لا أجد تفسيراً لما حدث لي في البحرين سوى أنه «عين»، فقد فقدتُ صوتي، وهو ما لم يحدث لي طيلة عمر قضيته في ثلاث قارات. لم أصب ببحّة، أو كحّة، أو نكوص في الصحة، وإنما غادرتُ الطائرة وصوتي معي، ووجدت بقايا عاصفة غبار في البلد، يبدو أن جهاز التكييف في الفندق نقلها إلى حلقي ورئتَيَّ ليلاً، وكان أن فقدتُ صوتي. وسمعت أخبار الطقس في اليوم التالي على التلفزيون ومذيع يقول إن «العاصفة رحلت وأنا أقول له إنها عشّشت في صدري». اخترتُ كلام الجِدّ عن البحرين في مقالين، وبعضه مؤلم، وأكمل ببعض المشاهدات الخاصة ليرتاح القارئ من عناء السياسة. ربما قال قارئ ذكي إنني اخترعت قصة «العين» لردّ العين عني، خصوصاً أنه كان في متناول يدي أن أحضر مسرحية أو حفلة موسيقية كل ليلة، وهو ما ليس متوافراً لكل قارئ. أقول إن «العين» تابعتني في الحفلات، فقد كانت الشيخة مي آل خليفة، وزيرة الثقافة، نصحتني بحضور «كورال الفيحاء» بقيادة المايسترو برليف تسلاكيان، وبسماع ضيفين من تونس هما الدكتور أبو يعرب المرزوقي والدكتور محمد الحداد يتحدثان في ندوة ثقافية. وكان أن اختلطت عليّ المواعيد، واتصل بي الصديق أكرم مكناس، وهو شاهد عدل، عندما تأخرت عن موعدنا لحضور العمل المسرحي، ليسألني أين أنا، ولم يصدق أنني أناقش قضايا الثقافة العربية. أكتب ما حدث من دون أن أشكو من «عين» أو «خشم»، فالبحرين بلدي منذ زرتها ذات صيف وأنا أودّع المراهقة، وعملت فيها شهرين قبل الجامعة لأجمع ثمن سيارة فولكسواغن. الملك حمد بن عيسى ضحك من ضياع صوتي، وحدثته ورئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان إلى جانبه، بلغة الإشارة، واكتفيت بأن أسمع ما قالا، فأنا ذهبتُ لأسمع لا لأبدي رأياً. طبعاً زيارة البحرين لا تكتمل من دون زيارة الشيخ محمد بن مبارك، نائب رئيس الوزراء، وسمعت منه شرحاً صريحاً وافياً للوضع السياسي. أما وزيرة الثقافة الشيخة مي الخليفة، فهي بعد أن أشرفت على نشاط ثقافي أو فني كل نهار ومساء، حضرتُ معها جلسة فكر انتهت قبيل منتصف الليل، فإذا بها تودعنا وتتجه إلى المطار للسفر في نشاط خارجي، كأن نشاطها في البحرين لا يكفي. أترك الناس الكبار لأقول إن البحرين بلد جميل، وأهله ناس طيبون، وهي رئة الخليج، وعندي مؤشر واضح على هذا، هو أن أسأل موظفين صغاراً أو عمالاً عن عملهم. عاملة الاستقبال في الفندق مغربية شابة، قالت لي إنها تعامَل باحترام، وقد نصحت صديقاتها بأن يبحثن عن عمل في البحرين. وسائقي كان من بنغلاديش، وأشك في أنه يعرف لغة بلده أو أي لغة، ولكن فهمتُ منه أنه سعيد بعمله ولن يتركه إلا إذا طُرد منه. أما العاملات في تنظيف الغرف، وكان بينهن فلبينية وتايلندية، فقد أجمعن على حسن معاملتهن، وهو ما لا أتوقع أن تقوله خادمة في بيروت مثلاً. وأعود إلى ما بدأت به، على طريقة إغلاق الدائرة، وأتهم «العين» مرة أخرى، فهي لم تفسد عليّ زيارة البحرين فقط، وإنما منعتني من إكمال السفر إلى الكويت، حيث كان يُفترض أن أشارك في مؤتمر لجائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، إلا أنني اتصلت بالإخوان في الكويت معتذراً، وهم أدركوا من حشرجتي أنني سأكون خارج نطاق التداول أياماً وعذروني. وهكذا كان، وتوقفتُ يوماً في لبنان، بلد الحسان، وعدتُ إلى لندن سالماً، من دون أن أكون غانماً.