات الحوثية على الشرعية».
وأوضح أمير الكويت «نحن اليوم نلحظ بأن المشهد السياسي في وطننا العربي يزداد سوءاً وتعقيداً سواء كان ذلك بالتصعيد الذي رافق الوضع في ليبيا أو التدهور الأمني الذي يعانيه الأشقاء في اليمن». وأضاف «بعد ما يزيد عن الأربع سنوات من دخول منطقتنا مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار والتي أطلق عليها البعض الربيع العربي عصفت بأمننا وقوضت استقرارنا وأدخلتنا في حسابات معقدة».
وتابع «نعاني تراجعاً حاداً في معدلات التنمية وتأخراً ملحوظاً في مستوى تقدمنا وتطورنا». وأشار إلى القتال في سوريا مشدداً على أن «حل الأزمة لابد أن يكون سياسياً».
وفي إشارة إلى تحد أمني آخر يواجه العالم العربي قال أمير الكويت «يأتي الإرهاب بأفكاره الهدامة وسلوكه المنحرف وأيديولوجيته المارقة وأفعاله المشينة كأبرز التحديات التي نواجهها».
كما دعا أمير الكويت في كلمته إلى تضافر الجهود من أجل حل الصراع الدائر في ليبيا، وأكد دعم بلاده للجهود التي تبذلها الحكومة العراقية.
العدوان الحوثي يهدد أمن المنطقة
من جانبه، أكد خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أن عملية «عاصفة الحزم» سوف تستمر إلى أن تحقق أهدافها، وينعم الشعب اليمني بالأمن والاستقرار».
وأضاف أن «العدوان الحوثي» في اليمن يشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة العربية.
ووصف التحركات الحوثية في اليمن بأنها «انقلاب على السلطة الشرعية واحتلال للعاصمة صنعاء».
وانتقد العاهل السعودي بشدة رفض الحوثيين لبحث الأزمة اليمنية بالعاصمة الرياض، وقال إن دول مجلس التعاون الخليجي استجابت لطلب الرئيس هادي بعقد قمة في الرياض.
ووجه الشكر للدول المشاركة والداعمة لعملية «عاصفة الحزم». وقال إن القمة تنعقد بهدف الخروج من الأزمات التي تعاني منها العديد من الدول العربية.
وأشار في كلمته إلى أن آفة الإرهاب تأتي في طليعة التحديات التي تواجه الأمة العربية، داعياً إلى إيجاد حل سياسي لإنهاء معاناة الشعب السوري.
الأسد ليس جزءاً من الحل
بدوره، قال أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالجلسة الافتتاحية للقمة العربية، إن الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح يتحملان المسؤولية عن التصعيد الأخير في اليمن، واعتبر أن نظام الرئيس بشار الأسد ليس جزءاً من حل الأزمة في سوريا.
وأوضح أمير قطر أن رفض الحوثيين لدعوات الحوار سواء في السعودية أو قطر، ومحاولة الرئيس المخلوع وضع شروط مسبقة للحوار، تعبر عن «نهج يحاول فرض الحقائق على الأرض بالسلاح». وأضاف الشيخ تميم بن حمد أن ما قام به الحوثيون في الفترة الأخيرة بدعم من الرئيس المخلوع يشكل «اعتداء على الانتقال السلمي في اليمن وإفراغا لنتائج الحوار الوطني من مضمونها ومصادرة للشرعية الدستورية وتقويضاً لمؤسسات الدولة». ونبه أمير قطر إلى أن أخطر ما في تصرفات جماعة الحوثي هو أنها تزرع ظاهرة لم تكن موجودة من قبل في اليمن وهي الطائفية السياسية.
وفي الشأن الفلسطيني، قال أمير قطر إن هذه القضية تأتي في مقدمة التحديات التي تواجهها الأمة العربية، معتبراً أنه «لا سلام ولا استقرار في المنطقة إلا بتسوية عادلة وشاملة اعتماداً على مبدأ حل الدولتين».
واعتبر الشيخ تميم بن حمد أن عملية السلام لا تراوح مكانها فقط منذ أكثر من 20 عاماً، بل تعرف تراجعاً في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة ومواصلة حصاره، والاستمرار في سياسة الاستيطان وتهويد القدس.
وأضاف أن مفاوضات السلام مع الإسرائيليين وصلت إلى منتهاها في ظل تعنت تل أبيب، ولا جدوى في مواصلة هذا المسار، ودعا مجلس الأمن الدولي إلى أخذ المبادرة وتحديد الإجراءات اللازمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ضمن خطة واضحة وإطار زمني محدد.
وشدد الشيخ تميم بن حمد على ضرورة تحرك العرب دولياً لوقف الاستيطان وحصار قطاع غزة، قائلاً «لا يجوز أن يتحول الحصار على غزة إلى حالة طبيعية» داعياً الدول العربية إلى القيام بمسؤولياتها «لتسهيل الأمور على إخواننا الفلسطينيين».
وتطرق أمير قطر في كلمته إلى الأزمة السورية، ليشدد على ضرورة التوضيح بشكل قاطع بأن النظام السوري ليس جزءاً من حل الأزمة. وأوضح أن الحل السياسي «يعني تلبية مطالب الشعب السوري، وإتاحة المجال أمام القوى المدنية بجميع تياراتها لتشكيل حكومة انتقالية تعمل على تمهيد الطريق أمام الشعب لتحديد خياراته بنفسه».وأشار الشيخ تميم بن حمد إلى أن النظام السوري رفض إيجاد حل سياسي لأزمة بلاده، ومارس أكثر أشكال القتل وحشية في حق الشعب السوري.
قوة عربية مشتركة
من جانبه، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي تسلم رئاسة القمة أن التحديات التي تواجه بعض الدول العربية بلغت حداً جسيماً وغير مسبوق، وأن مستقبل هذه الأمة رهين بما سيتم اتخاذه من قرارات في هذه القمة.
ودعا الرئيس المصري إلى تأسيس قوة عربية مشتركة تمثل رادعاً لكل من يهدد الأمن العربي، وأكد أن «التصدي والرد على التحديات التي تواجهنا حق أصيل لنا» مشيراً إلى أن بعض الأطراف الخارجية تستغل الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية لاستقطاب أطراف داخلية. وقال إن بلاده ترحب بقرار وزراء الخارجية العرب تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة العربية.
وبشأن الوضع في اليمن، قال السيسي إن مساعي الحوار في اليمن فشلت فكان محتماً أن يكون هناك تحرك عربي حازم، في إشارة إلى «عاصفة الحزم» التي تتواصل لليوم الثالث من أجل دعم الشرعية المتمثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي وردع مسلحي جماعة الحوثي.وذكر أن مشاركة بلاده في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن تهدف للحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه. وأكد الرئيسي المصري أن الأزمة السورية باتت مأساة يتألم لها الضمير العربي، وشدد على ضرورة التوصل لتسوية سياسية تدعم تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية والحكم المدني وتحرص في الوقت ذاته على الحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية.
وفي شأن عربي آخر، قال السيسي إن الوضع في ليبيا يزداد خطورة وتعقيداً في ظل استفحال التنظيمات «الإرهابية»، وأكد دعم بلاده لتحركات الأمم المتحدة من أجل التوصل لتسوية سياسية في ليبيا. وتطرق في كلمته لخطر الإرهاب، وقال إنه يستغل التقنيات الجديدة بغرض التحريض والترهيب، وأكد في السياق ذاته أن هناك حاجة لتنقية الخطاب الديني من شوائب التعصب والتطرف والغلو والتشدد.
استمرار عاصفة الحزم
من ناحيته، دعا الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى استمرار عاصفة الحزم في اليمن حتى تحقيق أهدافها واستسلام من سماهم العصابة، في إشارة إلى مسلحي جماعة الحوثي الذين وصفهم بأنهم دمية في يد إيران، واتهمهم بالمراهقة السياسية والسعي للسيطرة على اليمن برمته.
وأشار هادي إلى أن عاصفة الحزم جاءت استجابة عملية لطلبه الرد على «العدوان الحوثي المدمر» ودعا الشعب اليمني إلى الالتفاف حول الشرعية الدستورية بعد أن واجه الحوثيون الشعب بقوة السلاح وحاصروا قيادات الدولة وعطلوا عمل المؤسسات.وقال هادي «إنني أدعو إلى استمرار عملية عاصفة الحزم حتى تعلن هذه العصابة استسلامها وترحل من جميع المناطق التي احتلتها في مختلف المحافظات وأن تغادر مؤسسات الدولة ومعسكراتها».
وتابع «أقول لدمية إيران وألعوبتها ومن كان معها أنتم دمرتم اليمن بمراهقتكم السياسية وافتعالكم للازمات الداخلية والإقليمية. ومن يعتقد أنه بالصراخ والخطابات يمكن أن تجري الأوطان فهو مخطئ ألف مرة فأنت من انتهك السيادة وأنت من يتحمل المسؤولية لكل ما جرى وكل ما سيجري إذ ما استمريت بمراهقتك السياسية وأحلامك الضيقة فعد إلى رشدك أنت وحلفاؤك».
ودعا الرئيس اليمني شعبه للالتفاف حول الشرعية والنزول إلى الشوارع في مظاهرات سلمية. وقال مخاطباً القمة العربية «أتيت إليكم اليوم من اليمن الجريح مشاركاً في القمة العربية». وأضاف «مسؤوليتكم اليوم تتجلى في الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية مؤسسات الدولة من النهب وحماية المواطنين». كما دعا الجيش إلى «تنفيذ تعليمات قيادتكم الشرعية والتمسك بالثوابت الوطنية». وقال «أؤكد لكم بأننا عازمون على إعادة بناء قوات الجيش والأمن».
وشدد القادة العرب الذين تحدثوا في الجلسة الافتتاحية وبينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ما قال عباس إنه «الوضع الصعب» الذي يواجهه الفلسطينيون في وقت فشلت فيه مفاوضات السلام مع إسرائيل التي يقول العرب إنها ترفض التسليم بالحقوق الفلسطينية رغم استعداد العرب للسلام معها.
وأضاف عباس في كلمته «إن القدس الشرقية تعيش ربع الساعة الأخير قبل أن يكتمل مخطط تهويدها، ومن هنا فإنني أناشدكم بأن تستمروا وتكثفوا العمل من أجل حماية القدس ودعم صمود أهلها».
وتابع عباس «توحد العرب في إسرائيل بقائمة انتخابية واحدة واليوم يتوحدون للمرة الثانية في عاصفة الحزم».
دعم لا محدود لائتلاف الشرعية
من ناحيته، قال الرئيس السوداني عمر البشير في كلمته بشأن اليمن إن «السودان يعلن دعمه اللامحدود لائتلاف الدول المؤيدة للشرعية ولنؤكد مشاركتنا الفاعلة حالياً على الأرض ضمن قوات التحالف المساند للشرعية وذلك دعماً للسلطة الشرعية في اليمن».
ويشارك بالقمة العربية الحالية الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون الذي عبر عن خجله من فشل المجتمع الدولي في إيجاد تسوية للأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس. وحث بان كي مون إسرائيل على إنهاء قرابة 50 عاماً من الاحتلال، والفلسطينيين على إنهاء انقسامهم.
وتتواصل القمة العربية إلى اليوم، وذكر التلفزيون المصري أن 14 رئيساً وملكاً وأميراً ترأسوا وفود بلادهم، بينما تتمثل مشاركة بقية الدول العربية في نواب رؤساء ورؤساء حكومات ورؤساء برلمانات ووزراء خارجية وممثلين شخصيين. يشار إلى أن مقعد سوريا سيكون شاغراً بهذه القمة، إذ لايزال قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا فيها سارياً.
ومن المقرر أن تناقش القمة العربية مشروع قرار وافق عليه وزراء الخارجية العرب في اجتماع تحضيري في شرم الشيخ الخميس الماضي بإنشاء قوة عسكرية عربية لمواجهة التهديدات الأمنية.