كتب – وليد صبري:
«عبدالملك الحوثي.. دمية إيران وألعوبتها في اليمن»، هكذا وصف الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، حال زعيم المتمردين الحوثيين، الذي ربما اعتقد أنه «بالخطابة والصراخ يمكن أن تبنى الأوطان».
يبدو الشاب الذي يبلغ من العمر «35 عاماً»، خاصة -خلال خطاباته المتلفزة- مقلداً لأمين عام «حزب الله» الشيعي اللبناني حسن نصرالله، من ناحية الخطاب اللغوي، والحركة الجسدية، والإشارة بالإصبع، إضافة للخلفية الزرقاء التي يجلس أمامها، والشعار المطبوع عليها. ولاشك في أن صيغ شعار الجماعة «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، المنتشر في شوارع صنعاء على غرار شعار الثورة الإيرانية، جعل الكثير من اليمنيين يشبهون جماعة الحوثي، بـ«حزب الله» اللبناني الذي تربطه بإيران صلات وثيقة.
ورأى محللون أن «جماعة الحوثي هي «حزب الله اليمني»»، وعندما هزم مقاتلو الحوثي الحرس الجمهوري وشددوا قبضتهم على صنعاء في سبتمبر الماضي، عزز ذلك دور زعيمهم عبدالملك ليصبح الشخصية المهيمنة على التوتر السياسي في اليمن.
ويمتد التشبيه بين الجماعتين، ليشمل زعيمي الحركتين، إذ يشير محللون إلى أوجه تشابه بين الحوثي ونصر الله، من حيث كيفية استغلالهما لوسائل الإعلام بل وكيف يصيغان خطبهما.
ويصف الكاتب والمحلل خلف الحربي، أوجه التشابه بين «حزب الله»، والمتمردين الحوثيين، وبين الحوثي ونصرالله، قائلاً إن «الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، دمية إيران القديمة، الذي تحدث مؤخراً دفاعاً عن دمية إيران الجديدة، عبدالملك الحوثي، فلا هذا ولا ذاك، يمكن أن يصنعا لبلديهما أمراً لا يوافق عليه جنرالات الحرس الثوري في طهران، فالدمية الجديدة في صعدة، لن تفعل أكثر مما فعلته الدمية القديمة في ضاحية بيروت، فيصبح حال اليمن مثل حال لبنان، بلد يموت يوميا ويلف سيادته الوطنية في الكفن، ويدفن إرادة شعبه الحقيقية في القبر، وبعد كل هذا الموت يرفع لافتة بالفارسية تقول: «الموت لأمريكا»!».
وقد خاطب الرئيس هادي عبدالملك الحوثي قبل أيام قائلاً «أقول لدمية إيران وألعوبتها ومن معه أنت من دمر اليمن، ومن يعتقد أنه بالزعيق والخطابة يمكن أن تبنى الأوطان فهو مخطئ ألف مرة»، مضيفاً «أنت من انتهك السيادة وأنت من يتحمل مسؤولية كل ما جرى وكل ما سيجري».
وكما أن العلاقة الوثيقة التي تربط «حزب الله» بإيران مؤكدة، يتبين يوماً بعد يوم حجم الدعم الإيراني لمتمردي الحوثي، خاصة دعم المال والسلاح، من أجل زعزعة استقرار البلاد. وقد استغلت إيران حالة الفوضى في اليمن، حيث تمكنت من تسليح المتمردين الحوثيين بإرسال سفن محملة بمعدات أسلحة، إضافة إلى توقيع اتفاقات بعد سيطرة المتمردين على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي.
ويقول مسؤولون يمنيون وإيرانيون إن إيران زودت القوات الحوثية بدعم عسكري ومالي قبل وبعد السيطرة على صنعاء.
وأعلن مسؤول إيراني كبير أن وتيرة نقل المال والسلاح للحوثيين تسارعت منذ السيطرة على صنعاء.
ومع ذلك فالشيعة الزيدية تختلف عن المذهب الشيعي في لبنان أو إيران كما أن زعيم الحوثيين نفسه تحركه دوافع عملية بدرجة كبيرة في عقد التحالفات السياسية أكثر منها دوافع مذهبية.
ومن المعتقد على نطاق واسع أن السيطرة على صنعاء في سبتمبر الماضي تمت بقدر من التعاون مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان في السابق عدواً لدوداً للحوثيين وهذه علامة على براغماتية الجماعة، خاصة فيما يتعلق بالناحية المذهبية.
وقبل 11 عاماً فحسب، عندما كان عمر الحوثي 23 عاماً، لم يكن شيء يشير إلى أنه سيصبح بسرعة أقوى رجل في الجماعة، وربما من المؤثرين في العملية السياسية في اليمن.
وربما تعلم عبدالملك هذا النهج العملي في السياسة خلال السنوات الطويلة التي قضاها قائداً للمتمردين حيث فاز بتأييد قواته من خلال ترقية قادته بناء على ما يحققونه من نتائج لا على أساس مذهبي أو على أساس وضعهم.
وربما كانت خبرته العسكرية أيضاً مسؤولة عن نهجه شديد الحذر فيما يتعلق بأمنه. فمن المعروف عنه أنه نادرا ما يبقى لفترة طويلة في مكان واحد، وعدم إجراء مقابلات مع الصحافة ورفض الظهور علانية في مناسبات معلنة مسبقاً. بل إن الدائرة المصغرة من قادته المقربين تكتنفها السرية، باستثناء اسم أو اسمين. وقال محمد عزام المفكر اليمني المعروف الذي يعرف عبد الملك الحوثي منذ كان طفلاً إن سبب ذلك أنه «لا يريد أن يصيبهم مكروه».
ولد عبدالملك الحوثي بمدينة ضحيان في محافظة صعدة عام 1979، وهو الابن الأصغر للزعيم الروحي للحوثيين بدر الدين بن أمير الدين الحوثي «1926-2010» والذي كان يعد من أبرز المراجع الفقهية في المذهب الزيدي باليمن قبل أن يتحول للمذهب الجارودي -القريب من المذهب الاثني عشري- بعد إقامته في إيران خلال الفترة ما بين 1994 و2002.
وقد أسس والده حركة إحيائية دينية لمنع انتشار الآراء السنية في الريف حول مدينة صعدة الشمالية الفقيرة.
وقال عزام إن عبدالملك أصغر أبناء بدر الدين الثمانية كان حينذاك طالباً في طلب العلوم الدينية يقضي حاجات والده المسن.
بل كان شقيقه الأكبر حسين عضو البرلمان هو الذي جعل من الجماعة قوة سياسية وعسكرية واتجه إلى السلاح، ومن ثم أعلنت الحكومة ثمنا لرأسه وأرسلت الجيش إلى صعدة.
وعرف عبد الملك بملازمته لوالده في كل حلقات دروسه الفقهية، وأجازه والده في تلقيه العلوم الدينية التي درسها على يديه وهو في الثامنة عشر من عمره، ولا يعرف أنه نال أي شهادة تعليمية سواء المرحلة الأساسية أو الثانوية أو الجامعية. ورث عبدالملك الحوثي قيادة الجماعة بدعم من والده في أعقاب مقتل قائدها ومؤسسها -شقيقه الأكبر- حسين الذي قتل في 10 سبتمبر 2004 خلال حرب الجماعة مع الجيش اليمني أثناء حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وعقب مقتل شقيقه نشب خلاف داخل الجماعة في شأن من يتولى قيادتها، خاصة في ظل بروز القائد الميداني آنذاك عبد الله الرزامي، غير أن الاختيار وقع على عبدالملك الأصغر سناً والأقل خبرة، كقائد للجماعة نزولاً على رغبة والده. وبدأ اسمه يتردد كقائد للجماعة المتمردة خلال جولات الحرب في صعدة مع القوات الحكومية التي تواصلت على فترات متقطعة حتى عام 2010. في 8 يوليو 2014 سيطر الحوثي على محافظة عمران الشمالية بعد مواجهة مع الجيش. وفي أغسطس 2014 بدأ يتوعد الدولة إن لم تستجب لمطالبه بإقالة الحكومة وإلغاء قرار رفع الدعم عن المحروقات، ودعا أنصاره للاعتصام على تخوم العاصمة صنعاء وداخلها.
ومع تصاعد الخلاف بينه وبين الرئيس هادي -الذي رفض الانصياع لمطالبه أو الجلوس للحوار بشأنها قبل فض الاعتصامات والانسحاب من الشوارع- دعا الحوثي أنصاره للعصيان المدني وهدد بتصعيد «مزعج».
ومع ذلك ورغم هيمنة الحوثيين الفعلية على الوضع في اليمن في الشهور الأخيرة لا يعرف الكثير عن قائد الجماعة الذي نادراً ما يظهر علانية أو يجري مقابلات صحافية لكن خطبه القليلة تكشف عن تهور وتسرع خاصة في تحين الفرص السياسية. ومازال الغموض يكتنف القيادة العليا للجماعة في حين تظل أهدافهم النهائية ومدى استعدادهم للمهادنة فيما يتعلق بالمذاهب وصلاتهم بإيران مصدر تكهنات في الغرب ودول الخليج.
وقد اكتسب الحوثي سمعته كقائد في ساحة القتال في سلسلة الحروب الست التي خاضتها الجماعة كحركة متمردة ضد قوات صالح. ومع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011 جعل من نفسه زعيماً ثورياً وارتدى عباءة المتظاهرين الذين تدفقوا على شوارع صنعاء قبل 4 سنوات مطالبين بوضع نهاية للفساد والحكم الديكتاتوري. ويتوقع محللون إن عملية «عاصفة الحزم» العسكرية التي اطلقها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، قادرة على تقليم أظافر الحوثي وجماعته في اليمن، بل إنها قادرة على تحجيم دوره السياسي في مستقبل اليمن.