لا قانون خاص يحكم مسألة الأخطاء الطبية بالبحرين ولا محامون مختصون
«المهن الطبية» تمارس صلاحيات ليست من اختصاصها بالنسبة للأخطاء الطبية
«الصحة» عندما تحقق بالأخطاء الطبية تضع نفسها خصماً وحكماً بنفس الوقت


حوار - زينب أحمد:
دعا الخبير الدولي بمجال الأخطاء الطبية رئيس قسم القانون بالأكاديمية الملكية للشرطة د.خالد الدويري، إلى تشكيل لجنة عليا مختصة للنظر بمسألة الأخطاء الطبية، على ألا تتبع وزارة الصحة ضماناً للحيادية.
وقال الدويري في حوار مع «الوطن»، إن هيئة المهن الطبية تمارس صلاحيات ليست من اختصاصها عند مباشرة الأخطاء الطبية، بينما تحقق «الصحة» بالأخطاء الطبية وتضع نفسها خصماً وحكماً بنفس الوقت.
هل هناك قوانين رادعة تحمي من الوقوع بالأخطاء الطبية؟
بصراحة لا يوجد قوانين كهذه في أغلب الدول، ودولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة لوضع قانون بشأن المسوؤلية الطبية، وهو القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2008، ويشتمل على عدة محاور قد تقلل من الوقوع بالأخطاء الطبية.
حجم الأخطاء الطبية
هل هناك إحصاءات لحجم الأخطاء الطبية محلياً وعالمياً؟
تشير الإحصاءات إلى أن 100 ألف مريض يتوفون سنوياً في أمريكا نتيجة الأخطاء الطبية، إضافة لمرضى يصابون بعاهات مستديمة، وهذا العدد يفوق ضحايا مرض سرطان الثدي وحوادث السير وضحايا الإيدز مجتمعة، وفي بريطانيا يتجاوز عدد ضحايا الأخطاء الطبية 60 ألف حالة سنوياً.
في دولنا العربية وللأسف الشديد، فإن وزارات الصحة لا تعطي أرقاماً بهذا الشأن، وفي اعتقادي يعود ذلك لكثرة الأخطاء الطبية، ونطالب بوضع حلول رادعة تحد من الازدياد المضطرد في عدد ضحايا الطب والأخطاء الطبية.
كيف يتم التعامل مع قضايا الأخطاء الطبية في البحرين؟
للأسف الشديد لا يوجد آلية معينة متبعة في هذا المجال، بحسب ما هو متعارف عليه عالمياً، ولا يوجد قانون خاص يحكم المسألة الطبية أسوة مع الدول المتقدمة، ولا محامون مختصون ملمين بالإجراءات المتبعة بهذا الخصوص.
لا يمكن أن تكون الجهة نفسها الحكم والخصم، وهيئة المهن الطبية تمارس صلاحيات ليست من اختصاصها بالنسبة لموضوع الأخطاء الطبية، وهو ما لا يحصل في دول العالم.
يجب تشكيل لجنة عليا تنظر بموضوع الأخطاء الطبية تكون ذات اختصاص من الناحية القانونية والطبية.
من وجهة نظرك.. ما الأسباب المؤدية لارتكاب الأخطاء الطبية؟
هنالك الكثير من الأسباب تؤدي للوقوع بالأخطاء الطبية، منها عدم وجود قانون خاص رادع يحاسب الأطباء المخطئين، وهنا لا بد من الرجوع إلى القواعد العامة في القانون، وعدم وجود رقابة مستمرة وصارمة على المنشآت الصحية، وضرورة إخضاع الأطباء لامتحانات ودورات وندوات مستمرة لمتابعة المستجدات في عالم الطب.
إفلات الطبيب المخطئ من العقاب وعدم وجود عقوبة رادعة بحقه، يؤدي إلى التمادي والتلاعب في جسم المريض، وعدم اتباع القواعد العلمية المتبعة في الدول المقدمة.
التدقيق على شهادات الأطباء وعمل امتحانات امتياز لهم لممارسة مهنة الطب، والتدقيق على الجامعات المانحة للشهادات هل معترف بها أم لا؟ والتدريب والتعليم المستمر للأطباء حتى يكونوا على اطلاع مستمر على المعلومات الطبية.
تقليل الضغوطات النفسية على الطبيب من ممارسته مهنة الطب، وتحديد ساعات عمل معقولة يومياً ومعاينة عدد معين من المرضى، حتى يمارس التشخيص الصحيح وإعطاء العلاج المناسب، ومنح رواتب ومكافآت مجزية للأطباء تحفيزياً لهم.
الإجراءات القانونية
ما الإجراءات القانونية المتخذة ضد أي طبيب يثبت ارتكابه خطأ طبياً؟
الإجراءات المتبعة والصحيحة قانونياً الموجودة في الدول المتقدمة، عند الاعتداء على سلامة جسم إنسان الناتج عن إهمال أو تقصير من قبل الطبيب في عدم اتباع القواعد العلمية، تبدأ أولاً بتسجيل شكوى على الطبيب المخطئ والمستشفى بأقرب مركز شرطة ذات اختصاص مكاني، ومن ثم تحول إلى وكيل النيابة وبعدها للقضاء، وتشكيل لجنة طبية محايدة للنظر في موضوع الخطأ يؤدي أعضاؤها القسم ويكونون جاهزين لإجراء المشورة الطبية.
هل هناك حالات خطرة تسببها الأخطاء الطبية؟
من خبرتي كخبير دولي في الأخطاء الطبية تزيد عن 20 عاماً، عندما تؤخذ عينة دم من مريض يعاني السكري والقلب والضغط ويتوفى بعد 8 دقائق، السبب هنا إهمال الطبيب في عدم سؤاله للمريض عن مرضه.
ومثال آخر عندما تكون مريضة تحتاج إلى تزويدها بالدم فئة o- وتعطى لها دم بالخطأ من فئة -A، والنتيجة تكسر في كريات الدم الحمراء بعد 5 دقائق.
ما ذنب المريض في تحمل وقوع الأخطاء الطبية؟
المريض ضحية إهمال وتقصير الطبيب، والمريض يسلم الطبيب أغلى ما يملكه، ويجب على الطبيب أن يعامل المريض معاملة الأب الحنون لأطفاله، لكن للأسف في كثير من الدول العربية هذا غير موجود.
ولأن الطبيب يعتبر تاجراً أحياناً، رغم أن الطب مهنة إنسانية قبل كل شيء، وتجد أطباء تقدموا في السن ولم يعودوا يصلحون لممارسة المهنة، وليس عندهم أدنى اهتمام لمتابعة التطورات بعالم الطب، والأفضل أن يتركوا عياداتهم.
تحقيقات الأخطاء الطبية
ما رأيك بإجراء وزارة الصحة تحقيقات عند حدوث الأخطاء الطبية؟
أنا ضد تشكيل لجان التحقيق بمسألة الأخطاء الطبية، يجب اللجوء إلى القضاء مباشرة وانتداب خبير، خاصة أن اللجان تشكل من قبل وزارة الصحة، وهي أصلاً جهة مدعى عليها، فكيف يستقيم الأمر أن يكون الخصم والحكم واحداً؟
من يتحمل مسوؤلية وقوع الأخطاء الطبية المريض نفسه أم وزارة الصحة أم المستشفى؟
هنا يجب أن نعرف أن الطبيب يعمل لدى وزارة الصحة، وهناك مسؤوليات تقع على عاتقه، يجب أن يكون المدعى عليهم هم الطبيب والمستشفى أو وزارة الصحة، وفي النهاية تلتزم الوزارة بدفع التعويض وهذا ما يسمى مسؤولية المتبوع.
ما حقوق المريض قانونياً؟
حقوق المريض تتمثل في واجب الإعلام والتصفير بالنسبة للمريض حول التدخل الطبي ونسبة نجاحه، وما الآلية المتبعة والخيارات المتاحة، ويجب أن يكون ذلك بشكل واضح وبلغة بسيطة بحيث يفهمها المريض، ويقرر بناء على ذلك موافقته على التدخل الطبي.
كونك خبيراً دولياً في مجال الأخطاء الطبية.. ما رأيك بالتأمين الإلزامي على عمل الأطباء؟
أنا بالتأكيد مع هذا الشيء لعدة أسباب، منها أن يكون التأمين على عمل الأطباء ضمانة لهم وحماية للمريض في حالة ارتكابه خطأ طبياً، حيث إن المريض يرجع لجهة ذات ملاءة مالية للمطالبة بالتعويض، في أمريكا مثلاً لا يمكن للطبيب ممارسة مهنة الطب قبل أن يكون لديه تأمين إلزامي.
أين القصور والخلل؟
لماذا أغلب قضايا الأخطاء الطبية لا تنجح أو يتحدد مصيرها؟
هذا صحيح ويعزى لعدة أسباب، من أبرزها عدم وجود محامين مختصين في موضوع الأخطاء الطبية، فضلاً عن أن لجنة الخبراء تابعة لوزارة الصحة، فإذا كانت الدعوى مرفوعة على طبيب يعمل في مستشفى السلمانية، فالخبير يتسلم راتبه من وزارة الصحة.
الواجب أن تكون هناك لجنة خبراء من كافة التخصصات ليسوا تابعين لوزارة الصحة، وتشكيل هيئة للتراخيص والشكاوى مستقلة، وليس قسماً تابعاً لوزارة الصحة، أسوة بالدول المتقدمة.
أين القصور في تشريعاتنا العربية في مجال المسؤولية المدنية للطبيب؟
هناك قصور كبير واقعياً، ففي الكثير من الدول يلزم المريض باللجوء مباشرة إلى وزارة الصحة لتقرر خطأ الطبيب من عدمه، وبناء عليه تسمح للمريض برفع الدعوى أولاً، بينما يلجأ المريض في الدول الأوروبية للقضاء فور تعرضه لخطأ طبي، ويكون القضاء الفيصل في هذا الموضوع كونه اختصاصاً أصيلاً.
يوجد بالطبع قصور تشريعي في تحديد مسؤولية الطبيب، إذ نفتقر لتشريع خاص بذلك أسوة بكثير من الدول المتقدمة التي نظمت العملية ببنود واضحة تحدد المسؤولية وأبعادها، وكانت هناك محاولات عدة لإصدار مثل هذا التشريع في دول عربية، ولكن المشروع فشل لتغليب البعض المصلحة الخاصة على العامة.
ومن حسنات وجود هذا التشريع، أنه يضم بين جنباته بنوداً تلزم المستشفيات بتدريب وتطوير كوادرها الطبية، وإخضاعهم لدورات وورش مستمرة تطلعهم على آخر المستجدات الطبية في العالم.