الابتسامة شعار سامٍ.. تخفي وراءها صفاء القلب.. وسلامة الصدر، وتدل على حسن المقصد، فلا يبتسم إلا عظيم، ولا يظهرها إلا صاحب خلق رفيع، ولنا في حبيبنا صلى الله عليه وسلم أعظم المثل، فقد كان دائم التبسم، ضاحك الثغر، حلو المنطق، بل كانت الابتسامة لا تفارق محياه، ولا تنفك عن شفتاه رغم ما كان يحمله من هم الدعوة وتبليغ الرسالة وقيادة الأمة وإمامة الناس وتفقد الفقراء، والعطف على الضعفاء فقد قال عنه الصحابي جرير بن عبدالله البجلي: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وما رآني إلا تبسم ...) كيف لا يتبسم وهو القائل: وتبسمك في وجه أخيك صدقة.
الابتسامة صدقة بلا عناء، ورياضة بلا مشقة، وعطر يفوح بلا زهور، وحسنات بلا جهد فما دمت مبتسماً فحسناتك جارية، فإذا أحجمت عن الابتسامة أحجمت الملائكة عن الكتابة فلا تبخل على نفسك بالابتسامة.
والابتسامة دواء للقلوب المتعبة، والأبدان المنهكة، وإزاحة للهموم المتراكمة على القلب، وهي أيضا تدل على تربية راقية.. وتنشئة طيبة.. تفتح بها القلوب وتكسب بها ثقة الناس وتدوم بها المودة، وتقوي أواصر المحبة بين الآباء والأبناء، وبين الزوج وزوجته فيلمسون أثرها على علاقاتهم ويجنون ثمارها في حياتهم.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق). أي لن تكسبوا قلوب الناس بأموالكم مهما كان غناكم وثرائكم ولكن تستطيعون كسبها بابتسامتكم وحسن خلقكم وهذا أمر بسيط مقدور عليه يستطيعه كل واحد منا ففي الحديث ترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم على إفشاء الابتسامة بين الناس والحث عليها والترغيب فيها وأعظم الابتسامة وأكثرها أجراً ونفعاً هي:
- الابتسامة في وجه الوالدين: فهم أولى الناس بالابتسامة منك، فكم تعبوا من أجل أن يروك مبتسماً سعيداً، وكم شقوا ليروك فرحاً مسروراً، فنبخل عليهم بابتسامه تنسيهم الآلام التي عانوها، والأحزان التي حملوها قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا). فابتسامتك لهم راحة وطمأنينة تشعرهم بقربك منهم واهتمامك بهم وهي من الإحسان الذي أمر الله به.
- الابتسامة في وجه الزوجة: فالبيت السعيد عنوانه الابتسامة، والبيت الشقي المملوء بالمشاكل عنوانه التجهم والتقطيب، فما أجمل الابتسامة عندما تعلوا محيا الزوج، وما أروعها عندما تشع من وجهه فتصل إلى قلب الزوجة فيشعرها بالدفئ ويملأ قلبها بالراحة والطمأنينة، فالابتسامة تنسي الزوجة تعب البيت وتربية الأبناء وتترك رسالة في قلبها تحسسها بحبك واهتمامك، فالمرأة جبلت على حب السعادة ومقت العبوس والتقطيب، والبيت الذي يفقد السعادة هو بيت قد حل فيه الظلام واستقرت فيه المشاكل وكثر فيه الخلاف بين أفراد الأسرة وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) والزوجة من باب أولى إن نمنحها هذه الابتسامة.
- الابتسامة في وجه الأبناء: فهي أسلوب تربوي رفيع، بها تنكسر الحواجز بين الأبناء والإباء وتنمي العلاقة، وتزيد المحبة بينهم ، بل أنها أسلوب فعال في إزالة الخوف والرهبة من النفوس، فابتسامتك في وجه ابنك تزيد من حبه لك واعتزازه بك فتكون مسموع القول مطاع فيما تأمر به أو تنهى عنه، فلا يرد لك بعدها طلباً ويسارع إلى استشارتك في كل أمر، ويفضفض لك عما في قلبه لأنك أصبحت القدوة له.
- الابتسامة في وجه الطالب: فلو وجد الطالب عندما يدخل المدرسة مديراً مبتسماً، ومعلماً مبتسماً، ومشرفاً مبتسماً.. لارتاحت نفسه للمدرسة، وانشرح قلبه للتدريس، ولأقبل على التعليم بكل حب وسعادة لأنه وجد فيها الحب والتقدير الذي كان يفتقده ووجد فيها من يحترمه ويهتم فيه، وأصبحت مدارسنا من أروع المدارس وأفضلها، ولسعدت الأسرة لسعادة ابنها وفرحه والسبب كله ابتسامة بسيطة لعلنا لم نهتم بها أو نلقي لها بالاً أدخلت السرور على قلوبهم.
- الابتسامة في وجه العامل: نخرج في الصباح متوجهين إلى أعمالنا نصادف عمال بسطاء ينظرون إلينا فعندما نبتسم في وجيههم تكون سعادتهم وفرحتهم كبيرة، وكأنهم ملكوا شيئاً عظيماً لا يقدر بثمن، فابتسامتك تزيل بعضاً من مآسيهم، وتخفف عنهم غربتهم عن بلدهم وأهليهم فلا تبخل بها عليهم وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).