^ استطراداً للحديث حول التعامل بين الناس في الحياة اليومية عبر البوابة الطائفية، ينبغي التأكيد على أن هذه الظاهرة الطارئة، والمرفوضة شعبياً، لم تكن ستأخذ أبعاداً خطيرةً كالتي بلغتها في هذه المرحلة بالذات لو أن أبناء الطائفتيّن تمكّنوا من تجاوز تبعات الأحداث الأليمة التي عصفت بالوطن، واتبعوا نفس النهج الذي اختطته الدولة في معالجة الجروح النازفة، وذلك عبر جبر الخواطر، وإنصاف المتضررين، وتعويضهم مادياً ومعنوياً، وتهيئة الأجواء للحوارات السياسية البناءة، وصولاً إلى المصالحة الوطنية، بصرف النظر عن حجم التنازلات والخسائر. أعتقد أن السبب الأساسي وراء هذه الظاهرة الخطيرة فعلاً هو تشبّث الأفراد المنتمين للطائفة برؤيتهم للحدث، وتفسيرهم له من واقع منظورهم الخاص، واعتقادهم الأكيد أن هذا هو التفسير الوحيد الصحيح للواقعة، وكل التفسيرات الأخرى زائفة، وغير مقبولة، ولا تستحق الطرح والمناقشة، علماً بأن أيِّ تأويلٍ للحدث السياسي يفترض أن يكون قائماً على رؤيةٍ وطنيةٍ شاملةٍ، وليس موجهاً لخدمة المصالح الآنية لأبناء المذهب. فإذا أخذنا قضية المفصولين نموذجاً حياً، فيكفي التذكير هنا بالجهود الجبارة التي بذلتها الدولة، ممثلةً في اللجنة الوطنية الخاصة بمتابعة تنفيذ توصيات لجنة تقصِّي الحقائق، وديوان الخدمة المدنية، ووزارة العمل، في سبيل إرجاع المفصولين إلى مواقع عملهم، وتعويضهم مادياً، وحفظ حقوق الموظف وكرامته في موقع العمل. بينما برزت في المقابل أصوات متشدِّدة تصّر بصورةٍ تثير الاستغراب والتعجِّب على عدم إعادة هؤلاء المفصولين إلى أعمالهم، وتروّج في أوساط أتباعها ومؤيِّديها مقولة إن إرجاعهم يمثل “تنازلاً خطيراً” من قبل الدولة للجماعات الموتورة المدعومة من الخارج، وأنه سوف “يهدِّد الأمن الوطني”، ناسيةً أن مبادرة الدولة جاءت تنفيذاً لتوصيات اللجنة الدولية لتقصِّي الحقائق، والمشكّلة بأمر ملكي، حيث إن الدولة تنظر بعين المستقبل، وليس من منظور اللحظة الحاضرة الآنية بكل تعقيداتها، حيث تنعدم الرؤية السليمة، وتتعطل البصيرة، ويخفت صوت الحكمة، فالمواطن بالنسبة للدولة، أكان سنياً أم شيعياً، هو ابن الوطن، ويستحّق كامل الإنصاف والتقدير.