كتب - جعفر الديري:
قبل أن يتوفاه الله لرحمته، أسر لي الحاج حسين، بأنه شاهد جنية في صغره، كادت أن تذهب بعقله. كان ذلك عندما جلست في بيته القديم الآيل للسقوط، قبل عام في عصرية يوم معتدل الطقس، من أيام أبريل النادرة. كان الرجل الذي حظيت بالتحدث إليه، كنز حكايات لا تنتهي نوادره وتعليقاته الطريفة، وكان يتذكر أحداثاً وقعت له في صغره بدقة تدعو للدهشة!.
في ذلك اليوم سألته:
- إن الناس يقولون عنك أنك حدثتهم عن مشاهدة جنية حقيقية، فهل حدث ذلك فعلاً؟
اعتدل في جلسته، وأخذ نفساً من النارجيلة، ثم قال في صوت ذكرني بالعجوز في إحدى حلقات المسلسل الكارتوني «توم سوير»، وهو يسرد قصة الأشباح:
- نعم، شاهدت هذه الجنية في صغري فعلاً. حدث ذلك عندما كنت في الحادية عشرة من عمري. كانت جدتي تقيم في بيتها لوحدها، بعد وفاة جدي رحمه الله تعالى. فكنا نضطر أنا وأخي لزيارتها بين مدة وأخرى، بأمر من أمي يرحمها الله. وكانت تستقبلنا تغمدها الله بواسع رحمته بترحاب كبير، فتتناول عندها طعام الغداء، وقبل أن تغرب الشمس، نتوجه لمحطة النقل العام، ليقلنا لبيت أبينا. إلا أنه في ذلك، غفلنا عن الساعة، فوجدنا الشمس قد غربت، ولم نع ذلك إلا حين سمعنا صوت الآذان!.
لقد أظلم الليل، ومعنى ذلك أننا، لن نصل قريتنا إلا في وقت متأخر. ولم تكن الشوارع بالأمس كما هي اليوم، تمتلئ طرقاتها بالمصابيح، بل كانت مخيفة بالفعل. ولم يكن أحد من الأطفال يجرؤ على الخروج ليلاً إلا قلة نادرة!.
ثم أخذ الحاج حسين، نفساً طويلاً من النارجيلة، قبل أن يتابع، وقد أخذ بأنفاسي لطريقته المدهشة في الحكي:
- عندها سألتنا جدتي أن نبيت معها في البيت، حتى إذا بزغت الشمس نتوجه إلى بيتنا، وطمأنتنا أن أمي ستدرك لا شك أننا بتنا عندها.
وأطعنا جدتي، وعزمنا على أن نبيت عندها، في الغرفة الوحيدة التي تطل نافذتها الوحيدة على شارع شبه مهجور، فلا تؤمه سوى سيارات البحارة وهم في طريقهم للبحر أو وهم عائدون منه. وسرعان ما غلبنا النوم بعد عشاء دسم أعدته جدتي رحمها الله، وتركتنا جدتي بعد أن أخبرتنا أنها ستذهب لزيارة إحدي صديقاتها.
وهنا توقف الحاج حسين عن الحديث، وبان على وجهه تغير أشعرني بالخوف والتوتر، قبل أن يتابع: في هدئة الليل، أيقظتني خشخشة غريبة على شباك النافذة، وسمعت صوتاً غريباً ينادي جدتي. وما إن فتحت عيني حتى شعرت وكأن روحي على وشك الهلاك، لقد كانت هناك، شاهدتها بأم عيني، سيدة بشعة الوجه، محلولة الشعر، لها أضافر طويلة، تخربش على خصاص النافذة. كانت تنادي بصوت مرعب في حشرجة لا تمت لصوت البشر: أين أنت يا أم محمد؟! أين أنت؟ وتسمرت لعدة دقائق في مكاني، جسمي على الأرض، وروحي معلقة بهذه الجنية، التي يمكنها أن تتناولني في أية لحظة!. إلى أن خفت صوت المرأة وذهبت، لكن بعد أن أمرضتني رعباً وخوفاً، لأيام عديدة.
ثم نظر لي الحاج حسين وقال:
- صدقني لقد شاهدت المرأة ولم أكن أحلم كما يتوهم الكثيرون. أما أنا فأخذت بما سرده الحاج حسين، أخذت لدرجة شعرت معها وكأن المرأة الجنية معنا في المنزل تنتظر إشارة لتخرج لنا مجدداً!.