^ كتبت منذ أسابيع عن الحزن كشعور لصيق بالإنسان، بل كشعور لا يكون الإنسان إنساناً طبيعياً إلا به، تماماً مثل الفرح والغضب، كما كتبت في ذات الموضوع عن العلاقات بين البشر وما يعتريها من تقلبات، وما يحكمها من مشاعر ورؤى ومصالح تؤثر على حياتنا لأن الإنسان مدني بالطبع، وفي حاجة إلى الآخرين ليشعر أنه إنسان، لأن العزلة تساوي العدم تقريباً، ولذلك يندفع الناس نحو بعضهم بعضاً، حباً وكراهيةً، تعاوناً وحقداً، ولكن الحياة في النهاية هي التي تكيف حياتنا وتؤثر في مجرياتها، فهكذا تمضي حتى نقضي. كما أثرت في ذات المقال موضوعي قسوة الحياة والغربة بمعناها الروحاني، بالإحالة إلى كتابات أبي حيان التوحيدي الذي أعلن: أن أغرب الغرباء هو من كان في غربته غريباً. ولقد جاءتني بعض التعقيبات التي ارتأيت أنها في منتهى العمق والشفافية حول هذه الملاحظات العابرة من التأمل في الحياة، أراها تثري هذا الموضوع الإنساني، فأورد ما أعجبني منها وأراه مضيفاً بعض القيمة، فكراً وتأملاً ولغة: - الحزن عاطفة مؤلمة ترتبط في العادة بالشعور بالحرمان، أو بالخسارة، أو اليأس، أو العجز، أو الغضب، وحينما يشعر الناس بالحزن، كثيراً ما يتم الحديث بصراحة عن هذا الشعور ويصبحون لذلك أقل نشاطاً وأكثر انفعالاً فيصبح البكاء إشارة ودلالة على مثل هذا الحزن. يمكن النظر إلى الحزن باعتباره هبوطاً مؤقتاً في المزاج، في حين أن الاكتئاب عبارة عن هبوط مستمر ومكثف في المزاج، فضلاً عن تعطل قدرة المرء على الأداء الطبيعي في الأمور الحياتية اليومية. -الحزن واحد من المشاعر الستة الأساسية عند أحد علماء النفس يدعى بول أيكمان وهي: السعادة، الحزن، الغضب، الدهشة، الخوف، الاشمئزاز أو الشعور بالقرف كما يمكن أن نسميه، ومن الواضح أنه لا يوجد حزن جميل وآخر كريه، أبيض وأسود إلا في مخيلة الكاتب ككاتب، فمشاعر الحزن كريهة وسوداء حتى وإن كانت مشاعر مؤقتة وطارئة، وأنه حينما تصبح هذه المشاعر دائمة ومكثفة كما في حالة الاكتئاب فإن لم يتم معالجتها طبياً فإنها حتماً ستؤدي إلى الاكتئاب، ومن ثمة قد تدفع بصاحبها نحو الإقدام على أسوأ فعل هو الانتحار! -خرائط الحياة: يدهشنا حجم قساوة الحياة التي تجعلنا بعيدين بالرغم من شدة قربنا وتجعلنا حزينين بالرغم من شدة ما في قلوبنا من فرح مكتوم يبحث عن طريق ليعبر عن نفسه، قد يكون العيب فينا أو يكون في الحياة أو في المفارقات التي تجعل من محطة الوصول إلى لحظة الفرح خط نار، وتجعل من لحظة السعادة لحظة مسروقة بين ألمين. -أحياناً قد نشعر بأن خياراتنا -إن صح أن نسميها خيارات- غير موفقة لأننا لسذاجتنا نكون كمن نعتقد أننا نريد ونصمم ما نريد ونعلل ما نريد، ولكن سرعان ما نكتشف أن خارطة الحياة تم تصميمها لتكون نهائية وحتمية وخطواتها يجب أن نمشيها وإن لم يكن الطريق لا يعجبنا وإن لم تكن محطات القطار التي توقفنا عندها لم تكن مقصودة أصلاً. ليس في الأمر أي تشاؤم ولكن التجربة في الحياة تكرس هذه الحركية الدافعة بنا نحو نوع من الحتمية في خطوطها الأساسية، قد يكون لنا دور في التفاصيل، في الألوان والأشكال والمقاسات ولكن البنيان الرئيس رباني التصميم: فلماذا تبزغ الشمس كل يوم؟ ولماذا تغيب كل مساء؟ أو لماذا نحيا ولماذا نموت؟ والجواب هو: عندما يصبح الصباح دون أن تبزغ الشمس ويأتي الغروب فلا تغيب الشمس وعندما نتوقف عن الحلم والأمل.. الغربة الحقيقية هي غربة الذات عن ذاتها، ولا أعتقد أن الآخرين مسؤولون عنها، قد نكون مع أناس حقيقيين وليس مع أصنام بلاستيكية ولكن لا نشعر بهم لأننا نعيش الغربة بداخلنا ونحملها معنا أينما ذهبنا أو تغيرت الوجوه والأماكن، الغربة هي شعور داخلي لا يستطيع أحد أن يساعدنا على تخطيه، إلا أن عزمنا من خلال الإرادة الحقيقة لتغيير هذا الشعور بأنفسنا هو خيارنا نحن وليس خيار الآخرين.